مظاهر زواج القاصرات وتداعياتها/ليان حسين
إعداد ليان خليل حسين:
يعتبر زواج القاصرات من القضايا الإجتماعية ذات الآثار السلبية الكثيرة . كما تعتبر كارثة حقيقية تجلب العديد من النتائج والمخاطر السلبية على الفتيات. هذا عدا عن الآثار التي قد تترتّب جرّاء هذا الزواج المبكر كالجوانب النفسية والصحيّة والإجتماعية وغيرها.
يمكن تعريف الزواج المبكر أو ما يعرف بزواج الأطفال على أنّه الزواج الذي يكون عمر أحد الطرفين أو كليهما دون سن الـ 18عامًا، أو لم يبلغ سنّ الرشد المحدّد في الدولة وهو يعتبر أحد أنواع الزواج القسري، أيّ أنّ أطراف العلاقة لا يبديان موافقة صريحة للزواج ، أو بشكل أدقّ لا يمتلكان حرّية رفضه. مع الإشارة إلى وجود بعض الفتيات اللواتي يتزوّجن في سنّ مبكرة، راضيات على هذا الزواج ومقتنعات به، سواء لإيمانهنّ بالأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة مع التسليم بها، أو لكونهنّ يردن هذا الزواج الذي ولد عن حبّ متبادل وصادق بين الطرفين.
ما هي أسباب الزواج المبكر للقاصرات؟ ما هي الآثار والعوارض الناجمة عن هذا الزواج القسري؟ وماذا عن الحلول التي يمكن أن تتوفّر لتجنّب اللجوء إلى هذا الزواج؟
أسباب زواج القاصرات:
القاصرات هي كلّ فتاة في مرحلة الطفولة، ما زالت تحت وصاية والدها أو ولي أمرها وتعجز عن تولّي مسؤولية نفسها القانونية. لا يتجاوز عمرها الـ18سنة ، السنّ التي يفترض للفتاة أن تقوم بالدراسة الأساسية ما عدا الدراسات الأخرى التي يتمّ استكمالها بعد الإنتهاء من فترة التعليم الأساسية.
إنّ هذه الظاهرة الإجتماعية المنتشرة حتّى هذه اللحظة في معظم دول العالم قد أثّرت بشكل ملحوظ على صحّة ونفسية الفتيات دون السنّ القانونية بخاصة في الفترة العمرية بين الـ 8-15 سنة. هذا الزواج الذي يحرم الطفلة من أبسط حقوقها كالحقّ في التعلّم واللعب كباقي الفتيات، ويجعلها تحمل أعباء فوق طاقتها، ينتشر في المناطق الريفية في معظم الأحيان أكثر من المناطق الحضارية، فالمناطق الريفية تبلغ نسبة الزواج المبكر 48% بينما في المناطق الحضارية 29%.
إنّ هؤلاء الفتيات لا يصلحن للزواج لأسباب علمية متعدّدة ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
الجهل كسبب أوّلي لانتشار هذه الظاهرة السيّئة. فالعائلات الجاهلة أو غير المتعلّمة التي لا تدرك مدى خطورة هذا الزواج على بناتهنّ والضرر اللاحق بهنّ جرّاء هذا الزواج المبكر في عمر صغير، ترتفع فيها نسبة هذا الزواج. هذا عدا عن المسؤولية التي تنتظر الفتاة بعد الزواج من زوج وأبناء وغيرها من الأمور والمسؤوليات الحياتية الآتية إليها.
السبب الثاني وراء هذه الظاهرة يرجع إلى الفقر وسوء الوضع الإقتصادي، فهو من الأسباب التي تحمل الأهل على تزويج بناتهنّ وتنتشر بشكل كبير في المناطق الفقيرة، وذلك من أجل التخلّص من مصروفهنّ ونفقاتهنّ إضافة للمهر المدفوع الذي يعتبر بمثابة فرصة لتأمين حاجات الأسرة وتغطية الديون المتراكمة وحلّ الأزمات الإقتصادية التي تمرّ بها الأسرة فيقومون بتزويجهنّ لرجال كبار في السنّ بأعمار والدهنّ.
لا بدّ أيضًا من الذكر بأنّ انخفاض مستوى التعليم كان ولا زال سببًا من أسباب ظهور مثل هذا الزواج القسري. فعدم توفّر الفرصة لمتابعة التعليم، فضلًا عن وسائل النقل الآمنة بين المنزل والمدرسة، إضافة إلى جهل الفتاة والأهل عن مخاطر الزواج، أدّى إلى ميلها نحو الزواج المبكر. إضف إلى أنّ الفتاة التي تلقى تعليمًا لمدّة عشر سنوات تنخفض نسبة تزويجها في سنّ دون الـ 18عامًا لستّة أضعاف. تتحوّل الفتاة منذ هذه اللحظة إلى قتل لمعاني الطفولة التي بداخلها فتشعر بكونها لا تستطيع الإستمتاع بالكثير من الأشياء التي كانت تريد أن تمرّ بها مثل أيّ طفلة في عمرها. وبالتالي إنْ تمّ زواج القاصرات بشكل كبير كلّ سنة، يعني ذلك فقْدُ التعليم لجيل كبير من أبنائه لن يقدّم له أيّ نفع بل وأكثر من ذلك سيلحق به الضرر.
ومن أسباب انتشار زواج القاصرات أيضًا، العادات والتقاليد الإجتماعية السائدة. فهناك العديد من المجتمعات التي تعتبر أنّ الفتاة التي تعدّت سنّ الحيض قد أصبحت امرأة في نظر المجتمع وباعتقادها أنّها تكرّمها بإعطائها مكانتها كزوجة وأمّ عن طريق الزواج .
من دون أن ننسى انعدام الأمن وانتشار الأزمات في بعض المناطق التي تشهد حالات عنف وفقر مدقع، فيتوجّه الآباء إلى تزويج بناتهنّ خوفًا عليهنّ من خطر المضايقات والإعتداءات البدنية أو الجنسية، فعلى سبيل المثال من بين عشر دول تعاني من أزمات بكلّ أشكالها، تسع منها تعاني من ارتفاع معدّل الزواج المبكر فيها.
آثار الزواج المبكر للقاصرات:
قد تظهر آثار الزواج المبكر على كلّ من الأولاد والبنات على حدّ سواء، لكنّها تظهر بشكل أوضح على الفتيات.
تختلف المخاطر والآثار التي تترتّب على الطرفين وذلك بسبب الإختلاف البيولوجي والإجتماعي لكلّ منهما.
فالطفلة التي تتزوّج في سنّ مبكرة وتنتقل إلى حياة الزوجية تصبح معرّضة لعزلة إجتماعية بعيدة عن الأهل والأصدقاء ومن يشكّلون مصادر دعم لها، إضافة إلى صعوبة متابعة دراستها وإيجاد فرص عمل ملائمة نتيجة انشغالها بحياتها الجديدة من بيت ومسؤوليات على عاتقها وغيرها من الأمور التي تحدّ من حرّيتها.
هذا مع الإشارة إلى ضرورة تسليط الضوء على الآثار الصحّية والنفسية التي تواجه الطفلة في هذه المرحلة مثل الحمل. فعملية الحمل في سنّ الـ18 من العمر وما دون عند الفتاة تختلف عن الحمل عند المرأة الأكبر سنًّا، يمكن ذكر بعض من أضرارها وهي زيادة نسبة التعرّض لمضاعفات الحمل مثل فقر في الدم وتسمّم الحمل الذي يعرف بارتفاع ضغط الدم أثناء فترة الحمل وقد يؤدّي ذلك إلى مضاعفات كثيرة خطيرة للأمّ كما الجنين وغيرها من العوارض والمشكلات.
أمّا في ما يتعلّق بالآثار النفسية عند الفتيات فيمكن تلخيصها بعدم الراحة النفسية نتيجة العنف الذي تتعرّض له من زواجها وعدم قدرتها على أخذ حقوقها، الأمر الذي يؤثّر على نفسيتها بشكل سلبي.
ولا بدّ من تسليط الضوء أيضًا على ما يعرف بالعنف الأسري، فالفتيات اللواتي تتراوح أعمارهنّ ما بين 15 و19 سنة يتعرّضن للعنف الجنسي من قبل أزواجهنّ بنسبة 13% كما يتعرّضن لإساءة المعاملة، مقارنة مع النساء في عمر 30 و 39 عامًا بنسبة 10 %.
قد تحدث أيضًا آثار إجتماعية على الفتاة كونها تفقد هويّتها بعد الزواج ويصبح اسمها مرتبطًا باسم زوجها، وبذلك ستشعر بعدم تملّكها لشخصيتها الخاصة بها لا سيّما وأنّها غير متعلّمة وغير ناضجة لعدم حصولها على التعليم وغيرها من الحقوق البسيطة في الحياة!
آليات التعامل مع مثل هذا الزواج والحلول المناسبة:
ظاهرة زواج القاصرات ظاهرة إجتماعية مأساوية متولّدة من الأسباب السابقة ذكرها بالإضافة إلى أسباب أخرى شتّى.
فبالرغم من التقدّم العلمي والتكنولوجي الحديث بشكل كبير، إلّا أنّ البعض منا يعرّضون حياة بناتهنّ للخطر وذلك بسبب تلك العادات السيّئة التي كانت تنتشر والتي كان من المفروض أن تختفي وتندثر منذ زمن طويل، بل حتّى كان من المفترض عدم وجودها من الأساس، لكن مع الأسف لا يسعنا تفسير وجودها في وقتنا الحاضر سوى بصورة سلبية جدًّا. فالفتاة في هذا العمر لا تزال طفلة ولا يجوز لنا حرمانها من الإستمتاع بحياتها العمرية التي تمرّ بها بدون أيّ ضغوط أو مسؤوليات قد تترتّب عليها، المطلوب منا جميعًا أن نتركها هي تختار كيف تريد العيش، ومع مَنْ، لا أن نختار لها قدرها بأيدينا.
وفي الختام، لا بد من القضاء على هذه العادة بشتّى أنواع الطرق. كما يجب أن يتمّ الوقوف بجانب هؤلاء الفتيات من قبل مؤسّسة حماية الطفولة كون الأهالي والأفراد المشتركين في هذا الزواج لا يعرفون معنى المحافظة على الطفولة. ومن واجبنا أن نتكافل ونتضامن من أجل التقليل من ظاهرة الزواج المبكر وانتشاره، وذلك لمستقبل أفضل لأولادنا وبلدنا عبر الإهتمام بتنفيذ القوانين الصارمة التي تمنع الزواج المبكر، بالإضافة إلى وضع أهداف تساعد في كسب الطفل حقوقه الكاملة وتوفير الدعم النفسي والمادي لذلك كالحقّ في إكمال التعليم.
إنّ المساواة بين الرجل والمرأة غير مطبّق في وقتنا الحاضر، فهل سنشهد في القريب العاجل انعكاسًا لهذا الواقع الذي نعيشه؟!
*ماستر في الحقوق
المصادر والمراجع: سلسلة مقالات لكلّ من:
• مجد خضر وهبة كامل في الموقع الإلكتروني mawdoo3.com
• أمل محمّد في الموقع الإلكتروني www.malzamty.com
• عدد من الكاتبات في الموقع الإلكتروني osool.yoo7.com
“محكمة” – الإثنين في 2021/5/3