مآخذ المحامين على القضاة/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
مؤسف جدًّا ما يحصل من نزاعات ومشاكل ومناكفات وتداعيات بين جناحي العدالة، ومع بعض القوى الأمنية.
كنا ولا نزال نصرّ على أنّ القضاء اللبناني هو قضاء قوي ومتين. وهو قضاء ثابت على مبادئه العلمية والثقافية والمنطقية. وقضاته الذين يعملون في هذا الجوّ المشحون وضمن بيئة القبضايات “وحارة كلّ من إيدو إلو”، هم من أشجع القضاة وأنزههم. وقلّة قليلة غير ذلك. لا بل إنّ قسمًا من هذه القلّة، إذا وُجد تفتيش قوي، وسلطة قضائية رقابية قوية، تصبح أفضل ولا تعطي أذنها لأحد.
أمّا نقابة المحامين، نقابة الحرّيات العامة وحقوق الإنسان والتي تضمّ رجال قانون عظماء يلمعون في لبنان وفي جميع دول العالم، فهي الجناح الآخر للعدالة. وهذا الجناح لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن يصبح مكسورًا لأنّه إذا كسر جناح من جناحي العدالة…تسقط.
في القضاء وفي نقابة المحامين آباء وأزواج وزوجات وأبناء وإخوة وأخوات وأقرباء القضاة والمحامين. وهم عائلة واحدة، وإذا توقّف أحدهما، أيّ القضاء والنقابة، عن التعامل مع الآخر، تتوقّف العدالة، وإذا توقّفت العدالة توقّف كلّ شيء، وباتت جميع المرافق الأمنية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها في خطر.
وبالتالي، فإنّ السؤال الذي يطرح بعد عرض ما تقدّم أعلاه هل يجب أن تقوم القيامة ليتدخّل الحكماء والعقلاء في لبنان والخارج لإصلاح الأمور وتصحيح العلاقة والمسار؟ ألا يمكن أن تتمّ هذه الأمور “على البارد”؟
مطالب نقابة المحامين كثيرة، والمآخذ أكثر. إنْ لجهة إرجاء الجلسات إلى مواعيد بعيدة أو لجهة القرارات الإعدادية الكثيرة في الملفّ الواحد، أو لجهة التأخّر في إصدار الأحكام والقرارات وغيرها وغيرها. كما يبقى موضوع سجن رومية وما يحصل من تعامل غير مقبول مع المحامين في طليعة المشاكل. إلّا أنّ هناك موضوعًا ملحًّا يجب حسمه فورًا من قبل القضاء خصوصًا وأنّ على رأس مجلس القضاء الأعلى قاضيًا شجاعًا هو الرئيس سهيل عبود، وعلى رأس النيابات العام المدعي العام التمييزي غسّان عويدات الذي يحمل إرثًا كبيرًا. وعلى رأس التفتيش قاضٍ مشهود له بالعلم والآدمية بركان سعد. هذا الموضوع يتعلّق بما يأتي:
في حالة الجرم المشهود ، يقتضي أن يستمع المدعي العام أو المحامي العام فورًا للمحامي، بعد أن يُعلم نقيب المحامين بالأمر لينتدب محاميًا يحضر إلى جانبه، طبعًا مع عدم التعرّض للمحامي بأيّ وسيلة عنف أو ما شابه من قبل القوى الأمنية، وبعد الإستماع إليه، إحالة الملفّ أمام نقابة المحامين لأنّها هي المرجع – وحتّى في حالة ما يسمّى الجرم المشهود، بوصف الفعل وما إذا كان ناشئًا عن المهنة أو بمعرضها وما إذا كانت تعطي الإذن بملاحقته أم لا. أو إذا كان الفعل غير ناشئ عن ممارسة المهنة. وقرار مجلس النقابة قابل للإستئناف أمام محكمة الإستئناف الناظرة في الدعاوى النقابية.
وبالتالي، وفي حالة الجرم المشهود، يستمع القاضي للمحامي. أمّا الإدعاء عليه وملاحقته فلا يتمّ إلّا بعد إرسال الملفّ أمام مجلس النقابة لإعطاء الإذن بالملاحقة.
يضاف إلى ذلك أنّ من يشطب المحامي أو يوقف مزاولته لمهنة المحاماة أو يعلّق تلك المزاولة هو مجلس النقابة فقط ولا يمكن لقاضي التحقيق أن يقرّر ذلك.
هذه هي مطالب نقابة المحامين الملحّة والتي نعرضها بكلّ محبّة بعيدًا عن أيّ تشنّج.
وأختم مع موقف كان يعبر عنه المحامي الأديب سليم باسيلا، ومفاده أنّ الحكمة والتعقّل ليسا دليل ضعف بل دليل قوّة. وكان يعطي مثلًا عن أحد كبار الكتّاب Cyprus والذي كان يكتب في صحيفة Le Monde الفرنسية بعد أن بلغ مرحلة من الخبرة في سنّ متقدّم. واعتبر البعض أنّه لم يعد يكتب بقساوة وبتحدٍ. فكتب عبارته الشهيرة:
La modération est la forme la plus noble du courage.
“محكمة” – الجمعة في 2021/6/4