في الألغام التي تمّ اعتمادها وفجّرت ملف التحقيق بتفجير المرفأ/ فرانسوا ضاهر
القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر:
• اللغم الأول: هو إجتهاد قضائي قضى بإخضاع المحقّق العدلي لذات النظام القانوني الذي يخضع له المحقّق القضائي. في ما يتعلّق بالطلبات التي ترمي الى ردّه ونقل الدعوى من تحت يده. في حين أن المحقّق العدلي له نظام خاص يتناول هذه النواحي مستمدّ من طريقة تعيينه ووضعه القانوني كجزء من محكمة خاصة، التي هي المجلس العدلي، والتي يتمّ تكوينها وتنظيم عملها وتحديد اختصاصها في باب مستقلّ هو الخامس من القسم السادس من قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي يختص بتحديد فئات قضاة الحكم ومهامهم وطريقة عملهم.
• اللغم الثاني: إنطلاقاً من اللغم الأول تمّ زرع اللغم الثاني، حيث قضت محكمة التمييز الجزائية (خلافاً للقانون) بإقصاء المحقّق العدلي فادي صوان عن مهمته لقوله ” إن حجم جريمة تفجير مرفأ بيروت لا تتوقّف عندها أية حصانات. ”
• اللغم الثالث: تمّ تعيين محقّق عدلي جديد القاضي طارق البيطار الذي توقّف عند كلّ أنواع الحصانات، بدءاً من الحصانة الإدارية مروراً بالحصانة الوزارية وصولاً الى الحصانة النيابية. كما راعى هذه الحصانات الى حدّ أنه أوقف التحقيقات مع المعنيين المشمولين بها، وهو ما زال مستمراً في مراعاتها.
• اللغم الرابع: تبعاً لللغم الأول وإستناداً إليه، تولّى القضاء العدلي (خلافاً للقانون) البتّ بطلبات ردّ المحقّق العدلي المقدمة من المتداعين بملف تفجير مرفأ بيروت. بمعنى أنه جعل نفسه مختصاً نوعياً بالبتّ بطلبات ردّ المحقّق العدلي. مُخضِعاً إيّاه لذات النظام القانوني الذي يخضع له المحقّق القضائي. الأمر الذي أدّى الى إفراغ مؤسسة المجلس العدلي من كل خصوصيتها وفعاليتها وفرادتها في ممارسة السلطة القضائية بمعرض التحقيق والحكم بجرائم هامة او خطرة على الصعيدين الاجتماعي والوطني او تمسّ بأمن الدولة او بالتصرف بأموالها العمومية.
• اللغم الخامس: حتى تاريخه، لم يفصل المحقّق العدلي بالدفوع الشكلية المتعلّقة بالحصانات لتحديد مدى تقييدها لنطاق الدعوى العامة من عدمه. الأمر الذي أتاح لأصحاب تلك الحصانات من الإستمرار في التذرّع بها للتفلّت من الملاحقة الجنائية. بدليل أنه أوقف الملاحقة بحق المسؤولين الأمنيين الذين لم يرفع رؤساؤهم الإداريين الحصانة عنهم.
• اللغم السادس: إنطلاقاً من المعايير التي اعتمدها المحقّق العدلي لتحديد الأفراد الذين اعتبرهم من فئة المشتبه بهم والمدعى عليهم في ملف تفجير مرفأ بيروت، كان من الطبيعي أن تكون دائرة هؤلاء الأفراد أوسع وأشمل في الإطار الأفقي وفي التراتبية التسلسلية العاموديّة.
• اللغم السابع: تمكّنت السلطة السياسية من تعطيل صدور مرسوم تشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز. الأمر الذي حال، لتاريخه، دون الفصل بدعاوى مخاصمة الدولة عن أعمال قُضاتها التي قُدِّمت ضد المحقّق العدلي وسواه من المحاكم والقضاة الذين نظروا بطلبات الردّ أو أُحيلت إليهم للنظر بها.
• اللغم الثامن: الشروع في إصدار قرار عن وزير العدل بموافقة مجلس القضاء الأعلى (غير القانوني) يقضي بتعيين “محقّق عدلي رديف” يتولّى الفصل بالأمور الطارئة والضرورية الناشئة أو المرتبطة أو المتفرّعة عن ملف تفجير مرفأ بيروت، والبتّ بطلبات إخلاء سبيل الموقوفين فيه. الأمر الذي يوجب على القاضي المذكور الإطلاع على كامل أوراق الدعوى العامة، والتحقيقات الواردة فيها وتقييمها وتوصيف الأفعال المنسوبة إلى هؤلاء الموقوفين، وتحديد دورهم فيها، حتى يصحّ تقدير مدى ملاءمة مدة توقيفهم والنظر بعدها بإمكانية إخلاء سبيلهم. بحيث تشكّل ممارسته لمهامه تلك، خرقاً لعمل المحقّق العدلي الأصيل، وتقييماً لادائه، وتعارضاً ربما مع نظرته لكيفية إدارته لملفه القضائي.
بحيث إنّه، بإستجماع هذه الألغام وتقاطعها، يكون قد تمّ تفجير التحقيق والحقيقة في آن، بملف تفجير مدينة بيروت ومرفئها.
“محكمة” – الأربعاء في 2022/9/14