حكومة ميقاتي- سليمان باعت عقاراً خلال تصريف الأعمال خلافاً للقانون
كتب علي الموسوي:
خلافاً للمفهوم الضيّق لتصريف الأعمال والذي يمنع على الحكومة المستقيلة توقيع مراسيم جوهرية تمسّ مصالح الدولة، ومن بينها مراسيم تتعلّق بييع أراضيها وأملاكها الخاصة، قامت وزارة المالية في عهد الوزير محمّد الصفدي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي خلال ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، ببيع عقارين في منطقة ضبية الواقعة في قضاء المتن الشمالي، من شركة فاضل- ضبيه العقارية التي يرأس مجلس إدارتها رونالد موريس فاضل شقيق النائب الطرابلسي روبير فاضل الذي هو عضو أيضاً في مجلس إدارتها، وذلك بمبلغ خيالي بلغ تسعة وخمسين ملياراً وأربعماية مليون ليرة لبنانية(59.400.000.000 ل.ل.).
ولا تتوقّف المخالفة الصريحة للقانون عند هذا الحدّ، إذ أنّ أحد هذين العقارين هو موضوع نزاع قضائي بين الدولة وأصحابه الحقيقيين الذين يسعون إلى استرداده من الأولى بعد قيامها باستملاكه في خمسينيات القرن العشرين لإنشاء محطّة للسكّة الحديدية الممتدّدة من الناقورة إلى بيروت فطرابلس، غير أنّ مرسوماً صدر في العام 1956 قضى بنقل خطّة السكّة الحديدية المقرّرة من الأمكنة المحدّدة لها، إلى عقارين آخرين في المنطقة نفسها، ممّا دفعهم إلى المطالبة باسترداد عقارهم العائد لمورّثتهم مدول صليبي غنطوس والذي استملكته الدولة ممثّلة بوزارة الأشغال العامة آنذاك بمبلغ ألفين ومئة وثلاثة وسبعين ليرة لبنانية(2173 ل.ل.).
وعلى الرغم من أنّ وزارتي المالية والأشغال العامة، ومدير الشؤون العقارية، أقرّوا بحقّ مالكة العقار 635/الضبيه باسترداده بعد إسقاطه من الأملاك العامة إلى أملاك الدولة الخاصة في العام 1979، إلاّ أنّ ذلك لم يتمّ طوال خمسة وثلاثين عاماً، ليقوم الوزير محمّد الصفدي بصفته وزيراً للمالية بتوقيع المرسوم رقم 11052 مع الرئيسين سليمان وميقاتي، والرامي إلى بيع العقارين 635 و634 في منطقة الضبيه العقارية من شركة فاضل- ضبيه العقارية والبالغة مساحتهما 4346 متراً مربّعاً، و4897 متراً مربّعاً على التوالي. وقد نشر مرسوم البيع في العدد الرابع من الجريدة الرسمية الصادر في 23 كانون الثاني 2014.
وأكثر ممّا تقدّم، فإنّ ورثة المرحومة غنطوس وهم أبناؤها عبده، وجوزف، وإدوار، وإلياس، ونهاد، وفيوليت، وسعاد، ولينور، وريموندا نعيم أبو جودة، تقدّموا في 19 آذار 2001، باستحضار دعوى أمام الغرفة الابتدائية الرابعة في جبل لبنان بوجه الدولة – وزارة الأشغال العامة والنقل- مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، سجّلت تحت الرقم 787 طلبوا بنتيجتها إسترداد عقارهم رقم 214/الضبيه والذي أصبح يحمل الرقم 635/الضبيه، وإلزام المدعى عليها بتسجيله على إسمهم خالياً من أيّ قيد أو شرط. ودوّنت إشارة هذه الدعوى على صحيفة العقار 635 المذكور وما زالت موجودة عليه أمام محكمة الاستئناف في المتن ورقم الدعوى هو 722/2014.
غير أنّ البيع المستجدّ من الدولة لهذا العقار، دفع إثنين من الورثة هما نهاد وفيوليت نعيم أبو جودة إلى تقديم مراجعة بواسطة وكيلهما القانوني المحامي رمزي القزّي، أمام الغرفة الناظرة في قضايا الإبطال في مجلس شورى الدولة ضدّ الدولة اللبنانية ممثّلة برئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، وشركة فاضل- ضبيه العقارية ش.م.ل. بشخص من يمثّلها قانوناً، وذلك طعناً بمرسوم البيع رقم 11052.
ومن مفارقات عملية البيع هذه، أنّ السيّدة ديانا صفير فاضل، قدّمت في 30 تشرين الثاني 2011، كتاباً إلى وزارة المالية تعبّر فيه عن رغبتها بشراء العقارين 635 و934/الضبيه، وأنّ الوزير الصفدي وافق على البيع في اليوم التالي مباشرة أيّ في الأوّل من كانون الأوّل 2011، كما أنّ ديوان المحاسبة أصدر في 12 تموز 2012 قراراً حمل الرقم 1467/ر.م. قضى بعدم الموافقة على معاملة البيع، وأعاد الديوان المذكور تأكيد قراره هذا بالقرار رقم 1555/ر.م. الصادر في 27 تموز 2012، وتوقّفت معاملات البيع إلى أن استقالت حكومة ميقاتي، فأعيد تحريكها وتراجع ديوان المحاسبة عن قراريه السابقين، ووافق بموجب القرار رقم 888/ر.م. الصادر في 29 نيسان 2013 على مشروع عقد البيع.
ومع أنّ عملية بيع العقارين 635 و634/الضبيه تمّت مقابل مبلغ تسعة وخمسين ملياراً وأربعماية مليون ليرة، إلاّ أنّ قيمتهما الفعلية تناهز المئة مليون دولار أميركي، أيّ زيادة على سعر المبيع بواحد وتسعين ملياراً و400 مليون ليرة تقريباً على أساس سعر صرف الدولار الأميركي بـ 1508 ليرات لبنانية.
ولا بدّ من الإشارة هنا، إلى أنّ النائب السابق موريس فاضل(1928-2009)، مؤسّس الشركة الشارية، ووالد النائب روبير ورونالد، كان زميلاً لبائع العقار النائب محمّد الصفدي في”التكتّل الطرابلسي” النيابي، قبل أن ينفرط عقده وينضمّ فاضل وزميله النائب محمّد كبّارة إلى كتلة “تيّار المستقبل” النيابية، ويغرّد الصفدي وحيداً.
وفي التفاصيل الخاصة بـ” محكمة”، وهي تنشر للمرّة الأولى، في موضوع بيع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية، عقاراً، من شركة فاضل- ضبيه العقارية، أنّ مدول صليبي غنطوس كانت تملك العقار رقم 42/الضبيه حيث جرى استملاك جزء منه أعطي الرقم 214/الضبيه لإنشاء محطّة للسكّة الحديدية بين الناقورة وطرابلس، غير أنّ هذا المشروع لم ينفّذ على العقار المستملك، وصدر مرسوم في 24/9/1956 قضى باستملاك العقارين رقمي 40 و41/الضبيه لإقامة المحطّة عليهما، ثمّ صدر المرسوم رقم 20532 في 19/9/1958 متضمّناً العدول عن تنفيذ منشآت سكّة الحديد موضوع القرارين رقم 159 و160، وبالتالي إلغاء مفعول الاستملاك في ما يختصّ بالعقار رقم 212 المفرز عن العقار رقم 39/الضبيه الذي كان قد استملك للغاية نفسها أيضاً.
وفي 15 أيلول من العام 1961، قدّمت السيّدة غنطوس طلباً إلى وزير الأشغال العامة كمال جنبلاط بهدف استصدار قرار مماثل لذلك الصادر في موضوع العقار 212، ثمّ قامت في 29 كانون الثاني 1963، بإبلاغ رئيس دائرة الاستملاك في وزارة الأشغال العامة بأنّها أودعت مبلغ التعويض المقبوض منها والبالغ ألفين ومئة وثلاثة وسبعين ليرة لبنانية في صندوق مالية كسروان. وأيّدت هيئة التشريع والاستشارات حقّها في استرداد عقارها بموجب رأي أعطته في 14 أيّار 1970، وأتبعتها بإقامة دعوى ضدّ الدولة اللبنانية في 4 حزيران 1973 طلبت فيها استرداد عقارها، إلى أن كان تاريخ 21/12/ 1979 حيث أُسقط العقار رقم 214/الضبيه من الأملاك العامة إلى أملاك الدولة الخاصة بموجب المرسوم رقم 2554/1979، وأعطي الرقم 635/الضبيه، وصار تابعاً لمديرية الشؤون العقارية التي أقرّت بحقّ مالكته في استرداده.
الفصل بين القضاءين العدلي والإداري
ويعتبر إبقاء يد الدولة على العقار رقم 635/الضبيه تعدّياً على حقوق الأفراد يعود للقضاء العدلي حقّ إزالته كونه حامي الملْكية الفردية، أمّا إصدار الإدارة مراسيم بنزع الملكية تمهيداً لبيعها، فيشكّل مداورة على القانون، يكون أمر النظر فيه من صلاحية مجلس شورى الدولة.
ولم تراع في عملية بيع العقار من شركة فاضل- ضبيه العقارية، الأصول المحدّدة في المادة 77 من القرار رقم 275 الصادر في 25/5/1926 والمتعلّق ببيع أملاك الدولة الخاصة غير المنقولة، فحصلت جملة مخالفات منها عدم اتباع العلنية والتعميم في بيع العقار، ووضع دفتر الشروط، وقبول العروض، وعدم مراعاة الأصول المتعلّقة بإبلاغ أصحاب الحقوق والذين سبق لهم أن وضعوا إشارات على صحيفة العقار، فضلاً عن عدم مراعاة الأصول في إجراءات جلسة المزايدة، وفي إعلان البيع وتبليغه.
وفي هذا الخصوص، ذكر ديوان المحاسبة في رأيه الاستشاري رقم 13/1999 أنّ “أملاك الدولة الخاصة تباع بطريقة المزايدة العلنية، وتطبّق عليها الأصول المتبعة في المناقصة وفقاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية لجهة وضع دفاتر الشروط، ولجهة الإعلان عن المزايدة في الجريدة الرسمية وفي ثلاث صحف يومية، وإسناد الإلتزام من قبل اللجنة المشكّلة بموجب المادة 83 من القرار 275/1926 إلى مقدّم أفضل العروض، أو أعلى الأسعار”.
وأكّد ديوان المحاسبة في رأيه الاستشاري رقم 48 تاريخ 20/5/2009، “أنّ المشرّع الفرنسي وتأكيداً على أهمّية حقّ الملكية وعدم جواز نزعه إلاّ لأسباب تتعلّق بالمنفعة العمومية، قد أجاز للمالك الأساسي للعقار المُسْتَمْلَك ممارسة حقّه باسترداده في حال قرّرت الإدارة التنازل بأيّ شكل من الأشكال عن هذا العقار”، وهذا ما حاولت السيّدة مدول غنطوس القيام به، فوافاها الأجل لتستمرّ معركة استرداد العقار قائمة عبر الورثة.
كما أنّ نزع الملكية الفردية دون استعمالها للمنفعة العامة وتحويلها إلى ملكية خاصة للدولة من أجل بيعها للأفراد، هو مخالفة واضحة لأحكام الدستور التي تضمن حماية الملكية الفردية.
مخالفة أمين السجّل العقاري
وتجاهلت الدولة اللبنانية وشركة فاضل- ضبيه العقارية إشارة الدعوى رقم 4130/2001 الموضوعة على صحيفة العقار 635، وتمّت إجراءات البيع بالمزاد العلني دون إبلاغ الجهة المدعية في الدعوى المذكورة، واعتمدت المزايدة العلنية في إصدار المرسوم 11052/2014 دون الأخذ بعين الاعتبار وجود إشارة الدعوى العقارية العالقة أمام الغرفة الثالثة عشرة لمحكمة الاستئناف في المتن.
كما أنّ أمين السجّل العقاري في المتن قام بتسجيل العقارين 635 و634/الضبيه على إسم شركة فاضل- ضبيه العقارية دون مراعاة أحكام المادتين 72 و73 من القرار 188/1926 واللتين تفرضان عليه التحقّق، على مسؤوليته، من إنجاز المعاملات الرسمية، ومن صحّة الوثائق المبرزة وإجازتها للتسجيل بشكل رسمي.
“الشورى” وتصريف الحكومة المستقيلة للأعمال
وبشأنّ تصريف الحكومة المستقيلة للأعمال، فقد سبق لمجلس شورى الدولة أن حصر في قراره الشهير رقم 614 الصادر في 17/12/1969، الأعمال العادية التي يمكن للحكومة المستقيلة تصريفها بالأعمال الإدارية، أيّ “الأعمال اليومية التي يعود إلى الهيئات الإدارية إتمامها، ويتطلّب إجراؤها في الغالب، موافقة هذه الهيئات كتعيين الموظّفين وتصريف الأعمال الفردية التي لا يمارس عليها الوزراء سوى إشراف محدود”، بينما الأعمال التصرّفية هي التي “ترمي إلى إحداث أعباء جديدة، أو التصرّف باعتمادات مهمّة، أو إدخال تغيير جوهري على سير المصالح العامة، وفي أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت طائلة المسؤولية الوزارية، وهذه الأعمال تخرج بطبيعتها عن نطاق الأعمال العادية التي لا يجوز لحكومة مستقيلة في المبدأ أن تقوم بها باستثناء ما تعلّق منها بالنظام العام، وأمن الدولة الداخلي والخارجي”.
يشار أخيراً إلى أنّ الرئيس نجيب ميقاتي أعلن استقالة حكومته يوم الجمعة الواقع فيه 22 آذار من العام 2013، وقدّم في اليوم الثاني كتاباً بذلك إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي كلّفه بتصريف الأعمال، فبقي يمارسها طوال عشرة شهور وعشرة أيّام، وتحديداً لغاية يوم السبت الواقع فيه 15 شباط من العام 2014 حيث ولدت حكومة الرئيس تمّام سلام الأخيرة في عهد سليمان.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 3 – كانون الثاني 2016).