رسالة إلى النقيب الجديد: هل من مبادرة لتمويل مكاتب المحامين؟
بقلم المحامية حلا كبارة:
أيّام تفصلنا عن انتخابات نقابة المحامين في بيروت، يحتشد فيه كلّ المحامين العاملين ليقولوا كلمتهم بمن اختاروه نقيباً لهم، لينتهي النهار مشحوناً بكثير من المشاريع والآمال نحو نقابة أفضل، ويعود كلّ محام في نهاية هذا اليوم، متصارحاً مع نفسه ماذا حقّقت له مهنة المحاماة من “حضور”، ومن “فعالية”، ومن” كرامة”.
بعيداً عن أوقات الفراغ الهائل الذي يغرق فيه العدد الأكبر من المحامين، نعود إلى هذا الوزر الثقيل الذي يجثم على قلب الكثير من المحامين بما ينوء صدرهم لنرصد عمق المشكلة، رغم ابتلاع العقاقير المؤقّتة “لتدجينها”، ورحلة الوعي المغيّب في ازدحام المنافسات اللامشروعة، قضيّة “لقمة العيش بعزّة”.
أتوجّه إلى كلّ مرشّح لمنصب النقيب والعضوية، أن يقف بصرامة وبحقّ إلى جانب المحامين “الذين يننتمون ولا ينتمون”، إلى ما يفترض أن تكون أعظم مهنة في العالم وأكثرها قدسية لعظمتها وسموها ، إنّها أزمة تحقيق مدخولهم الخاص تحت عنوان الكرامة، بعيداً عن الفوضى والاحتكار والنفعية وفوضى القتل البطيء مع سبق الإصرار. نعم إنّه القتل البطيء مع سبق الإصرار، والكلّ يشارك به ضحيةً كان أو جلاداً ، شريكاً أو متدخّلاً أو محرّضاً.
إنّها دعوة صريحة لردم الهوّة بين”الصدق والحقيقة” وبين “السلوك الخارجي” لكلّ المنظومة بعيداً عن ارتداء “كمّامات البرستيج والروتشات”. إنّها شكوى تذمّر علني، أو مطالعة جدّية تقوم على الطرح الجريء والجدّي لتبنّي أسس وقواعد جدّية، أسلوب جديد، رؤية جديدة، تقوم على وضع أسس وقواعد تمويل مكاتب المحامين.
إنّها دعوة لتحقيق التطابق بين ما نعلنه ونبديه، وبين ما نحسّ به ونبطنه ونحيا من أجله، لتكون حرباً مجدية ضدّ كلّ ما من شأنه أن يحول بين المحامي وبين إنسانيته وأخلاقه وكرامته، وتحقيق الهدف الأسمى ألا وهو “المنفعة العامة للوطن”.
حضرة النقيب القادم ومن سيأتي من بعدك، أنت معني بالدرجة الأولى بتحسين أوضاع المحامين، فليس كلّ محام محظي “بالحظّ”، قد لا يكون مُبْتَكراً أو مبدعاً ، لكنّه مهني وطامح أن يحيا بسعادة، وليس بذاكرة سيّئة عن رحلة “الألف ميل” التي قد تصبح “رحلة المليار ميل” …
قد لا يكون أتى من أصل عريق، أو من أب أو أم أسّست له “ملعقة الذهب”، قد لا يكون ظافراً الوصول “إلى مفاتيح” هذه اللعبة التقليدية بأساليبها القديمة العشوائية، قد لا يكون محظياً بمكتب ذي موقع استراتيجي، أو ظافراً بمجموعة “الوسطاء والسماسرة” الذين يحملون القضايا إلى بعض المحظوظين دون غيرهم، أو منتمياً إلى أحد المكاتب العريقة أو كبار المحامين، أو قد لا يكون متمتّعاً بتلك “المواهب الخارقة “التي يدعيها الكثير منهم أو يمارسها في سبيل الإجتذاب، قد لا يكون ظافراً بكلّ وسائل هذه الشبكة العنكبوتية التي تبتدئ من كاتب صعوداً إلى الأعلى والتي لا تطال بقسوتها إلاّ من كان جانحه ضعيفاً، أو استخدام الطرق الملتوية لتحصيل قوته، لمن قد لا يجد أحياناً ما يستطيع دفع رسم الانتماء لهذه النقابة.
حضرة النقيب المستقبلي، إنّها دعوة مؤازرة ومساندة لكي يكون المحامي فعلاً سيف الحقّ المسلط”، وليس أن يكون “مسلطاً عليه السيف، أن يكون “شامخاً بانتمائه” لا “عالة”، بعيداً عن رحلة “الذلّ و”العتالة”، والتي آخرها “القهر”، لكنّه قهر “مغرور”، لطبقة يفترض أن تكون ريادية في المجتمع، سواء أكان محامياً “متدرّجاً”، أو” أصيلاً”، إنّها دعوة أن يصبح المحامي شريكاً وطنياً مع الناس،”أبو الأرملة واليتيم”، لا الجزّار ولا الانتهازي، بعيداً عن عقدة الخوف من “أتعاب” المحامي.
أنت مدعو والكلّ مدعو إلى تقديم مسودّة قواعد وأسس تمويل لمكاتب المحامين والعمل عليها، من خلال بناء شبكة أمان، فإذا لم تستطع أقلّه “الوقوف” أمام هذه المنظومة العنكبوتية البالية والمستفحلة، إعمل على بديل بالتوازي معها! شبكة مؤازرة لهذا “الأستاذ”، وهذه “الأستاذة” بما يعزّز استقلاليته وكرامته واستقلالية ممارسته لمهنته، مبتكراً مبادراً في مواجهة كلّ التحدّيات، ورفضاً لصخرة سيزيف ومقولة “الشاطر بشطارته”.
يكون ذلك في آليات هذه المبادرة الجنينية التي أطلقها اليوم ,من خلال البحث الجدّي عن آليات ومصادر محتملة للتمويل: عبر إنشاء صندوق “مخصّصات ومساهمات” من خلال فتح المجال لمستثمرين من غير المحامين للمساهمة في رؤوس أموال هذه الصناديق في مقابل تشجيع المبادرات من المحامين لتقديم مشاريع تقدّم المساعدة القانونية والخبرة بشكل طوعي، تبيّن طريقة كلّ شخص بالعمل، وبالفكرة، وبالتخصّص، لتحسين هذا الوضع مقابل جزء من المال يكون مشروعه القانوني لتحفيز الابتكار والمبادرة ، بتحفيز المكاتب الكبرى على المشاركة في الاشراف والتدريب على المحامين بعيداً عن “الواسطة”، وتبنّي خطّة بالتوزيع العادل، بالعمل مع المرجعيات الحكومية لإلزام الشركات الوطنية والأجنبية العاملة في لبنان على اقتطاع نسبي لدعم هذه الصناديق التي توزّع بشكل عادل على المحامين، بوضع آليات وقواعد لضبط فوضى المكاتب، وآلية الشحّ وتوفير هذه الإمكانيات من خلال إنشاء مكتب إعلامي يعلم عن حاجة المكاتب، واتخاذ قرار جريء “بالإلزامية “تحت عنوان روح التضامن.
ليس الابتكار يا حضرة النقيب، أن تؤمّن “تقاعداً” كريماً للمحامي، بل الابتكار أن تسانده وهو عامل وحيّ … فرق كبير بين أن يعيش وبين أن يحيا…. فهل من مجيب؟!.
“محكمة” – الخميس في 2017/11/16