شروط محكمة التمييز لصحّة إيفاء أقساط القرض المصرفي وفق تسعيرة مصرف لبنان/هيثم عزو
إعداد د. المحامي هيثم عزُّو:
في قرارٍ هام صادر عن محكمة التمييز اللبنانية حملَ رقم ٢٠٢٣/٤٢ تاريخ ٢٠٢٣/١٢/١٤ – الغرفة الثانية والمؤلفة من الرئيس ناجي عيد والمستشارتين كاتيا بو نقول وغادة شمس الدين، قضت فيه بما يلي:
١- انّهُ عندما ينص العقد على امكانية الايفاء المسبق لجميع الاقساط، لا يَعد جائزاً للمحكمة ان تقدِّر ما إذا كان الاجل موضوعاً لمصلحة الدائن المقرِض او ما إذا كان مضراً بمصلحته وعليها حينها الالتزام التام بما هو متفق عليه وتطبيق العقد وفقاً لمضمونه، عملاً بالقوة الملزمة للشريعة العقدية وسلطان الارادة فيها، بما يحول ذلك دون اي حق للمحكمة في الإستناد الى نص المواد ۳۰۳ و ۳۰۸ و ٧٦۲ من قانون الموجبات والعقود (والتي هي قواعد قانونية غير إلزامية يجوز الاتفاق على مخالفتها) من اجل التدخل في العقد بذريعة مراعاة مصالح الطرفين وتأمين التوازن بين الموجبات والحقوق.
وعليه، فإنه يعود لهؤلاء المتعاقدين أن ينظموا طريقة الإيفاء المسبق كما يريدون، وعندها يكون الاتفاق إلزامياً عملاً بالمادة ٢٢١ م.ع، ممَّا يوجب بالتالي تنفيذ الاتفاق الحاصل بينهم وفقاً لمشيئتهم، دون النظر في أي اعتبار قانوني آخر.
وبناءً عليه، يكون قبول الدائن بموجب عقد القرض بحصول ايفاء مسبق للدَين بمثابة اقرار منه بأنَّ هذا الايفاء لا يضر بمصالحه، فلا يعود من الجائز لهُ أن يتذرع بالضرر المحتمل من أجل المنازعة في صحة الايفاء الحاصل قبل حلول أجله.
٢- انه في حال غياب الاتفاق في العقد على الايفاء المسبق لجميع الاقساط، يقتضي حينها إعمال احكام المادة ٣٠٣ م.ع والتي تنص على انه لا يجوز اجبار الدائن على قبول الايفاء قبل الاجل الاَّ اذا كان موضوعاً لمصلحة المديون وحده وانَّ خيار المدين بالإيفاء المسبق الكلي او الجزئي لبعض اقساط القرض مقيّد في هذا المجال بأحكام المادة ۳۰۸ م.ع والتي تنص على انّهُ اذا لم يتفق مع الدائن، لا يمكنه -عند الايفاء الجزئي- ان يجعل هذا الايفاء لرأس المال قبل ان يوفي الفوائد ولا ان يفضل ايفاء دين غير مستحق الاداء على دين مستحق، وهو ما ينسجم مع احكام المادة ٧٦٢ م.ع الواردة ضمن الفصل المتعلق بمفاعيل قرض الاستهلاك والتي تنص على انه يجوز للمقترض ان يرد الدين قبل الأجل ما لم يكن هذا الرد مضراً بمصلحة المقرض.
وبناءً عليه، لا يُجبر على قبول الإيفاء السابق لحلول الأجل في – حال عدم وجود بند عقدي على ذلك- إلا إذا كان موضوعاً لمصلحة المدين وحده، وهو أمر يتحرَّى عنه القاضي من منطوق العقد.
٣- انّهُ ولئن كان المبدأ هو القوة الابرائية لليرة اللبنانية، إلا انه يقتضي – في ضوء حصول الازمة الاقتصادية والمالية التي ضربت البلاد وأدت إلى تدني سعر العملة اللبنانية تجاه الدولار الأميركي- تحديد معدل الصرف الواجب اعتماده لايفاء الدَين المعيّن بالدولار وتحديداً اذا كان ما يسمى بالمعدل الرسمي كافٍ لابراء ذمة المدين أم أن التسديد يجب أن يحصل على أساس القيمة الفعلية للدولار في السعر المتداول به فعلياً في السوق؛ وانه بحسب المادتين ۲ و ۲۲۹ من قانون النقد والتسليف يُحدَّد سعر الصرف بموجب قانون يصدر عن السلطة التشريعية ويعود لهذه السلطة في حالات معينة وبموجب قانون خاص أن تفوِّض هذه الصلاحية لمجلس الوزراء، ذلكَ انّ تحديد سعر الليرة يدخل في النطاق التشريعي وليس في نطاق التنظيمي وانَّ ما سميَّ بسعر الصرف الرسمي المعيَّن من مصرف لبنان والذي جرى التعامل به منذ التسعينات على اساس سعر ١٥٠٧.٥ ليرة لبنانية للدولار الواحد لم يحدد بموجب قانون، بل كان نتيجة استقرار قاعدة العرض والطلب عليه في السوق المالي آنذاك وبسبب عمل المصرف المركزي على ضبط سعر الصرف على النحو المذكور عبر تدخله المستمر في السوق للمحافظة على التوازن بين العرض والطلب وذلك ضمن مهمة المصرف المذكور المكرسة بالمادة ٧٠ من قانون النقد والتسليف في المحافظة سلامة النقد الوطني؛
وبالتالي لا يمكن الاعتداد قانوناً بهذا السعر المحدد من المصرف المركزي (١٥٠٠ ليرة للدولار الواحد) ما لم يكن المصرف المذكور يمارس هذه الصلاحية بموجب قانون.
وانه سنداً للمادة ۷۰ من قانون النقد والتسليف عينها يدخل في صلاحية المصرف المركزي العامة المحافظة على الاستقرار الاقتصادي وسلامة اوضاع النظام المصرفي، كما له وفق المادة ٧٩ من القانون عينه أن يعمل أيضاً على التأثير في أوضاع التسليف العامة وذلك بتحديد حجم التسليف (القروض) من أنواع معينة أو الممنوح لأغراض معينة أو لقطاعات معينة، وبتنظيم شروط هذا التسليف وله في هذا الصدد سنداً للمادة ١٧٤ من قانون النقد والتسليف صلاحية إعطاء التوجيهات واستخدام الوسائل التي من شأنها أن تؤمِّن عملاً مصرفياً سليماً، خاصة بعد استطلاع رأي جمعية مصارف لبنان، أن يضع التنظيمات العامة الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها، كما له أن يحدد ويعدل كلما رأى ذلك ضرورياً، قواعد تسيير العمل التي على المصارف أن تتقيد بها حفاظاً على حالة سيولتها وملاءتها، بما يُستفاد حُكماً من هذه المواد القانونية المذكورة أعلاه أنَّ للمصرف المركزي سلطة الرقابة على المصارف الخاصة، وأن القرارات والتعاميم التي يصدرها والمتعلقة بهذه الأخيرة هي ملزمة لها وأنه يعود للعميل التمسك بتلك القرارات والتعاميم والاستفادة من مضمونها في تعامله مع المصارف وهو ما يجعل من ايفاء المقترِض العميل لإلزاماته المالية تجاه المصرف مبرئاً لذمّته، طالما حصل وفق سعر الصرف المحدد بالقرار الوسيط رقم ۱۳۲٦٠ تاريخ ۲۰۲۰/۸/۲٦ ا الصادر عن حاكم المصرف المركزي والذي أوجب بمقتضاه على المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان قبول تسديد العملاء الأقساط أو الدفعات المستحقة بالعملات الأجنبية الناتجة عن قروض التجزئة كلها بما فيها القروض الشخصية، وذلك بالليرة اللبنانية على أساس السعر المحدد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف والبالغ في حينه قيمة ١٥٠٧.٥ ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد، وذلك شرط أن لا يكون العميل من غير المقيمين وفقاً للتحديد الوارد في النصوص التنظيمية الصادرة عن مصرف لبنان، وأن لا يكون للعميل حساب بهذه العملة الأجنبية لدى المصرف المعني يمكن استعماله لتسديد هذه الأقساط أو الدفعات، وأن لا يتعدى مجموع قروض التجزئة الممنوحة للعميل ١٠٠ ألف د.ا.
وعليه، يكون تسديد المقترض للمصرف وفق سعر الصرف المحدد من مصرف لبنان قانونياً وعاتقاً ذمته من اي موجب في حال استيفائه للشروط الثلاثة المذكورة في قرار مصرف لبنان السابق التنويه عنها.
وغني عن البيان ووفقاً لمنطوق القرار التمييزي ومدلولاتهِ، انَّ سعر الصرف المذكور أعلاه لا يكون مبرئاً للذمَّة في حال كان تعامل المدين المقترض مع اشخاص عاديين غير المصارف والمؤسسات المالية وذلك لأنّه لا يمكن الاستناد إلى هذا السعر الصرفي حينئذٍ لإبراء ذمته، طالما انه لا يوجد قانون يجيز للمصرف المركزي تحديد هكذا سعر لغير البنوك والمؤسسات المالية، بما يقتضي بالضرورة تحديد هذا السعر لإبراء الذمة في تعاملات خارجة عن البنوك بمقتضى تشريع خاص في هذا الصدد؛ والى حين حصول ذلك يقع على المحكمة الاجتهاد في ظل غياب النص، وذلكَ بتحديده وفق المبادئ العامة والإنصاف والعرف، سنداً لأحكام المادة ٤ من قانون أصول المحاكمات المدنية.
“محكمة” – الثلاثاء في 2023/12/19