قراءة في التعديلات على قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة: تحميل الأهالي أعباء مالية إضافية/ملاك حمية
المحامية ملاك حمية:
بتاريخ 2023/12/14 أقرّ المجلس النيابي اقتراح القانون الذي يرمي إلى تعديل بعض أحكام قوانين تتعلق بتنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وبتنظيم الموازنة المدرسية، وقامت بعده صرخة بعض المدارس الخاصة التي أعلنت بتاريخ 2023/12/20 الإضراب المفتوح إلى حين إعادة النظر بهذا القانون.
قبل الحديث عن سبب ردة فعل بعض المدارس الخاصة من هذا القانون التعديليّ، لا بُدّ من الإشارة أوّلًا بأن الهدف الظاهر من وراء هذا القانون هو زيادة واردات صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، والحفاظ على تعويضات ورواتب المتقاعدين من افراد الهيئة التعليمية في ظلّ الوضع الإقتصادي والمالي الذي تمر به البلاد وانهيار العملة الوطنية، مع تعديل مواد تتعلّق بمراقبة وضمانة الدولة للتعويضات ورواتب المتقاعدين، وضمان دفع المستحقات المتوجبة على المؤسسات التربوية الخاصة إلى صندوق التعويضات المذكور، إلا أنّ هذا القانون، وإن كان بظاهره يهدف إلى ما ذكرناه أعلاه، ولكنه يتضمّن مسائل خطيرة جداً، لها تبعات ستنشأ عنها أضرار كبيرة ستُصيب أهالي التلامذة في المدارس الخاصة وحدهم وبصورة مباشرة، والذين دائماً ما يكونون ضحيّة هذه التشريعات العشوائية وغير المدروسة، كما تهدف أيضاً إلى إعفاء الدولة من مسؤولياتها المنصوص عنها في القانون قبل هذا التعديل.
1- فمن جهة أولى، إذا كان المُشرّع يهدف بالفعل من وراء التعديل إلى زيادة واردات صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة حفاظاً على حقوق المتقاعدين، فلم يكن هناك أيّ ضرورة لتعديل أي قانون، إذ إنّ الفقرة (ح) من البند (6) من المادة 21 من قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة تاريخ 1956/6/15 تتضمّن نصاً يُعالج هذه المسألة، إذ تنصّ على أنّه ” في حال حصول عجز في صندوق التعويضات يغطى هذا العجز بزيادة نسبة كل من المحسومات المتوجبة على افراد الهيئة التعليمية ومساهمة أصحاب المدارس، على ان يتم إقرار ذلك بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير التربية والتعليم العالي”.
ولكنه كما سبق وذكرنا، إنّ من بين أهداف هذا التعديل، إعفاء الدولة من مسؤولياتها، إذ في حين كانت المادة /41/ من قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المعاهد الخاصة تاريخ 1956/6/15(قبل التعديل) تنصّ بأنّ صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، يُغذّى من المحسومات المقتطعة وفقا لأحكام المادة 21 من هذا القانون، وبمساعدة تُرصد سنوياً في موازنة وزارة التربية إتماماً لحساب التعويضات، جاءت المادة الخامسة من القانون الصادر بتاريخ 2023/12/14، لتُعدّل هذه المادة /41/ لتصبح:” تغطى التعويضات ورواتب المتقاعدين من المحسومات والمساهمة المدفوعة لادارة صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، واذا كان نتيجة سنة من السنين عجزا وعدم قدرة لتسديد التعويضات ورواتب المتقاعدين وكلفة التشغيل، تُغطى بمساهمة مُوازية تُرصد في موازنة وزارة التربية ” ، أي ألغـت المُساعدة السنويّة الإلزامية للدولة في صندوق التعويضات التي تُرصد سنوياً في موازنة وزارة التربية إتماماً لحساب التعويضات.
2- ومن جهة ثانية، إنّ هذا القانوني التعديليّ قد تضمّن تشريعاً صريحاً لدولرة الأقساط في المادة الثانية منه التي عدّلت الفقرة (3) من المادة /21/ من قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وتعديلاته تاريخ 1956/6/15، بحيث حدّدت مساهمة المدرسة في تغذية صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة بنسبة ثمانية بالمئة من مجموع الرواتب والمساعدات بحسب العملة التي تدفع لأفراد الهيئة التعليمية الداخلين وغير الداخلين في الملاك بحكم القانون، وبأن تطبق هذه الفقرة ابتداء من 2023/10/1، في حين كانت هذه الفقرة تنص قبل التعديل بأنّ مساهمة المدرسة في تغذية صندوق التعويضات تُحدد بنسبة ستة بالمئة من مجموع رواتب افراد الهيئة التعليمية الداخلين في الملاك بحكم القانون.
وتتضمن هذه المادة المُعدّلة عدة مُخالفات قانونية، كما أنها ستلحق أضراراً كبيرة إضافيّة بحق الأهالي وحدهم،
فمن جهة أولى أنّ إيراد عبارة ” بحسب العملة التي تدفع “، يُشرع للمدارس الخاصة رسمياً دولرة الأقساط، في مُخالفة فاضحة لأحكام القوانين المرعية الإجراء في لبنان، لا سيما القانون 96/515 الذي يوجب أن تكون الموازنة والأقساط المدرسيّة بالليرة اللبنانيّة،
ومن جهة ثانية، إنّ الزيادة الواردة على نسبة المُساهمة الواردة في التعديل، لن تقوم المدرسة بدفعها مُباشرة، بـل ستُضاف على القسط المدرسي، إذ إنّ الفقرة (ب) من البند (أولاً) من المادة 2 من القانون 96/515، تعتبر مساهمة المدرسة في صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة جزءًا من النفقات التي يتحدد من خلالها القسط المدرسيّ، ما يعني أنّ الأهالي وحدهم من سيتضرر من هذا التعديل من خلال فرض المدارس الخاصة زيادة على الأقساط تُعادل قيمة فارق هذه النسبة، خاصة أن تطبيق هذه الفقرة سيكون بمفعول رجعي، أي ابتداءً من 2023/10/1، الأمر الذي سيُؤدي حتماً إلى زيادة إضافيّة على الأقساط المدرسية، وهو أمر لا يستطيع الأهالي تحمّله في ضوء عجزهم أصلاً عن تأمين القسط المدرسي لأولادهم في ظلّ الوضع الإقتصادي والمالي الذي تمر به البلاد وانهيار العملة الوطنية.
3- من هنا، نرى أن لا مُبررّ لقيام بعض المدارس بإعلان الإضراب المفتوح بسبب التعديلات السابق البحث بها، لأنها لن تدفع قرشاً واحداً من مالها الخاص في الزيادة المُقرّرة على نسبة مساهمتها في تغذية صندوق التعويضات، بل إن إعتراضها الشديد على القانون المذكور، ربّما ناتج عن تراكم مخالفاتها لأحكام القانون، وعدم تسديدها المُساهمة للصندوق منذ سنوات طويلة، رُغم استيفاء قيمتها من الأهالي ضمن الأقساط المدرسيّة، أو ربما ناتج عن قيامها بالتلاعب بالجداول التي يوجب القانون عليها إرسالها لصندوق التعويضات والتي تتضمّن عدد أفراد الهيئة التعليميّة لدى كلّ منها، وقيمة رواتبهم، وخوفها من إفتضاح هذه الأفعال، كما وعدم رغبتها بفرض الرقابة المالية والإداريّة عليها لهذه الجهة،
فالمادة السادسة من القانون التعديلي الصادر بتاريخ 2023/12/14، قد ألغـت نص الفقرة (2) من البند ” أ ” من المادة /3/ من القانون رقم 515 تاريخ 1996/6/6 الذي يرعى تنظيم الموازنة المدرسية ووضع أصول تحديد الاقساط المدرسية في المدارس الخاصة غير المجانية، وفرضت على المدارس الخاصة وجوب الإستحصال على براءة ذمة مالية سنوية تصدر عن إدارة صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، تُثبت أن المدرسة قد سدّدت ما عليها من محسومات ومساهمة عن المتعاقدين، وكذلك عن الداخلين في الملاك بعد تأكّد إدارة الصندوق من صحة البيانات المُتعلّقة بالأساتذة،
وهذا الأمر هو الذي أزعج بعض المدارس الخاصة، والتي لا تُريد فرض أي رقابة عليها وعلى ماليّتها، بل تريد الإستمرار في مُخالفة القوانين ومُراكمة الأرباح غير المشروعة، وهضم حقوق الأساتذة والأهالي، ومما لا شكّ فيه أنّ هذا القانون التعديلي سيضع حداً لهذا الواقع الشاذّ.
“محكمة”- الخميس في 2023/12/21