مرقص يخلص في دراسة قانونية إلى وجوب دفع المدارس الزيادات للمعلّمين
وضع المحامي الدكتور بول مرقص دراسة قانونية عن قانون سلسلة الرتب والرواتب توصّل فيها إلى وجوب “إنصاف أفراد الهيئات التعليمية في القطاع الخاص والمدارس معاً رغم الشوائب والنواقص والتناقضات التي حملها القانون، وحثّ المدارس على زيادة رواتب أفراد الهيئة التعليمية على حساب صدور أو تطبيق أيّ قانون يتناول أفراد الهيئة التعليمية بما فيه القانون رقم 46 /2017.
وجاءت هذه الدراسة في 20 صفحة وعزّزها صاحبها بالاجتهادات القانونية اللبنانية والفرنسية والسوابق التاريخية، بهدف الإضاءة العلمية والموضوعية، على الشوائب والنواقص والمفارقات التي اعترت القانون 46 من قبل مرجع قانوني في سعي لتصويب التشريع التعليمي، وهو أمر ليس الأساتذة مسؤولين عنه وكذلك المدارس، بل الدولة”.
ومن الملاحظات التشريعية التي جاءت في الدراسة على سبيل المثال لا الحصر:
1- الأسباب الموجبة” للقانون المتنازع حوله، والذي لا يجوز قراءته وفهمه بمعزل عنها، تنصّ على أنّه وضع لإيجاد حلّ معيشي” لموظّفي القطاع العام” (أيّ لتمويل سلسلة الرتب والرواتب) دون غيرهم ممّا يفيد تالياً أنّ القانون لم يكن معدّاً على النحو الملائم ليتناسب مع العاملين في القطاع الخاص.
2- إنّ انطباق القانون على القطاع العام دون الخاص يكمن في آلية تطبيقه لناحية “إعادة النظر في سياسة الدعم وتقييم أداء الموظّفين” حسب نصّ القانون والتي لا تجد مجالاً لتطبيقها، في السياق الراهن، على القطاع الخاص.
3- التناقض الحاصل بخصوص تاريخ نفاذ القانون: نصّت المادة 20 من القانون على ما يلي: “يجاز للحكومة، بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية والوزير المختص، فتح الإعتمادات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون الذي ينفّذ حكماً بعد شهر”، بينما جاءت المادة 36 منه لتنصّ حرفياً على ما يلي: “يعمل بهذا القانون في سائر مواده فور نشره في الجريدة الرسمية”.
4- كان بالحري أن يربط تنفيذ القانون أسوة بالقوانين المتعلّقة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب بمراسيم تطبيقية تلحظ آلية لوضع مضمونها قيد التنفيذ من الناحية الواقعية، بدليل أنّ قوانين سابقة متعلّقة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب قد استلحقت بمراسيم تطبيقية، ومن ثمّ بمراسيم تعديلية عند الحاجة لضمان حسن تنفيذ تلك القوانين، ومنها القانون رقم 717 الصادر في 1998/11/5 والقانون رقم 223، الصادر في2012/4/2.
5- تسري أحكام هذا القانون- وفق نصوصه- على أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة الداخلين في الملاك”. إنّ صياغة هذه الأحكام بصورة واسعة وشاملة ومبهمة، دون أيّ تحديد للمواد المراد تطبيقها على القطاع التعليمي الخاص، تجعل تطبيق القانون إستنسابياً من الناحية العملية، لاسيّما أنّه مقسّم إلى بابين، الأوّل تضمّن أحكاماً تتعلّق بالرواتب والأجور والثاني تضمّن أحكاماً مختلفة من غير الممكن بطبيعتها أن تطبّق على القطاع التعليمي الخاص كدوام العمل الرسمي والدوام النصفي للموظّفة المتزوّجة، وضع نظام موحّد للتقديمات الإجتماعية، إلخ.
فالأسئلة البديهية المطروحة هنا، ومن منطلق الرغبة في التطبيق، تكون: أيّ أحكام من القانون يتوجب تطبيقها على أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة الداخلين في الملاك؟ وكيف نختارها؟ وفقاً لأيّ أسس ومعايير؟ ومن يحدّدها؟ أهي إدارات المدارس؟ أم هؤلاء الأفراد؟ أو الإثنان معاً؟! وماذا لو لم يتفقا كما هي عليه الحال راهناً؟ أما كان يجب أن تصدر الحكومة مرسوماً تطبيقياً للقانون أسوةً بما نصّ عليه القانون؟ أو أقلّه، تصدر وزارة التربية الوطنية قراراً ينظّم الآلية ويضع الشروط والمعايير؟ في التشريع الذي أصبح علماً منظّماً اليوم Légistique/Science de légiférer ، حيث ثمّة أصول للقوننة codification، لا تطبّق نصوص التشريع مباشرة، ولا يسقط إسقاطاً، بل بموجب وسائط تنفيذية للقانون، مثال المراسيم التطبيقية Décrets d’application والقرارات التنظيمية Réglementations التي وجدت كوسيلة عبور Véhicule للتشريع إلى المواطن أو Executive tools بين التشريع والمواطن حتّى يمكن هضمه وإعماله. فلا يعقل، مثلاً، لمدرسة خاصة صغيرة، وبمعزل عن قدرتها أو عدم قدرتها الاقتصادية وعدم قدرة تلامذتها على تحمّل عبء زيادة الأقساط سدّاً للزيادات، لا يعقل لهذه المدرسة الصغيرة، أن تطبّق، مباشرة، القانون46/2017!
6- إنّ بعض الأحكام في القانون قد نصّت صراحة على منح أساتذة القطاع الرسمي، “دون سواهم”، درجات إستثنائية بالنسبة للعاملين في الخدمة الفعلية من جهة، وزيادة غلاء معيشة بالنسبة للمتعاقدين للتدريس بالساعة، ممّا يجعلهم في موقع متقدّم على معلّمي القطاع الخاص، الأمر الذي يترك عدم توازن بديهي وفوري بين القطاعين.
7- إنّ زجّ القطاع التعليمي الخاص في القانون رقم 46 يتعارض بصورة واضحة مع النظام التشريعي اللبناني في هذا المجال الذي لطالما ميّز بين القطاعين بدليل ندرة وجود أيّ نصّ ينطبق عليهما سوياً، علماً أنّ واقعة تدخّل المشترع في القطاع التعليمي الخاص عند حصوله كان مبرّراً فقط لغايات رقابية و/أو حمائية .وبالفعل، إنّ أيّ تدخّل سابق للمشترع في الشؤون المالية للمدارس الخاصة لطالما كان مبرّراً بهدف عدم زيادة الأعباء على التلامذة، وبالتالي لحماية المرفق التعليمي الخاص وتأمين إستمراريته، وليس لفرض أعباء إضافية على إدارات تلك المدارس دونما تمويل ممّا قد يشلّ سيرها. فتمويل سلسلة الرتب والرواتب المطبّقة على القطاع العام قد تمّ من خلال فرض مجموعة من الضرائب على كاهل المواطن اللبناني. وبالتالي، ونطلاقاً من مبدأ المساواة المقرّ دستوراً، فإنّ أيّ معاملة بالمثل في ما يخصّ رواتب موظّفي القطاع العام والقطاع الخاص، يجب أن يستتبعها معاملة أيضاً بالمثل لناحية إيجاد حلّ لتمويل تلك الرواتب، لاسيّما أنّ القانون قد لحظ صراحة في المادة 20 منه إمكانية لحظ اعتمادات لتنفيذ أحكامه.
ورغم ما تقدّم، فقد خلصت الدراسة للدعوة إلى دفع زيادات إلى الأساتذة.
“محكمة” – الإثنين في 2017/12/11