قرار لمحكمة استئناف الجنح: ملاحقة الصيادلة والصيدليات بموجب قانون تنظيم مهنتهم.. والتجّار سندًا للمرسوم الإشتراعي المتعلّق بهم في حالات الغشّ والإحتكار/علي الموسوي
المحامي المتدرّج علي الموسوي:
فصل القضاء بين الصيادلة والتجّار عند ملاحقة أيّ منهم بالإحتكار والمضاربة غير المشروعة والتلاعب بأسعار المنتجات وحيازة السلع والمواد ومنع استفادة المواطنين منها في زمن الغلاء والأزمات الصحية والمالية والمعيشية والإقتصادية، وذلك من خلال اللجوء إلى تنفيذ ما يتعلّق بكلّ منهما من قوانين، فاعتبر أنّه لا يمكن تصنيف الصيادلة تجّارًا في ظلّ وجود قانون خاص بهم يتناول المخالفات في حال حصولها والعقوبات اللازمة وهي الواردة في متن قانون مزاولة مهنة الصيدلة، أو بالأحرى القانون رقم 1994/367، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التجّار حيث يمكن ملاحقتهم وفقًا لمضمون المرسوم الإشتراعي رقم 73 الصادر في 9 أيلول من العام 1983.
فخلال انتشار جائحة “كورونا” وسيطرتها على الكرة الأرضية في أيّام طويلة من العامين 2020 و2021 وانشغال المواطنين باختلاف تصنيفاتهم الإجتماعية، بتأمين الأدوية والمستلزمات الناجعة واللازمة والمفيدة، قابلها لجوء بعض التجّار وشركات بيع الأدوية إلى استغلال هذا الموضوع الإنساني وتنظيم احتكار مبرمج ومدروس والتلاعب بالأسعار ورفعها بطريقة كبيرة غير آبهين بأنّ الموت سيطالهم يومًا حتّى ولو كانوا يتنعّمون بصحّة جيّدة وممتازة.
ومع أنّ مصرف لبنان وبقرار من الحكومة اللبنانية حاول دعم بعض السلع ومن بينها الأدوية باختلاف علاجاتها، إلّا أنّ هناك من فسّر هذا الأمر بحسب هواهُ ومزاجِهِ بإظهار رغبة جامحة في الإستغلال لزيادة أرباحه وتوسيع تجارته، وهذا ما استدعى قيام الأجهزة الأمنية ووزارة الصحّة العامة تحديدًا، بحملات منظّمة للتخفيف من سيناريو الإستغلال والطمع والجشع قدر المستطاع، فوفّقت حينًا وأخفقت أحيانًا، وبين الحالين كان هناك من يتمّ سوقه إلى التحقيق ومكان التوقيف ريثما يبتّ في أمره سلبًا أو إيجابًا نتيجة تنوّع الحالات والملفّات.
وبدلًا من أن تفرّق النيابات العامة الإستئنافية في كلّ المحافظات بين التجّار في ما يعنيهم، والصيادلة وما يدخل في مهامهم، عملت على جمع هذين الطرفين الأكثر ظهورًا عند اشتداد الأزمات، في بوتقة ادعاء واحد إقتصر على القانون رقم 83/73، ومن دون مقاربة قانون مزاولة مهنة الصيدلة الذي لا يقلّ أهمّية عن سواه وخصوصًا لجهة التدابير والعقوبات، وهو ما يلحظه كلّ من يطلع على فحوى هذا القانون.
ولم يطل الأمر حتّى كان لمحكمة الإستئناف الناظرة في قضايا الغشّ في جديدة المتن وكخطوة أولى ممهّدة، قرار بالتفريق بين الصيادلة والتجار عند إحالتها عليهم، فاستعانت بقرار تنظيم مهنة الصيدلة واستبعدت المرسوم الإشتراعي رقم 83/73 والذي صدر خلال فترة الحرب اللبنانية لمحاولة الحدّ من تفشّي ظواهر المضاربات والإحتكار ومنع زيادة الثروات بطرائق غير مشروعة على حساب الفقراء والمعدمين، ولذلك قضت هذه المحكمة المؤلّفة من القضاة ناظم الخوري رئيسًا مكلّفًا وساندرا القسيس مستشارة وسيلين الخوري مستشارة مكلّفة بإبطال التعقّبات بحقّ الصيدلاني إنطلاقًا من مبدأ عدم جواز مواجهة أفعاله بالمرسوم رقم /83/73 المدعى به عليه، فضلًا عن أنّ قانون مزاولة مهنة الصيدلة صادر في تاريخ لاحقّ للمرسوم المذكور وهو قانون خاص يتقدّم على القانون ىالعام، وهو أولى بالتطبيق لأنّه ينظّم بشكل دقيق كلّ ما يتعلّق بعمل الصيدلي وحقوقه وواجباته والمخالفات المنبثقة عن الغشّ، والإحتكار، والتلاعب بالأسعار، وتخزين الأدوية ومنعها عن الناس طمعًا بتحصيل أرباح إضافية، بصورة أساسية، والعقوبات المرتبطة بها عند حدوثها.
والأهمّ من كلّ ما تقدّم، أنّ هذا التمييز القانوني بين الصيادلة والتجّار جاء لمصلحة الفريق الأوّل لأنّه أعطاه الحقّ بالمحاكمة على مراحل عديدة، بينما لا يمكن للفريق الثاني الطعن بقرارات محكمة الغشّ لأنّها غير قابلة لهذا الأمر.
وجاء هذا القرار على أثر تقدّم الوكيلين القانونيين لصيدلي المحاميين بول كنعان وأمين عبد الكريم بمذكّرة طلبا فيها ردّ الدعوى شكلاً سنداً للفقرة الأولى من المادة /73/ أ.م.ج.، وإعلان عدم اختصاص المحكمة للنظر بالدعوى الراهنة باعتبار أنّ المادة /6/ من المرسوم الاشتراعي رقم 1983/73 أعطت وزير الاقتصاد والتجارة الحقّ في تعيين الحدّ الأقصى لبدل الخدمات ولأسعار بيع السلع والمواد والحاصلات، من دون أن تأتي على ذكر وزير الصحة العامة، كما أنّها لم تذكر الأدوية والمستلزمات الطبّية التي تختص وزارة الصحّة العامة في الرقابة عليها عملًا بأحكام قانون مزاولة مهنة الصيدلة وتحديدًا المواد /53/ و/80/ و/82/ و/84/.
“محكمة” تتفرّد بنشر كامل نصّ هذا القرار لأهمّيته القصوى وذلك على الشكل التالي:
باسم الشعب اللبناني
إنّ محكمة استئناف الجنح في جبل لبنان – جديدة المتن – الغرفة الرابعة عشرة المؤلّفة من الرئيس ناظم الخوري مكلّفاً والمستشارتين ساندرا القسيس وسيلين الخوري مكلّفة،
بعد الاطلاع على الأوراق كافة
ولدى التدقيق والمذاكرة
تبيّن أنّه بتاريخ 2021/10/13، أصدر حضرة قاضي التحقيق في جبل لبنان قراراً ظنياً حمل الرقم 290/2021/21699 وقضى بالظنّ بالمدّعى عليه:
– ……..، والدته …….، مواليد ……، سجل رقم /…../ ………،
أوقف إحتياطياً بتاريخ 2021/9/2 وأخلي سبيله بتاريخ 2021/10/27 ، بمقتضى الجنح المنصوص عليها في المواد /26/ و/27/ و/28/ و/29/ و/34/ من المرسوم الإشتراعي رقم 1983/73 وإيجاب محاكمته بشأنها أمام محكمة استئناف الجنح الناظرة في قضايا الغشّ في جديدة المتن،
وبمقتضى الجنح المنصوص عليها في المادتين /685/ و/770/ من قانون العقوبات والمواد /86/ و/88/ و/93/ معطوفة على المادتين /74/ و/77/ من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 1994/367 وإيجاب محاكمته بشأنها أمام القاضي المنفرد الجزائي في المتن، وبنتيجة المحاكمة العلنية،
حضر المدّعى عليه …… بالذات، وحضر عنه المحامي أمين عبد الكريم والمحامي إيلي المرّ والمحامية داني عيد،
وباستجواب المدّعى عليه في الجلسة المنعقدة بتاريخ 2023/11/27، كرّر أقواله الواردة في التحقيقات الأولية والاستنطاقية، وطلب المدّعى عليه البراءة وإلا الأسباب التخفيفية، وكرر المحامي أمين عبد الكريم مضمون المذكرة المقدّمة من قبله بتاريخ 2024/1/9، وطلب ردّ الدعوى لعدم جواز الملاحقة مرّتين للفعل الواحد ولقوّة القضية المقضية ولعدم اختصاص المحكمة،
وترافع ممثل النيابة العامة وكرّر مضمون الإدّعاء المقدّم من النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان طالباً رد طلبات المدّعى عليه،
بناءً عليه
حيث من خلال استعراض كافة معطيات القضية المعروضة ومحاضر التحقيقات الأولية والإستنطاقية ومجريات المحاكمة الإبتدائية والمستندات والأوراق المبرزة، تبيّن لهذه المحكمة أنه بتاريخ 2021/9/1، توافرت معلومات للمدير الإقليمي لمديرية جبل لبنان الإقليمية في المديرية العامة لأمن الدولة حول إقدام المدّعى عليه الصيدلي …… صاحب صيدلية …… في محلة …. على نقل كميات من الأدوية موضّبة داخل كراتين من المستودع التابع للصيدلية المذكورة والكائن فوقها والذي يمكن الوصول إليه عبر درج خارجي وليس من الداخل، وذلك بواسطة بيك آب الى جهة مجهولة، وقد تبيّن لاحقاً أنّ عملية نقل الأدوية تمت إلى شقّة في محلّة قرنة شهوان في نفس البناية التي يقيم فيها الصيدلي المذكور، واستناداً إلى هذه المعلومات تمّ الاتصال بحضرة المحامي العام الإستئنافي في جبل لبنان الذي أشار بالتنسيق مع التفتيش الصيدلي في وزارة الصحة ليصار إلى الكشف على الصيدلية وعلى المستودع الواقع فوقها وعلى الأدوية التي تمّ نقلها الى الشقة في قرنة شهوان، فتمّ التنسيق مع المفتش الصيدلي مايا أبو جودة التي حضرت برفقة المفتش الصيدلي ماريال الراسي وتمّ الدخول إلى الصيدلية والكشف على المستودع فوق الصيدلية وإحصاء الأدوية بموجب لوائح تتضمن النوع والكمية مع وصف شامل للمستودع وكيفية التخزين والتوضيب، وقد تبيّن للمفتشين أنّ الأدوية داخل المستودع تحمل دمغة الوكيل وغير منتهية الصلاحية وبعضها مدعوم، والبعض الآخر غير مدعوم، والمستودع مجهّز بالكهرباء ومكيّف ومبلّط ومدهون، وجرى الاطلاع على بعض فواتير الشراء، فتبيّن أنّ الصيدلي يحتفظ بالأدوية داخل المستودع من مصدر الوكيل، كما تمّ الكشف على الصيدلية حيث تبيّن أنّ التوضيب وحفظ الأدوية جيّد، والأصناف التي تستوجب تبريد موجودة داخل البرّادات، والأدوية التخليقية محفوظة في خزانة حديدية والمفتاح بيد الصيدلي …. وصلاحية الأدوية جيّدة ويوجد أدوية على الرفوف ومرتّبة داخل جوارير، ولا يوجد مكان كافٍ لتخزين الكمية الكبيرة STOCK التي تمّ الكشف عليها، وهو يعطي الأدوية النفسية بموجب وصفة طبّية، ومساحة الصيدلية حوالي /140/متراً والرفوف ممتلئة بالكامل، وبعد ذلك تمّ التوجّه إلى محلّة قرنة شهوان للكشف على الشقّة الواقعة في الطابق الثالث حيث تبيّن وجود كراتين بداخل الشقّة تحتوي على أدوية مختلفة الأصناف منها أدوية مدعومة وغير مدعومة وعدد الكراتين /163/ كرتونة موزّعة على ثلاث غرف في الشقّة ومصدرها من الوكيل لأنّها تحمل دمغة الوكيل، فتمّ جرد الأدوية بموجب لوائح جرى تنظيمها من قبل المفتّشتين، كما تبيّن للمفتّشتين أنّ الأدوية المدعومة التي ضبطت والموجودة في الشقّة وفي المستودع معروض منها في الصيدلية للبيع ويوجد منها داخل الصيدلية بكمّيات قليلة بحسب حاجة الصيدلية،
وقامت المفتّشتان بمراقبة بعض الأصناف منها، وقارنتا الكميات على الكمبيوتر في الصيدلية وكانت مطابقة للكميات في الصيدلية زائد الكميات في المستودع غير المرخّص فوق الصيدلية، والأدوية معظمها أدوية أمراض مزمنة كالضغط والسكري والكولسترول والغدّة والسيلان، وبعضها مضاد للأوجاع والحرارة وفيتامينات ومضادات حيوية وغيرها، ولكن ليس بالكمّيات الهائلة بالنسبة لصيدلية كهذه الصيدلية، لأنّ هذه الصيدلية مساحتها كبيرة ولها STOCK كبير وموظّفين عدّة والكمّيات الموجودة خارج الصيدلية خصوصاً للأمراض المزمنة ليست هائلة ولكنّها متنوعة بالأصناف. وأكّدت المفتّشتان أنّ المحل الكائن فوق الصيدلية يوجد فيه مكيّف ورفوف وكان نظيفاً وخالياً من الحشرات، وأصناف التحاميل كانت محفوظة بحالة جيّدة ويمكن تخزين الدواء في هذا المكان إذا تقدّم الصيدلي بطلب ترخيص إلى الوزارة، ولا توجد أدوية منتهية الصلاحية وجميع الأصناف يوجد عليها دمغة الوكيل ومصدرها قانوني ومن داخل لبنان ومن شركات أو مستودعات مرخّصة وجميع الفواتير مسعّرة من الوكيل، والأدوية المضبوطة المدعومة أو غير المدعومة مسعّرة على السعر القديم قبل رفع الدعم عن بعضها، أمّا الكمّيات الموجودة خارج الصيدلية فهي كمّيات عادية نسبة لحجم الصيدلية، وفي الخلاصة إنّ الكميات الموجودة داخل الصيدلية وفي المستودع مناسبة لحاجة وحركة الصيدلية ولكنّ المستودع الذي يستوفي شروط التخزين غير مرخّص،
وقد أفاد المدّعى عليه ….. لدى سؤاله من قبل المفتّشتين أنّ المستودع غير مرخّص، وهو ملكه ويحتفظ بالأدوية STOCK في هذا المكان منذ عام 2013 لأنّ صيدليته لا تستطيع احتواء هذه الكمية وعندما سمع بالمداهمات ومصادرة الأدوية في المستودعات أو الأماكن غير المرخّصة خاف من مصادرة المخزون لديه، ونقل القسم الأكبر منه إلى الشقّة قرب منزله في محلة قرنة شهوان، وأكد أنّ مبيعاته مرتفعة وهو مصنف Class A لذلك لديه هذه الكمّية المخزنة،
وباستجواب المدّعى عليه ….. من قبل عناصر جهاز أمن الدولة، أدلى بأنّ الصيدلية التي يملكها مرخّصة وهو يديرها ويملكها منذ العام 1997، وبعد أن أجرى التصميم الجديد والديكور الجديد للصيدلية لم يعد باستطاعته الاحتفاظ بالمخزون داخل الصيدلية، فاحتفظ بالمخزون في المستودع فوق الصيدلية وهو غير مرخّص، ولكنّه يستوفي كافة الشروط الصحية والقانونية، أمّا الكمية الموجودة في الشقّة قرب منزله فقد نقلها بعد أن علم بأنّ معالي وزير الصحة العامة يقوم بمداهمات مع الجهات المختصة على المستودعات غير الشرعية وغير المرخّصة للأدوية ويصار إلى مصادرة هذه الأدوية. وبسبب خوفه على هذا المخزون الذي يملكه وخوفه من فقدانه، عمل على نقل قسم كبير منه من المستودع فوق الصيدلية إلى تلك الشقّة في قرنة شهوان، وهو لم يكن يقصد تهريب أدوية معيّنة أو احتكارها، بل كان يقصد الإستحصال على ترخيص لإعادة كلّ الأدوية بعد تشريع المستودع، وأبدى المدّعى عليه إستعداده لتزويد أيّة جهة بأيّة فاتورة تطلب منه، وبعض الأدوية تمّ شراؤها قبل رفع الدعم عنها وسبب ذلك يعود إلى حركة البيع في الصيدلية خاصة أنّ الصيدلية تفتح أبوابها الساعة الثامنة صباحاً ولغاية التاسعة ليلاً وبقي هذا الأمر رغم أزمة الكهرباء والمحروقات، واعتبر المدّعى عليه بأنّه يلتزم دائماً بكلّ الأسعار المعمّمة من قبل وزارة الصحة، وأضاف بأنّه لا يمكنه تشبيه جميع الأدوية ببعضها البعض، فهناك أنواع من الأدوية ومن تاريخ شرائها حتّى بيعها تبقى في الصيدلية فترة طويلة كونها غير مطلوبة كثيراً مع الأخذ بعين الاعتبار مدّة صلاحيتها، وبالتالي إذا كان هناك دواء من هذا النوع موجود منذ فترة طويلة فلا يمكن مقارنته مع دواء آخر مثل الـ Panadol الذي يطلب بشكل دائم، فهذا الأخير تكون كمياته كبيرة وتاريخ شرائه جديد أو قريب،
وباستجواب المدّعى عليه(..) في التحقيقات الاستنطاقية، أنكر ما أسند إليه وأكّد بأنّ الأمر الوحيد المخالف هو أنّ المستودع الذي يملكه فوق الصيدلية غير مرخّص، ولكنّه مجهّز بطريقة يمكن فيها تخزين الأدوية، وأنّ التفتيش الصيدلي وموظّفاً في وزارة الصحة نظّموا تقريراً ثبت منه عدم وجود أيّة مخالفة والمستودع مطابق للمواصفات، وأضاف المدّعى عليه بأنّه لم يمتنع عن بيع الأدوية إطلاقاً لأيّ من الزبائن،
واعتبر أنّ المخزون لديه من الأدوية في هذه السنة هو أقلّ من السنة الماضية، وهذا دليل على أنّه لم يقم باحتكار الدواء، واستعماله للمستودع هو فقط لحسن إدارة الصيدلية كملحق وليس لإخفاء الأدوية عن الناس، والدليل على ذلك صغر حجم الصيدلية والمخزن الملحق بها، وكرّر المدّعى عليه أقواله الواردة في التحقيقات الأولية،
وتبيّن أنّه بتاريخ 2023/10/31، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في المتن حكماً حمل الرقم 2023/52 وقضى بإدانة المدّعى عليه …. سنداً لأحكام المادة /77/ من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 1994/367 معطوفة على المادة /93/ منه، وبعد التخفيف الإكتفاء له بمدّة توقيفه، كونه أقدم على نقل مستودعه من مكان إلى آخر قبل استحصاله على إجازة من وزارة الصحّة العامة، وقضى الحكم أيضاً بإبطال التعقبات الجارية بحق المدّعى عليه سنداً لأحكام المواد /685/ و/770/ من قانون العقوبات و/86/ و/88/ و/93/ معطوفة على المادة /74/ من قانون مزاولة مهنة الصيدلة 1994/367،
وتبيّن أنّ المدّعى عليه أبرز مذكّرة بمثابة مرافعة طلب بموجبها ردّ الدعوى الراهنة شكلاً سنداً للفقرة الأولى من المادة /٧٣/ أصول محاکمات جزائية، وإعلان عدم اختصاص المحكمة للنظر بالدعوى الراهنة باعتبار أنّ المادة /٦/ من المرسوم الإشتراعي رقم 1989/73، أعطت وزير الاقتصاد والتجارة الحقّ في تعيين الحدّ الأقصى لبدل الخدمات ولأسعار بيع السلع والمواد والحاصلات، وهذه المادة لم تأت على ذكر وزير الصحّة العامة، كما أنّها لم تذكر الأدوية والمستلزمات الطبّية، معتبراً أنّ الأدوات الطبّية والأدوية لها كيان خاص والسلطة الرقابية عليها هي وزارة الصحّة العامة وفقاً لأحكام المادة /٥٣/ لا سيّما الفقرة السادسة وسنداً للمواد /۸۰/ و/۸۲/ و/٨٤/ من القانون رقم 1994/367 والمتعلّق بمزاولة مهنة الصيدلة، مضيفاً أنّ كلّ الجرائم المسندة إلى المدّعى عليه وفقاً لأحكام المرسوم الإشتراعي رقم 1983/73 هي منصوص عليها في قانون تنظيم مهنة الصيدلة الذي يتطرّق إلى كيفية ملاحقة الصيادلة المخالفين للقانون المذكور في حال إقدامهم على الإحتكار أو المضاربة غير المشروعة أو التلاعب بالأسعار، وقد حصرت المواد المذكورة في قانون تنظيم مهنة الصيدلة بالمفتّشين التابعين لدائرة التفتيش الصيدلي في مصلحة الصيدلة صلاحية ضبط المخالفات، وطلب المدّعى عليه أيضاً ردّ الدعوى شكلاً لعدم جواز ملاحقة الفعل الواحد إلّا مرّة واحدة سنداً لأحكام المادة /۱۸۲/ من قانون العقوبات وذلك في ضوء صدور الحكم عن القاضي المنفرد الجزائي الذي قضى بإبطال التعقّبات والذي نُظِر من قبل النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان،
وحيث تقتضي الإشارة في بادئ الأمر إلى أنّ الأفعال الجرمية المسندة إلى المدّعى عليه في الجزء المتعلّق منها بمحكمة الإستئناف تتلخّص أوّلاً بإقدامه على بيع السلع والمواد والحاصلات بسعر مرتفع أو بسعر يتجاوز الحدود القصوى المحدّدة، أو بسعر يتجاوز ضعف سعر الكلفة، وثانياً برفضه تلبية طلبات الزبائن التي يمكنه تلبيتها وبإقفال محلّاته بقصد الامتناع عن البيع دون مسوّغ قانوني، وبفرضه على الزبائن الذين يطلبون شراء سلع أو مواد أو حاصلات معيّنة، شراء سلع أو مواد أو حاصلات أخرى، وبتحديده بيع إحدى السلع أو الحاصلات في أوقات معيّنة، وثالثاً باحتكار البضاعة عن طريق الحدّ من المنافسة ورفع الأسعار ارتفاعاً مصطنعاً، أو الحؤول دون تخفيضها وتجميع المواد أو إخفاء السلع بقصد رفع قيمتها، أو إغلاق المكاتب والمستودعات لأسباب غير مشروعة بغية اجتناء ربح، ورابعاً بارتكابه جرم المضاربة غير المشروعة عن طريق التسبّب أو محاولة التسبّب بارتفاع أو بهبوط مصطنع في أسعار المواد والسلع والحاصلات أو غيرها، وإذاعة أخبار كاذبة أو غير صحيحة بين الجمهور، وعرض بضاعة في السوق لتشويش الأسعار أو إغراء البائعين بأرباح تزيد على الأرباح القانونية، والقيام بأيّة وسيلة أو طريقة غير مشروعة للغاية ذاتها، وهي المواد /٢٦/ و/۲۸/ و/۲۸/ و/٢٩/ و/٣٤/ من المرسوم الإشتراعي رقم 1983/73 تاریخ 1983/9/9 المتعلّق بحيازة السلع والمواد والحاصلات والاتجار بها،
وحيث بالعودة إلى أحكام القانون رقم /٣٦٧/ تاريخ 1994/8/1 المتعلّق بمزاولة مهنة الصيدلة والذي صدر بعد المرسوم الإشتراعي رقم 83/73 يتبيّن أنّه تضمّن النصوص التالية:
المادة ٨٢ – “تأميناً لتطبيق القوانين والأنظمة المرعية المتعلّقة بمزاولة مهنة الصيدلة ومكافحة غشّ المواد ذات الخصائص الطبّية أو الصحّية والتحقّق من نوعية المنتجات والتحرّي عن صنع وبيع المستحضرات أو المركبات الصيدلانية بدون ترخيص قانوني، يجري دورياً وكلّما دعت الحاجة إلى ذلك، تفتيش الصيدليات وخزائن الأدوية وبصورة عامة جميع الأماكن التي تصنع أو تودع أو تعرض للبيع أو التوزيع فيها منتجات ذات خصائص طبّية أو صحّية أو سامة، ويجب على الصيادلة وأصحاب مستودعات الأدوية والأطباء المصرّح لهم بموجب المادة الثانية والثلاثين من هذا القانون وكلّ من في حيازته منتجات ذات خصائص طبّية أو صحّية أو سامة، سواء كانوا مالكين لمؤسّسات أو مديرين لها أن يسمحوا للمفتّش الصيدلي بمعاينة المنتجات الموجودة في مستودعاتهم أو مصانعهم، أو أماكن عيادتهم وملحقاتهم، ويجب عليهم أن يطلعوه لدى طلبه على جميع المستندات المتعلّقة بمزاولة مهنتهم من الناحية الفنّية، وأن يمكّنوه من زيارة جميع الأماكن والملحقات المستعملة لتجارتهم وحرفهم والكشف على القيود والسجّلات الخاصة بالمواد التخليقية والمخدّرات وأخذ عيّنات عند اللزوم للتحاليل وذلك بأمر من رئيس مصلحة الصيدلة”.
المادة ٨٤ – “يضع المفتّش بعد كلّ تفتيش يقوم به محضراً عن نتيجة ذلك مشتملاً على ملاحظات من جرى التفتيش لديه ويرفعه لرئيسه، وفي حال وقوف المفتّش على مخالفات، وفقاً لما هو منصوص عليه في الباب العاشر (العقوبات) ينظّم محضراً بالمخالفات في موقع المخالفة وتبلّغ نقابة الصيادلة ونقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان نسخة عن هذا المحضر. أمّا عند انطباق المخالفة على أحكام المادتين التاسعة والثمانين والتسعين من هذا القانون، فيقوم المفتّش بعملية مصادرة الدواء بعد تنظيم جردة تفصيلية بالكمّية والأصناف المصادرة”.
المادة ٨٥ – “تضبط مخالفات النصوص القانونية المتعلّقة بالغشّ وبقانون المخدّرات وبصحّة المكاييل والموازين وسائر أدوات الصيدليات وتنظّم المحاضر بها وفقاً للأحكام القانونية المتعلّقة بها، ويعود هذا الحقّ للمفتّشين التابعين لمصلحة الصيدلة في وزارة الصحّة العامة دون سواهم بالرغم من كلّ نصّ مخالف ودون أن يترتّب على ذلك أيّ مساس بالصلاحيات المخوّلة لرجال الضابطة العدلية”.
المادة ٨٦ – “يعاقب بغرامة من عشرة ملايين إلى خمسين مليون ليرة لبنانية وبالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين، بالإضافة إلى مصادرة الدواء أو الأدوية لحساب وزارة الصحّة العامة كلّ من ينشئ صيدلية أو مؤسّسة صيدلانية أو يصنع ويبيع بالجملة أو بالمفرّق أو يوزّع أدوية أو يحرزها بقصد البيع أو التوزيع بدون أن يكون متمّماً الشروط القانونية وحائزاً الترخيص القانوني، ولا يجوز في مطلق الأحوال أن تقلّ عقوبة الحبس عن ثلاثة أشهر والغرامة عن حدّها الأدنى، وعند التكرار تضاعف العقوبة، ولوزارة الصحّة العامة أن تقفل بصورة مؤقّتة الصيدلية أو المؤسّسة المنشأة خلافاً للقانون إلى أن يصدر القضاء حكمه النهائي في القضيّة”.
المادة ۸۸ – “يعاقب بغرامة من ستّة ملايين إلى عشرين مليون ليرة لبنانية وبالحبس من شهرين إلى ستّة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين كلّ صاحب صيدلية أو مستودع أو مصنع أو مستورد أو وكيل يمتنع عن بيع الأدوية أو يقفل محلّه دون إذن من وزارة الصحّة العامة، ولهذه الوزارة أن تصادر الأدوية موضوع الإحتكار”.
المادة ۹٠ – “يعاقب بغرامة من عشرة ملايين إلى خمسين مليون ليرة لبنانية كلّ مستورد أو مستودع يسعّر أو يبيع الدواء أو المستحضرات الصيدلانية خلافاً لمندرجات قرار وزير الصحّة العامة بتحديد التسعيرة، ولا يجوز في مطلق الأحوال أن تقلّ الغرامة عن حدّها الأدنى، كما أنّه يحقّ للوزارة أن تصادر الدواء وتبيعه من الصيدليات بالسعر المحدّد وعلى هذه الأخيرة أن تدفع الثمن للمستورد، وفي حال ارتكاب المخالفة المذكورة من قبل صيدلية لا يجوز أن تقلّ الغرامة عن نصف حدّها الأعلى بالإضافة إلى ذلك يصادر الدواء من قبل الوزارة”.
المادة ۹۳ – “جميع المخالفات الأخرى لأحكام هذا القانون يعاقب مرتكبها بالغرامة من أربعة ملايين إلى عشرة ملايين ليرة لبنانية، ولا يجوز في مطلق الأحوال أن تقلّ الغرامة عن حدّها الأدنى، وعند التكرار تضاعف الغرامة ويقضى بالحبس من عشرة أيّام إلى شهر، ولا يجوز، عند التكرار، أن تقلّ عقوبتا الحبس عن نصفها والغرامة عن حدّها الأعلى”.
وحيث يستنتج من مجمل المواد المذكورة أعلاه أنّ قانون مزاولة مهنة الصيدلة الصادر بتاريخ لاحق للمرسوم الإشتراعي رقم 1983/73 قد نظّم بشكل مفصّل وواضح ودقيق مسألة مزاولة مهنة معيّنة مع كافة التفاصيل والإجراءات والأعمال والتصرّفات والحقوق والواجبات المتعلّقة بتلك المهنة، وعالج جميع المخالفات التي يمكن أن ترتكب من قبل الصيدلي وحدّد لها العقوبات المناسبة. وتلك المخالفات تتلخّص بالغشّ والإحتكار، وبالبيع والتوزيع دون إتمام الشروط القانونية ودون ترخيص قانوني وبمخالفة النصوص القانونية وبالإمتناع عن بيع الأدوية أو إقفال المحلّ دون إذن من وزارة الصحّة العامة، وببيع الدواء أو المستحضرات الصيدلانية خلافاً لمندرجات قرار وزير الصحّة العامة بتحديد التسعيرة، وغيرها من المخالفات التي حدّد القانون المذكور العقوبة المناسبة لكلّ منها،
وحيث إنّ الأفعال المنسوبة إلى المدّعى عليه بالإستناد إلى المرسوم الإشتراعي رقم 1983/73 متطابقة بشكل كامل مع الأفعال المذكورة في المواد الواردة في قانون مزاولة مهنة الصيدلة، وهو قانون لاحق للمرسوم الإشتراعي، ويعتبر قانوناً خاصاً يتقدّم في التطبيق على القانون العام،
وحيث إنّه وإضافة إلى مجمل ما ذكر آنفاً، يتبيّن بمراجعة نص المادة /٤٥/ من المرسوم الإشتراعي رقم 1983/73 أنّه راعى في البند الأوّل منه أحكام القوانين الخاصة إذ نصّ حرفيّاً على ما يلي: “تخضع لأحكام هذا المرسوم الإشتراعي السلع والمواد والحاصلات التي لا يحصر أيّ قانون خاص أو نظام معيّن بيعها بأمكنة معيّنة وفاقاً لأصول محدّدة، وكلّ تنظيم يتعلّق بها” وبالتالي واستناداً إلى النصّ المشار إليه، فإنّ الأدوية والمستحضرات الصيدلانية التي تباع في أماكن معيّنة وفقاً لأصول محدّدة تعتبر مستثناة من أحكام المرسوم الإشتراعي رقم 1983/73،
وحيث إنّه وتأسيساً على مجمل ما ورد أعلاه، ترى المحكمة أنّ أحكام المرسوم الإشتراعي رقم 1983/73 لا تنطبق على المخالفات المرتكبة من قبل الصيدلي ممّا يوجب إبطال التعقّبات الجارية بحقّ المدّعى عليه ….. سنداً لأحكام المواد /٢٦/ و/٢٧/ و/۲۸/ و/٢٩/ و/34/ من المرسوم الإشتراعي رقم 1983/73 لعدم جواز تطبيق النصّ الجزائي موضوع القرار الظنّي على الأفعال المنسوبة إلى المدّعى عليه، علماً أنّه كانت قد تمّت ملاحقة المدّعى عليه لدى القاضي المنفرد الجزائي في المتن سنداً لأحكام المواد /٦٨٥/ و/٧٧٠/ من قانون العقوبات و/٨٦/ و/۸۸/ و/۹۳/ معطوفة على المادة /٧٤/ من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 1994/367 بالنسبة للأفعال نفسها وقد صدر حكم نهائي نظرته النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان قضى بإدانة المدّعى عليه ….. سنداً لأحكام المادة /77/ من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 1994/367 معطوفة على المادة /۹۳/ منه وبعد التخفيف الإكتفاء له بمدّة توقيفه، كونه أقدم على نقل مستودعه من مكان إلى آخر قبل استحصاله على إجازة من وزارة الصحّة العامة، وبإبطال التعقّبات الجارية بحقّ المدّعى عليه سنداً لأحكام المواد/٦٨٥/ و/٧٧٠/ من قانون العقوبات و/٨٦/ و/٨٨/ و/۹۳/ معطوفة على المادة /74/ من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 1994/367، الأمر الذي ينفي أيّة حاجة لإحالة الملفّ مجدّداً إلى النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان لإحالته إلى المرجع المختص في ضوء الملاحقة الحاصلة لدى القاضي المنفرد الجزائي وفي ضوء الحكم الصادر من قبله بهذا الشأن،
وحيث يقتضي ردّ سائر الأسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة إمّا لكونها لاقت ردّاً ضمنياً في ما سبق، وإمّا لعدم تأثيرها على النتيجة،
لذلك
تقرّر المحكمة بالإجماع:
أوّلاً: إبطال التعقّبات الجارية بحقّ المدّعى عليه …. سنداً لأحكام المواد /٢٦/ و/۲۷/ و/۲۸/ و/29/ و/٣٤/ من المرسوم الإشتراعي رقم 1983/73 لعدم جواز تطبيق النصّ الجزائي موضوع القرار الظنّي على الأفعال المنسوبة إلى المدّعى عليه،
ثانياً : ردّ ما زاد أو خالف.
ثالثاً : حفظ الرسوم والمصاريف كافة.
قراراً وجاهياً، صدر وأفهم علناً في جديدة المتن بحضور ممثّل النيابة العامة بتاريخ 2024/4/15.
“محكمة” – الأحد في 2024/4/28