بين محكمتي العدل والجنائية الدولية/فؤاد مطر
المحامي فؤاد مطر:
إنّ محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة التي تتولّى الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول طبقًا لأحكام القانون الدولي، بينما المحكمة الجنائية الدولية تضمّ من وقّع على إتفاقية نشأتها (143 دولة)،وهي تحاكم أفرادًا إمّا بالسجن أو بالتعويض.
لقد صدر أخيرًا، عن محكمة العدل الدولية قرار قضى بوقف هجوم إسرائيل العسكري على منطقة رفح ووقف اعتداءاتها فورًا، وإبقاء معبر رفح مفتوحًا لإدخال المساعدات الإنسانية، وبذلك تكون محكمة العدل الدولية قد وافقت على طلب جنوب أفريقيا في ما يتعلّق بوقف الهجوم العسكري على رفح، وهذا ما يحتاج المتابعة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوضع الكيان الصهيوني تحت الفصل السابع واستخدام القوّة لوقف عداونيته وجرائمه، لأنّ القتل والتدمير الذي يرتكبه هو إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
وكان على محكمة العدل الدولية أن تجعل قرارها بأن يقضي بوقف الحرب في غزة وعموم فلسطين وجنوب لبنان، لا أن ينحصر في منطقة رفح دون سواها.
أمّا بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، فقد اعتبر مدعي عام الجنائية كريم خان ان جرائم نتنياهو وغالانت هي جرائم إبادة وجرائم حرب وضد الإنسانية في غزة، لكنّه أصدر أوامر القبض ضدّهما وضد رموز من المقاومة الفلسطينية ووصف أفعالهم من خلال ما تم تنفيذه في السابع من أكتوبر بأنّه جريمة حرب، وبذلك يكون للأسف قد ساوى بين الضحية والجلاد دون أساس قانوني، وأسقط تمتّع المُحتلّ بحق الدفاع عن النفس، وتناسى ان إسرائيل هي قوة احتلال يجوز مقاومتها وفق مبادئ الشرعية الدولية، وانه لا يجوز لأي دولة احتلال التذرّع بمبدأ الدفاع عن النفس داخل الأراضي التي احتلتها.
إنّ إدانة الاحتلال الاسرائيلي يلزم كافة الدول الموقعة على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية بتنفيذ أوامر الاعتقال وإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت حين وجودهما على أراضيها. ومن بين هذه الدول بريطانيا وفرنسا والمانيا وهولندا وغيرها الكثير..
إنّ القرارين الصادرين عن المحكمة الجنائية الدولية (لاهاي)، وعن محكمة العدل الدولية هما ثمرة دولة جنوب أفريقيا ومن دعم موقفها من الدول العربية وغيرها.
كان يتوجّب على المدعي العام اصدار أوامر توقيف واعتقال ضدّ رؤساء الدول التي زودت إسرائيل بالاسلحة الفتاكة، والمسؤولين من قادة الاحتلال الذين اعطوا الأوامر طبقًا لنظام روما الأساسي. وينبغي عليه الآن استرداد مذكرات التوقيف الصادرة بحق قادة المقاومة الفلسطينية لفقدانها للشرعية القانونية الدولية وللمواثيق الدولية.
وقد تبيّن أنّ مدعي عام الجنائية الدولية قد تلقى تهديدات أمريكية عقب مطالبته بمذكرات اعتقال لنتنياهو ووزير الدفاع لديه، وهذا ما يذكرنا بواقعة صارخة حين أرادت بلجيكا محاكمة المجرم شارون على أراضيها لارتكابه جرائم حرب، إلّا أن محكمة العدل الدولية تصدت لهذا الإجراء بحجة تمتع شارون بالحصانة الدبلوماسية عام ٢٠٠٢.
يحاول العدو الاسرائيلي جاهدًا تزوير الوقائع والحقائق. وقد نشرت مؤخرا صحيفة الغارديان ما يكشف مدى الخداع الاسرائيلي الذي اشاع ان المقاومة الفلسطينية قطعت رؤوس الأطفال وعلّقتهم على حبل الغسيل، وكانت تخبز الأطفال في الافران، وأن وكالة الاونروا تتعامل مع المقاومة الفلسطينية. وقد تم دحض هذا الافتراء. ورغم ذلك أصدر الكونغرس قانونًا يحظر تمويلها ظلمًا وافتئاتًا على حقوق الشعب الفلسطيني.
إنّ ما ظهر على شاشات التلفزة من قيام الجنود الصهاينة بتعذيب الأسرى الفلسطينيين بما يشبه ما جرى في معتقلات غوانتنامو وابو غريب، وما يظهر من خلال التواصل الاجتماعي من هدم كاسح للمساكن والابنية والبنى التحتية والمستشفيات والكنائس والمساجد ومعاهد التعليم والآثار التاريخية، والأهمّ هو الإنسان حيث تجاوز عدد الشهداء والضحايا من أطفال ونساء ما يقارب الأربعين ألفًا،عدا الاعاقات والاصابات التي تدمي القلوب، لهو أكثر من إبادة جماعية وجرائم ضدّ الإنسانية.
إنّ ما يشهده العالم من انتفاضة داخل الحركات الطالبية والشعبية أحدث تحوّلًا في الرأي العام العالمي لمصلحة القضية الفلسطينية، واحتجاجًا على حكومتي إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وامتدت من واشنطن ولندن وباريس وبرلين إلى كافة العواصم ، وأظهرت مدى بشاعة الغرب في طمس الحقائق. وبدأ الغرب يمارس القمع والعنف ضد الشباب الجامعي وضد النساء ، واعتقل الآلاف منهم، ومن هيئات التدريس بسبب تظاهراتهم السلمية دعمًا لعدالة القضية الفلسطينية واستنكارًا لاجرام إسرائيل.
إنّ قضية فلسطين أصبحت علامة كونية للأحرار، وأن إسرائيل ستنهزم في حرب البحار والممرات التي تخوضها في غزة المعمداني وهاشم، وبشارتها تتضح من خلال اعلان بعض الدول الاوروبية كإسبانيا وإيرلندا والنرويج واعترافها بدولة فلسطين .
إنّنا نؤكّد أهمية المقاطعة ومواجهة التطبيع وسحب الاستثمارات، ونطالب المنظمات الدولية والإقليمية بضرورة التحرك على كافة المستويات لوقف الحرب فورًا وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي.
“محكمة” – الثلاثاء في 2024/5/28