مقالات
تَسَرْبَلَ بالمكارم وارتداها (في رثاء دريد ياغي)/أمل حداد
أمل فايز حداد(نقيبة المحامين سابقاً):
ها جئناكَ نبكي، دُرُيْدُ.
ما بَكَينا يومًا، إلّا على فَقْدِ عالِم.
على فَقْدِ محامٍ أو قاضٍ عادل،
على فَقْدِ شُجاعٍ صادق،
على فَقْدِ سَخيٍّ لا يَمَلُّ من العطا،
على فَقْدِ تقيٍّ زاهدٍ وتقيّةٍ كَشَفَتْ لِرَبِّها سرَّها :
” أُحِبُّكَ حُبَّيْنِ : حُبَّ الهوى وحُبًّا لِأنَّكَ أَهلٌ لِذاكا”!
لو عَرَفْناكَ تُغادِرُنا، أَيا دُرَيْدُ، لَزُرْناكَ حَبْوًا لا على قَدَمَيْنِ!ولَتَحَلَّقْنا، حَولَكَ، نستمطرُ آياتِكَ وتَنْثُرَ دَراريك.
لَأَتيناكَ، كنّا، تُحَدِّثُنا عن عوائل! آخَتِ الأعاصيرَ وآخَتْها؛
عن والدٍ قَلْبُهُ من صَوّانٍ نَبْضُهُ، وعن أمٍّ من نداواتٍ حَدْبُها؛ وكيفَ غَدَوْتُم فتيانَ لبنان ومن مُقَدَّمي مُقَدَّميهِ. وكيف شَرّعَت أبوابَها المدارسُ للدارس الفارس الذي غزا الجامعاتِ فَتَزَوَّدَ وتأَهَّل.
رَاوَدَتْكَ عَن نفسكَ المحاماةُ فَأَغْرَتْكَ وأَغْوَيْتَها فكنتَ من المُجَلِّين؛ ولطالما سَمِعَكِ زملاؤكَ والأصدقاء تُرَدِّدُ دونما تَرَدُّد :
إنّا وإنْ أحسابُنا كَرُمَتْ لَسْنا على الأحسابِ نَتّكِلُ
ولطالما كانت الصحافةُ تُحرّضُ على الانتفاض والثورة والتغيير، وقد اتخذَ بعضُها شعاراً له : ” الحياة عقيدة وجهاد”.
وعندما استهوتك شخصيّةُ كمال جنبلاط وثقافَتُهُ وشجاعته ونضاله انتسبتَ الى الحزب التقدمي الإشتراكي الذي وجدتَ فيه ضالّتَكَ المنشودة، فكرّستَ الوقتَ والجهد لخدمة المواطنين ما جعلكَ تتبوأُ منصبَ نائب رئيس الحزب، فكنتَ مرشدًا وملهمًا ورسولًا، وكنتَ من أفذاذ القادة، وصحّ فيك القولُ :
” تواضعَ حِلْمًا فزادَ ارتقاءً ورامَ خَفاءً فزادَ ظهورًا ”
أَلا يحقُّ لي، وأنتَ مَنْ أنتَ، أن أخاطبَ ضريحَك فأقول :
يا رَمْسَهُ ماذا حويتَ من العُلى وَطَوَيتَ من علمٍ ومن عِرْفانِ
يا رَمْسُ، كم وارَيْتَ من كَرَمٍ ومنْ جُودٍ، ومن فضلٍ، ومن إحسانِ
يا رَمسُ، كيفَ حَجَبْتَ عنّا شمسَهُ وضياؤها في سائر البلدان !
نُحَيّي هذا اللبنانيَّ الكبير الذي تَسَرْبَلَ بالمكارم وارتداها.
“محكمة” – الجمعة في 2024/6/21