الأسباب الموجبة لقانون الإيجارات غير السكنيّة تحلّ لغز تاريخ بدء سريان سنوات التمديد التّسع للإيجارات السكنيّة/حسن زين
المحامي حسن جمال زين:
كثُرت في الآونة الأخيرة الآراء المُتضاربة حول تاريخ بدء سنوات التمديد التّسع للإيجارات السكنيّة التي نصّ عليها القانون الجديد الصّادر بتاريخ 2014/5/9 والمُعدّل بموجب القانون رقم 2017/2.
إنّ الخلاف الفقهي والإجتهادي حول المسألة أعلاه نتج عن غموض أحكام المادّة 15 من القانون رقم 2017/2، التي استعادت أحكام المادّة 15 من القانون المُعدّل بذات حرفيّتها لناحية تمديد عقود إيجار الأماكن السكنيّة لغاية تسع سنوات وتحديد بدايتها “من تاريخ نفاذ القانون”، مُضيفةً إليها عبارة “والمستفيدين من تقديمات الصندوق لغاية 12 سنة”.
إنقسمت التفسيرات المُتناقضة لأحكام المادّة المُتقدّم ذكرها بين من يعتبر أنّ السنوات التمديديّة التّسع لم تبدأ بالسريان إلّا من تاريخ نفاذ القانون التعديلي في 2017/2/28 سنداً لحرفيّة نصّ المادّة 15 منه، وبين من يعتبر أنّ سريانها بدأ منذ تاريخ نفاذ القانون الأصلي في 2014/12/28 باعتبار أنّ القانون 2017/2 هو قانون تعديلي (وفقاً لما ورد في عنوان القانون المذكور) وأنّه لم يُلغ بموجب مادّته الـ 59 إلّا “الأحكام المُخالفة له وغير المُتفقة مع مضمونه”.
إنّ حسم الجدال أعلاه يستوجب العودة إلى المبادئ التي ترعى تفسير النصوص القانونيّة (وأهمّها أحكام المادّة 4 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة التي توجب تفسير النص عند غموضه “بالمعنى الذي يحدث معه أثراً يكون مُتوافقاً مع الغرض منه ومُؤمّناً التناسق بينه وبين النصوص الأخرى”)، وتالياً، البحث عن نيّة المُشرّع في هذا الإطار، سيّما أنّ “تحديد إرادة المُشرّع الحقيقيّة وما قصده بالنصّ القانوني الذي أقرّه” يُشكّل السبيل المُتعارف عليه والطريقة المُسلّم بها فقهاً وإجتهاداً لتفسير النصّ المذكور.
علماً أنّ أهمّ ما يُرجع إليه من أجل تحديد نيّة المُشرّع اللّبناني، هي نصوص “الأسباب الموجبة” التي تُعتمد من قبل المجلس النيابي مع كلّ قانون يُقرّه، والتي يُشار فيها إلى الغاية التي رمى إليها من خلال إقراره.
وبالعودة إلى المسألة موضوع البحث، تجدر الإشارة في هذا السّياق إلى ما يلي:
بتاريخ 2019/9/11، تقدّم عدد من النوّاب بـ “إقتراح قانون الإيجارات للأماكن غير السّكنيّة” الذي، وإن كان يرعى حصراً إيجار الأماكن غير السّكنيّة، إلّا أنّه تضمّن في أسبابه الموجبة ما يحسم الجدل حول التاريخ الذي قصده المُشرّع لبدء سريان سنوات التمديد التسع لإيجار الأماكن السكنيّة. إذ أرفق النوّاب المذكورون ربطاً بإقتراح القانون أعلاه نصّ أسبابه الموجبة الذي تضمّن ما حرفيّته:
“بتاريخ 2014/5/9 صدر قانون الإيجارات الجديد الذي يُنظّم العلاقة بين المالك والمستأجر بالنسبة للعقود المُبرمة قبل 1992/7/23، وتمّ تعديله بموجب القانون رقم /2/ النافذ حُكماً بتاريخ 2017/2/28. وقد عُني القانون الجديد بالإيجارات السكنيّة ولم يتطرّق للإيجارات غير السّكنيّة…
فقد نصّ قانون الإيجارات الجديد على تمديد العقود السكنيّة لمدّة تسع سنوات من تاريخ نفاذ القانون في 2014/12/28، بعدها يُصبح الإيجار حرّاً… وبالتالي كانت سياسة المُشرّع في هذه العقود هي تحرير الإيجارات ضمن برنامج زمني وليس فوراً وذلك إحتراماً لحقّ السكن ولإعطاء المستأجر مهلة أكثر من معقولة لترتيب أوضاعه…
أمّا الآن، وبعد خمس سنوات من تطبيق أحكام القانون الجديد على الإيجارات السكنيّة، وفي ما يتعلّق بالإيجارات غير السكنيّة فما يزال التمديد فيها قائماً والذي لحظه المُشرّع لغاية 2019/12/31 (وفقاً للتعديل الأخير)، ممّا يستدعي إصدار قانون يُنظّم عقود الإيجارات غير السكنيّة تمهيداً لتحريرها وفق منهجيّة وآليّة مُحدّدة تأخذ بعين الإعتبار القواعد الرّئيسيّة التي توخّاها المُشرّع في الإيجارات السكنيّة ووفقاً للروحيّة عينها…”
(لطفاً مُراجعة النصّ الكامل للأسباب الموجبة المرفقة ربطاً بإقتراح القانون أعلاه – منشور على موقع المُفكّرة القانونيّة على الرّابط التالي: /إقتراح-تحرير-قانون-الإيجارات-غير-السكنيّة/https://legal-agenda.com)
بتاريخ 2022/7/5 ، أقرّت لجنة الإدارة والعدل إقتراح القانون بعد أن أدخلت بعض التعديلات على عدد من نصوصه، وصادقت على أسبابه الموجبة بذات الحرفيّة المُبيّنة أعلاه، بدليل تضمّن تقرير اللّجنة المذكورة أنّها أقرّت الإقتراح “بعد اطّلاعها على الأسباب الموجبة”.(لطفاً مُراجعة النصّ الكامل لتقرير لجنة الإدارة والعدل – منشورعلى ذات الرّابط أعلاه)
بتاريخ 2022/7/21، وبدورها، أقرّت لجنة المال والموازنة إقتراح القانون أعلاه كما عدّلته لجنة الإدارة والعدل، وصادقت أيضاً على أسبابه الموجبة ذاتها، بدليل تضمّن تقرير لجنة المال والموازنة أنّها أقرّت الإقتراح “بعد الإطّلاع على الأسباب الموجبة لإقتراح القانون”.(لطفاً مُراجعة النصّ الكامل لتقرير لجنة المال والموازنة – منشور على ذات الرّابط أعلاه)
بتاريخ 2023/12/15، عُرض إقتراح القانون المتقدّم ذكره على الهيئة العامّة لمجلس النوّاب التي أقرّته وصادقت على أسبابه الموجبة بذات الصّيغة المعروض لها أعلاه.
ترتيباً على ما تقدّم، يكون المُشرّع اللّبناني، بمُصادقته على الأسباب الموجبة بصيغتها الواردة في إقتراح القانون أعلاه، قدّم تفسيراً حاسماً لأحكام قانون إيجارات الأماكن السّكنيّة، وبيّن نيّته الواضحة بإعتماد تاريخ نفاذ القانون الأصلي في 2014/12/28 كتاريخ لبدء سريان سنوات التمديد التّسع موضوع البحث.
أخيراً، تبقى الإشارة إلى أنّ عدم نفاذ قانون الإيجارات غير السّكنيّة وعدم نشره في الجريدة الرّسميّة لغاية اليوم (أو أيّ طعن يُمكن أن يُقدّم لاحقاً أمام المجلس الدّستوري ويكون موضوعه القانون المذكور) لا يُؤثّر بالنتيجة المُتقدّم ذكرها، إذ ليس من شأنه إلغاء واقع ثبوت نيّة المُشرّع بالخصوص أعلاه، خاصّة بعد أن عبّر صراحةً عن نيّته المذكورة وكرّسها في نصّ الأسباب الموجبة لقانون صادقت عليه الهيئة العامّة لمجلس النوّاب.
“محكمة” – الخميس في 2024/7/4