علم وخبر
معيار اعتبار الفعل مشمولاً بحصانة المحاماة أم لا.. وإعطاء الإذن بالملاحقة/ناضر كسبار
ناضر كسبار(نقيب المحامين السابق في بيروت):
وضعت محكمة الاستئناف الناظرة في القضايا النقابية في بيروت والمؤلفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري، وعضوي مجلس النقابة الاستاذين ميسم يونس وايلي قليموس، معياراً واضحاً للحالة التي يعتبر فيها المحامي محمياً بموجب المادة 79 تنظيم محاماة، والحالة التي لا تندرج أعماله ضمن هذه الحماية. فاعتبرت ان كتابة المقال على الشكل الوارد فيه لا يتسم بالطابع المهني ولا يرتبط بممارسة مهنة المحاماة وليس بمعرضها، ذلك أنّ فعله لا يندرج ضمن أعمال المرافعة والمدافعة ولم يتم بمعرض منازعة مع الغير أو بنتيجتها أو تحسّباً لها، أو إبداء رأي قانوني بمسألة محدّدة، بل إنّ فعله لهذه الجهة لا يتعدّى كونه عملاً مدنياً بحتاً قام به بصفته مواطناً كسائر المواطنين، الأمر الذي يغني عن ضرورة إعطاء الإذن لملاحقته.
وقضت بفسخ قرار مجلس النقابة الذي سبق وحجب الإذن عن المحامي، وتقرير إعطاء الإذن بالملاحقة.
ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2024/7/4:
ثالثاً: في الاساس
وحيث ان المستأنفة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت تطلب فسخ القرار المستأنف واتخاذ القرار بإعطاء الاذن بملاحقة المستأنف عليه المحامي نديم، بالاستناد الى الشكوى المقدمة من الحزب السوري القومي الاجتماعي ممثلا بنائب رئيسه الامين بصفته متولي الرئاسة، لإقدامه على نشر مقال على موقع “الشفافية نيوز” بعنوان “الحزب القومي الاجتماعي قمامة ترفض الدخول الى مزبلة التاريخ” الامر الذي لا يعتبر في معرض ممارسة مهنة المحاماة بل يشكّل جرماً جزائياً يعاقب عليه القانون.
وحيث ان المستأنف عليه يطلب من جهته تصديق القرار المستأنف مدليا بأنه يتمتع، بصفته محاميا، بالحصانة الكاملة إزاء الاقوال والكتابات الصادرة عنه بمعرض ممارسة مهنته سنداً لما تنص عليه المادتان /74/ و/75/ تنظيم مهنة المحاماة معطوفة على المواد /183/و/184/و/585/ من قانون العقوبات، وبأن حق الدفاع مقدس ويجعل المحامي بمنأى عن الملاحقات ودعاوى القدح والذم جراء المرافعات الخطية او الشفهية الصادرة عنه ما لم يتجاوز حدود الدفاع، وبأن المقال المشكو منه عبارة عن مرافعة صدرت عنه بصفته محامياً ومدافعاً عن القضاء والقانون ومؤسسات الدولة والمحامين (كون الشهيد بشير الجميل محامياً) والمجتمع والشأن العام والحريات العامة، كما صدرت عنه رداً على الاعتداءات المرتكبة من قبل الحزب المشار اليه بحق القيم والحقوق التي يولي القانون المحامي الحق، لا بل الواجب، في الدفاع عنها، سيما وان تلك الارتكابات قد طالته شخصياً تبعا لوفاة بعض اقربائه خلال عملية اغتيال الرئيس بشير الجميل كما وطالت بيئته والفئة من المواطنين اللبنانيين التي ينتمي اليها، وبأن حرية الفكر والنشر مصانة في الدستور اللبناني والمواثيق الدولية، مشددا على ان واجب نقابة المحامين الدفاع عن كرامة المهنة والمحامين المنتسبين اليها في كلّ مرّة يتعرّضون فيها لاي اعتداء او ملاحقة لا اساس لها من الصحة لدواع محض سياسة من شأنها ان تمس باستقلالية المحامي وقدرته على ممارسة واجباته المهنية دون خشية الانتقام منه عبر تلفيق اتهامات واهية، مؤكداً على انه لا يجوز، عملاً بالمادتين /1/و/2/ تنظيم مهنة المحاماة، تقييد عمل المحامي فقط بالاعمال التي يقوم بها بموجب وكالة وضمن قاعة المحكمة، ومنعه بالتالي من ابداء الرأي والمشورة او من الانخراط في طائفة واسعة من المهام الجوهرية الداخلة في صميم مهنته أو من القيام بأعمال تطوعية دون أجر.
وحيث من المتعارف عليه أنّ نصّ المادة /79/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة يعطي مجلس النقابة صلاحية اتخاذ القرارات الادارية الخاصة الهادفة الى حماية المحامي من اي تعسف بالادعاء ضده لفعل متعلق بممارسة المهنة او بمعرضها، وذلك كي يتمكن المحامي من القيام بدوره على اكمل وجه دون التعرض او الخوف من الافتراء عليه بإقامة شكاوى جزائية ضده هدفها التأثير عليه او الانتقام منه بسب مهنته.
وحيث انه في مطلق الاحوال، فإن الاعمال التي يأتيها المحامي ولئن كانت ناشئة عن ممارسة مهنة المحاماة او حاصلة بمعرضها، لا تحول دون اعطاء الاذن في ما لو تبيّن بصورة جدّية بأنها قد تتضمن افعالاً معاقباً عليها قانوناً وانها تستأهل بالتالي التحقيق بشأنها لتوضيح ملابسات القضية وجلاء الحقيقة، فترد اقوال المستأنف عليه المخالفة لهذه الوجهة.
وحيث للقول بإعطاء الاذن بالملاحقة او رفضه، لا بد من بالعودة الى معطيات الملف الراهن من أجل تقدير الواقعات الثابتة فيه والتمعن في مدى جديتها، لمعرفة في ما اذا كانت الافعال المدعى بها في الشكوى امام النيابة العامة الاستئنافية في بيروت مرتبطة بالمهنة، وما إذا كانت تشكّل ظاهرياً جرماً جزائياً يقتضي ملاحقة المستأنف عليه بسببها.
وحيث يعتبر الفعل ناشئاً عن ممارسة مهنة المحاماة او بمعرضها عندما يتعلق الامر بأي عمل يقوم به المحامي أثناء دفاعه أو تحضيراً له أو ناتجاً عنه، أو بإعطائه رأياً قانونيا في مسألة محددة.
وحيث ان كانت مهنة المحاماة تساهم في تنفيذ الخدمة العامة وتحقيق رسالة العدالة، وفقاً للمواد /1/و/2/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة، إلا ان ذلك يجب ان يتم ضمن نظاق القوانين والانظمة، بحيث يتعين على المحامي، ولو كان يتولى الى جانب ملفاته الخاصة والفردية نشاطات اجتماعية او سياسية يهدف من خلالها الى حماية فئات معينة او الدفاع عن حقوق محددة، ان يسلك توصلا لذلك، الاطر التي وضعها له القانون بصفته محاميا، فيضع خبرته في المجالين القانوني والقضائي في خدمة القضايا العامة والمجتمعية التي يهمه متابعتها، وذلك من خلال تقديم الطلبات او الدعاوى او الشكاوى او الاخبارات بالطرق المناسبة وامام المراجع المختصة، اوابداء الرأي القانوني بشكل علني وبعد الالتزام بموجبات مبادئ مهنته وآدابها، وعبر إرشاد أصحاب الحقوق والمظلومين لناحية كيفية الاستحصال على حقوقهما أو استرجاعها.
وحيث إنّه تبعاً لذلك، فإن المحامي يتميز بذلك عن سائر المواطنين او الناشطين او الصحافيين، ويختلف عن مطلق معارض او محتج، بخلفيته القانونية وخبرته القضائية والادوات التي يحوزها، والتي يفترض عليه استخدامها وحدها في عملية المطالبة أو الاحتجاج أو المساءلة أو الملاحقة.
وحيث انه اذا قرر المحامي عدم استعمال تلك الادوات او المعلومات وعمد إلى الخروج عن تلك الأطر، وهو أمر مشروع ومفهوم كون المحامي بالنتيجة مواطناً وفرداً من افراد المجتمع يتأثر بما يحيطه ويكون قناعاته وآراءه الشخصية، فإنه لا يعدّ في هذا السياق محاميا يمارس مهنته، بل يعتبر مواطناً عادياً له حقوق ومطالب، ويخضع للموجبات والاحكام التي يخضع لها اي مواطن.
وحيث انه لم يتبين مما جرى عرضه في الملف الراهن، ان المستأنف عليه كان قد قدم شكوى او اخبار ضد الحزب السوري القومي الاجتماعي رداً على ما اعتبره تجاوزات وارتكابات خلال المهرجان المنظم من قبله، كما لم يظهر انه كان في سياق التحضير لأيّ عمل ذو طابع قانوني او قضائي، وبالتالي فإن نشره المقال المشكو منه على احدى الصفحات الالكترونية، بصرف النظر عن مدى احقيته، وبغض النظر عن مدى قانونية مضمونة وصحة المعلومات والآراء الواردة فيه ودقتها، وما اذا كانت تشكّل افعالاً يعاقب عليها القانون ام لا. – وهي امور يعود للمرجع الجزائي بحثه الى جانب مسألة مرور الزمن على الجرم المزعوم ومدى صحة تمثيل الحزب الشاكي، فإنّ كتابة المقال على الشكل المذكور، لا يتسم بالطابع المهني ولا يرتبط بمارسة مهنة المحاماة وليس بمعرضها، ذلك ان فعله لا يندرج ضمن اعمال المرافعة والمدافعة ولم يتم بمعرض منازعة مع الغير او بنتيجتها او تحسبا لها، او ابداء رأي قانوني بمسألة محددة، بل ان فعله لهذه الجهة لا يتعدى كونه عملاً مدنياً بحتاً قام به بصفته مواطناً كسائر المواطنين، الامر الذي يغني عن ضرورة إعطاء الاذن لملاحقته.
وحيث انه على فرض ان مضمون فعل المستأنف يعتبر بمعرض ممارسة مهنة المحاماة (وهو الامر الذي نفته المحكمة في ما تقدم) فإنّه بالنظر لما تضمنه من وقائع وصفات وافعال، يمكن ان تعتبر ذماً بمن تعنيه هذه الافعال وقدحاً به، وهي تلقي ظلالاً من الشك والغموض الذي يوجب تدخل القضاء المختص لإزالة هذا الغموض والالتباس حول مضمون ما تضمنته المقالة المنشورة من المستأنف موضوع هذا القرار، الامر الذي يقتضي معه إعطاء الاذن ملاحقته لكشف الالتباس وازالة الغموض المشار إليه.
وحيث ان إعطاء الاذن بالملاحقة الجزائية لا يشكّل إدانة للمحامي، بل سبيلاً كي يتمكن المرجع الجزائي المختص من سماع المحامي واجراء التحقيقات اللازمة توصّلاً لمعرفة الحقيقة ولإزالة الغموض الذي يكتنف الوقائع موضوع النزاع.
وحيث وبعد الاطلاع على القرار المستأنف، وما ورد فيه من إدلاءات، وعلى معطيات النزاع كافة، ترى المحكمة ان القرار باعتبار الافعال المنسوبة الى المستأنف بمعرض ممارسة المهنة وحجب الاذن، جاء في غير موضعه السليم، الامر الذي يتوجب معه قبول الاستئناف اساساً وفسخ القرار المستأنف والتقرير مجدّداً بإعطاء الاذن بملاحقة المستأنف عليه المحامي.
وحيث بنتيجة الحل المساق، تغدو سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة مستوجبة الرد إمّا لكونها لاقت رداّ ضمنياً أو لعدم تأثيرها على النزاع.
لذلك
تقرر بالاجماع:
1- قبول الاستئناف المقدم من النيابة العامة الاستئنافية في بيروت شكلاً للاسباب المبينة اعلاه.
2- ردّ طلب التدخّل وطلب الادخال.
3- قبول الاستئناف اساساً، وفسخ القرار المستأنف والتقرير مجدداً بإعطاء الاذن بملاحقة المستأنف عليه المحامي نديم بموضوع الشكوى المبيّنة في هذا القرار.
4- ردّ ما زاد او خالف بما في ذلك طلب اخراج لوائح طالب التدخل.
5- تضمين المستأنف عليه الرسوم والمصاريف كافة.
قراراً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2024/7/4.
“محكمة” – الجمعة في 2024/7/26