طريقة تحضير العميل بين الماضي والحاضر.. وبـ”بكبسة زرّ”/فاطمة البسّام
فاطمة البسّام*:
محمد قاسم شعيتو، اسم تصدر محركات البحث فور انتشاره وربطه بجرم التعامل مع الجيش الاسرائيلي.
تسابق رواد “فيسبوك” إلى صفحته الخاصة من أجل شتمه وإدانته بقتل الأبرياء الذين سقطوا في الحرب القائمة، أمّا البعض الآخر فسخر من السعر الرخيص الذي تعامل به مشغله الاسرائيلي معه، اذ طوال فترة السنّة التي عمل فيها شعيتو مع الموساد بين التنقل من منطقة الى منطقة، والرصد والتصوير، وتعريض حياته للخطر، كان مجموع ما تلقاه 7500 دولار أميركي، فكتب له البعض “لو رقصت على التيك توك بتطلّع أكتر”.
الفقر ليس مبرراً للشاب الذي يبلغ من العمر 29 سنة، وترك مهنة التمريض من أجل وعود أوصلته إلى السجن، وتركته مع وصمة ستلاحقه مدى الحياة “هيدا العميل”. أمّا الطريقة التي سقط فيها محمد في شرك العمالة فبسيطة جداً، اذ نصادف في اليوم الواحد عشرات الاعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي، منها مسابقات، فرص عمل، جمعيات إنسانية وغيرها، ويكفي أن تكبس على زر “اللايك”، لتتلقى عرضاً مموهاً عبر “الماسنجر” لجس النبض، ومن هنا تبدأ الرحلة.
في الآونة الأخيرة، وخلال معركة “طوفان الأقصى”، تلقى عدد كبير من العاملين في المجال الصحافي عروضاً لكتابة مقالات لقاء مبالغ ضخمة نسبة إلى معدل الدخل الذي يتلقوه محلياً، وذلك عبر رسالة على “الواتساب”. البعض قد يربط تجاوب الفرد مع المشغل بعدم المعرفة أو قلّتها، إلاّ أن الأمر لا يحتاج إلى حنكة وذكاء ليكتشف الشخص أنه على شفير الإنزلاق إلى مستنقع العمالة، وذلك لسهولة الحصول على الوظيفة، الأجر العالي في الفترة الأولى، والأسلوب الذي يتعامل فيه “صاحب العمل” المفترض، فمن يحصل على وظيفة من دون لقاء شخصي بالحد الأدنى؟ لا يمكننا القول ان الشخص الذي تجاوب مع المشغّل “مش عارف”، بينما هو “ما بده يعرف”.
الجنس، المال والمناصب، ثلاثية يدور العالم حولها، ووسيلة تُستعمل من أجل السيطرة والتحكم بالأشخاص من خلال وعود أو مكافآت من الثالوث الذي تحدّثنا عنه، على قاعدة أن لكل شخص مفتاحاً، فمن لا يحتاج الى المال، قد يغريه المنصب، وقس على ذلك، فمعظم الجرائم تمحورت حول هذه الأسباب.
ولأن التكنولوجيا قرّبت العالم من بعضه البعض، أصبحت عمليات التجنيد أسرع وأسهل، ومن بين 10 عروض يقدمها المشغّل من خلف الشاشة كلّ يوم بالحدّ الأدنى “إلاّ ما يزبط معه واحد”.
كيف كانت تتم عملية التجنيد؟
بحسب ما يقول المحامي والصحافي الحقوقي علي يوسف الموسوي (المدير المسؤول لمجلة “محكمة” وموقعها الإلكتروني)، لموقع “لبنان الكبير”: “من الطبيعي أن تتطوّر وسائل تجنيد جهاز الموساد الاسرائيلي لعملائه وسبل الإغراء لتقديم الخدمات المختلفة له مقابل مبالغ مالية متفاوتة بحسب المدة الزمنية للعميل والافادة منه وحجم المعلومات وحقيقتها وفاعليتها وكيفية استثمارها”.
وما كان يحصل قبل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والحداثة الهائلة في عالم الاتصالات، بات مختلفاً مع وجودها في كلّ بيت وبيد كلّ شخص ما سهّل من عملية اقتناص الأشخاص والتواصل معهم والافادة منهم.
ففي السابق، كان العميل سواء كان يعمل منفرداً أو ضمن شبكة جماعية يرتبط بواحد من أعضائها، يقوم بجمع المعلومات عن أشخاص محددين هم مسؤولون في المقاومة وعن نشاطاتهم ومنازلهم وسياراتهم من خلال الاحتكاك بهم اذا كان يعرفهم معرفة شخصية أو من خلال مراقبتهم.
وقد يكون هذا العميل منضوياً في صفوف حزب ما ومقرباً من مسؤولين فيه أو على اطلاع على عملهم ومراكزهم ويكون قادراً على جمع المعلومات والحصول عليها بوفرة وسهولة تامة.
من الممكن أن يرسل العميل “غلته” من المعلومات مع أحد أفراد عائلته ومنهم من يعرف بذلك، ومنهم من لا يعرف أي في غفلة عنهم كالأم والزوجة والأخ مثلاً، أو بواسطة جهاز ارسال لاسلكي تمّ تدريبه عليه ويكون على شكل منفخ العجلات، ويضعه في مخبأ داخل منزله أو مكتبه، ويتواصل مع مشغليه باسم مستعار ووهمي، وهم بطبيعة الحال يستخدمون أسماء حركية ووهمية تخفي أسماءهم الحقيقية.
وقد يتردد العميل إلى منطقة الشريط الحدودي المحتل للقاء المسؤول الأمني عنه والمرتبط بالموساد مباشرة، ويسلمه ما كتبه بخطّ يده فوراً، أو من خلال انتقاله مع العميل إلى داخل فلسطين المحتلة وعادة تكون منطقة قريبة من الحدود اللبنانية الفلسطينية ومن بينها المستوطنات، فيروي للمسؤولين الاسرائيليين عنه خبرياته وقصصه ومعلوماته، ويعرضونه على آلة كشف الكذب للتحقق من صحة معلوماته وما اذا كان يكذب عليهم أو أنه غير جدي في ا…
وقد يستعين العميل بزوجته في تحركاته لتساعده في تدوين أرقام سيارات متوقفة قرب مبنى ما.
وخلال فترة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب والبقاع الغربي، كان المحرك الأمني في هذه البلدة أو تلك، يفرض على أشخاص ضعفاء الشخصية التعامل معهم من خلال نقل الانخراط في الحياة الاجتماعية في القرية وفي كل اجتماع ولو كان على “مصطبة” الدار أو أمام دكان لالتقاط الأخبار من الأحاديث ونقلها اليه شفهياً مقابل مبالغ مالية زهيدة جداً أو لقاء نيل رضاه أو السماح له للانتقال الى فلسطين المحتلة للعمل بصورة يومية.
وقد يكون العميل طالباً جامعياً فيطلب منه أن يندس في صفوف التجمعات الطلابية ومعرفة ارتباطات الطلاب وسماع أحاديثهم عن المقاومة كما فعل مرة أحدهم اذ سمع حديثاً بين طالبين في كلية الحقوق والعلوم السياسية بالجامعة اللبنانية في محلة الصنائع ببيروت وتمحور حول وجود سيارة مفخخة داخل المنطقة المحتلة ومخبأة في كاراج للحدادة ومعدّة لتنفجر في موكب منسق الأنشطة الاسرائيلية في لبنان اوري لوبراني، فتوجه الى حاجز ميليشيا أنطوان لحد على معبر كفرتبنيت وطلب مقابلة المسؤول الأمني “اللحدي” عنه ونقل الى داخل فلسطين المحتلة.
أما بخصوص المبالغ المالية التي يتقاضاها العملاء، فليست ثابتة، بل هي أرقام متحركة بحسب أهمية معلوماته. وذات يوم من العام 1986، قبض عميل مهمّ أوقف في العام 1999 وصدر عليه حكم من القضاء العسكري، مبلغ أربعة آلاف ليرة لبنانية ثمّ ارتفع الرقم إلى مائة ألف دولار أميركي.
وكان العميل يتلقى الأموال مباشرة بعد كل لقاء، أو يرسل له مع عملاء آخرين موجودين على الأراضي اللبنانية فيقصدهم لقبض المبلغ، أو يوضع في “بريد ميت” في قطعة أرض تحت شجرة أو صخرة يكون قد تلقى في وقت سابق كامل التفاصيل والعلامات والاشارات عنها للوصول اليها فوراً.
من دون أن ننسى بطبيعة الحال، استخدام العدو الاسرائيلي عنصر النساء لاغراء العملاء حتى ولو اقتضى الأمر ممارسة الجنس معهم، وهذا حصل كثيراً وذكر خلال المحاكمات أمام المحكمة العسكرية الدائمة أو محكمة التمييز العسكرية.
قانون العقوبات اللبناني والعمالة
ينص قانون العقوبات اللبناني في الشق المتعلق بـ “الصلات غير المشروعة مع العدو”، على “السجن سنة على الأقل… لكل لبناني وكل شخص في لبنان من رعايا الدول العربية يدخل مباشرة أو بصورة غير مباشرة وبدون موافقة الحكومة اللبنانية المسبقة بلاد العدو حتى وإن لم يكن المقصود من دخوله أحد الأعمال” التجارية. ومن نافل القول إن القانون يعاقب “بالأشغال الشاقة المؤبدة” سرقة وثائق أو معلومات تتعلق بسلامة الدولة “لمنفعة دولة أجنبية”.
هذا يعني أن القوانين اللبنانية تحظر التجارة مع اسرائيل أو مواطنيها، وتحظر زيارة إسرائيل، أو التجسس لمصلحتها – أو لمصلحة أية دولة أجنبية – على دولة لبنان.
وبحسب المحامي فاروق مغربي فان القانون اللبناني، واضح وصريح في ما يتعلّق بالتعامل مع الجيش الاسرائيلي، فينقسم هذا الجرم بين الجناية والجنحة وفق الفعل المقترف، فالمشكلة ليست في القوانين بل في طريقة تطبيقها وتفسيرها من المحكمة العسكرية.
ويضيف المغربي لموقع “لبنان الكبير”: “الكثير ممن تعاملوا مع جهات اسرائيلية حكم عليهم بأحكام بسيطة، أمّا البعض ممن طالته شبهة بالتعامل، فقضى أشهراً في الأقبية قبل محاكمته”.
* المصدر: موقع “لبنان الكبير”.
“محكمة” – الخميس في 2024/9/5