لهذا السبب لم يسمح القاضي حلاوي لرئيسة هيئة القضايا بحضور جلسة استجواب رياض سلامة/علي الموسوي
المحامي المتدرّج علي الموسوي:
في موقف قانوني حاسم وصريح وسليم، رفض قاضي التحقيق الأوّل في بيروت بالإنابة بلال حلاوي السماح لرئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضي هيلانة اسكندر حضور جلسة التحقيق الأولى مع الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة بعدما كانت قد تقدّمت بطلب انضمام للدعوى العامة، طالبًا منها إثبات صحّة صفتها لكيّ يحقّ لها تمثيل الدولة اللبنانية التي لم تتحرّك بحسب الأصول من خلال وزارة المالية المعنية المباشرة بعمل سلامة في مصرف لبنان.
فوزارة المالية لم تطلب من هيئة القضايا أن تتحرّك للإنضمام إلى الدعوى العامة أو تقديم شكوى مباشرة تتخذ فيها صفة الادعاء الشخصي، ذلك أنّ مصرف لبنان” شخص معنوي من القانون العام ويتمتّع بالإستقلال المالي ويعتبر تاجرًا في علاقاته مع الغير” بحسب المادة /13/ من قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي أو القانون المنفّذ بالمرسوم رقم 13513 تاريخ 1963/8/1، ويزاد رأسمال المصرف المركزي بمبلغ تخصّصه الدولة اللبنانية بموجب قانون أو بضمّ أموال إحتياطية يجاز بمرسوم في مجلس الوزراء بناء على طلب المصرف واقتراح وزير المالية بحسب المادة /15/ من القانون نفسه، كما يعيّن الحاكم ونوّابه بناء على اقتراح الوزير المذكور أيضًا، و”تنشأ في وزارة المالية مفوضية الحكومة لدى المصرف المركزي” كما هو منصوص عليه في المادة /41/ من القانون المذكور.
وبالتالي، فإنّ أموال مصرف لبنان هي أموال عمومية يتحرّك المصرف من تلقاء نفسه للمطالبة بها وليس هيئة القضايا التي تحتاج إلى إذن خاص من وزير المالية للقيام بهذه الخطوة القانونية، وهذا ما دفع القاضي حلاوي إلى قبول حضور وكيل المصرف جلسة التحقيق واستبعاد اسكندر التي يفترض بها أنّها تعرف أنّ حضورها غير قانوني في حال حصوله.
واللافت للنظر أنّه سبق للقاضي اسكندر التي تحال على التقاعد في 15 كانون الثاني 2025 لبلوغها سنّ الثامنة والستين، أن أقرّت في أحد بياناتها الإعلامية بما هو متعارف عليه، بأنّ هيئة القضايا لا تتحرّك تلقائيًا من دون الاستحصال مسبقًا على إذن وإشارة الوزير المختص. بمعنى أنّه يتوجّب على هذه الهيئة أن تنال إذن الوزير المعني بالملفّ المحال على القضاء وتتحرّك بناء على إشارته وتوصياته وطلباته لا من عندياتها ومن تلقاء نفسها لكي يكون عملها صحيحًا وسليمًا. فإذا كان الملفّ يخصّ وزارة الداخلية والبلديات مثلًا، فإنّ هيئة القضايا لا تستطيع أن تبادر من تلقاء نفسها وتتخذ صفة الادعاء الشخصي ما لم يردها إذن بذلك من الوزارة المذكورة، وهكذا بالنسبة لكلّ الوزارات الموجودة في الجمهورية اللبنانية. وعليه يكون الوزير المعني بملفّ رياض سلامة وزير المالية.
وسبق لهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل أن حسمت هذه النقطة القانونية المركزية في استشارتها ذات الرقم 2020/840 الصادرة بتاريخ 2020/10/8. مع التذكير بأنّ القاضي اسكندر نفسها “جاهدت” في العام 2018 لتعديل القانون الذي يطلب منها نيل إذن السلطة الإجرائية بغية اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، لكنّ التعديل لم يبصر النور في المجلس النيابي.
وللمرّة الأولى منذ إنشاء هيئة القضايا، لا بل منذ انطلاق القضاء في العام 1920، تقوم هذه الهيئة باتخاذ صفة الادعاء الشخصي باسم الدولة اللبنانية من تلقاء نفسها من دون العودة إلى الإدارة المعنية في الملفّ المعروض أمام القضاء والذي يستوجب وجود الدولة اللبنانية فيه بصفة مدعية.
وقد مرّ قضاة كثر على رئاسة هيئة القضايا منهم غبريال سرياني وبشارة متى ومروان كركبي، ولم يسجّل خلال ولاية أيّ واحد منهم تحرّكه باتجاه ملفّ ما، من دون الرجوع الحتمي إلى الادارة والوزارة المختصة لكي تمنح الهيئة حقّ التوكّل والمبادرة إلى الادعاء. فهيئة القضايا تمثّل الدولة اللبنانية لكن لا يمكنها التصرّف عفوًا من دون العودة إلى هذه الدولة من خلال الإدارة المعنية بالملفّ، فهي تكتسب صفتها بالادعاء وكوكيلة من خلال كتاب إذن يُعطى لها من الادارة والوزارة، والمسألة ليست مزاجية بغضّ النظر عمّا إذا كان الملفّ يتعلّق برياض سلامة أو بأيّ شخص آخر.
وكان لافتًا للنظر على صعيد جلسة التحقيق مع سلامة، المواكبة الأمنية المشدّدة التي فاقت كلّ المرّات السابقة عند حضور سلامة إلى قصر عدل بيروت لسماع أقواله، سواء تمّ ذلك أمام الوفود القضائية الأوروبية خلال العام 2023، أو أمام قاضي التحقيق الأوّل في العام نفسه.
والجدير ذكره هنا أنّ سلامة رفض المثول أمام قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان نقولا منصور متذرّعًا بأسباب أمنية واهية، ووصل الأمر به إلى حدّ تقديم طلب ردّ القاضي منصور عارضًا استجوابه عن بُعْد فرفض منصور، وما كان من محكمة الاستئناف برئاسة القاضي ريما شبارو إلّا أن ردّت طلب الردّ واعتبرت سلامة متعسّفًا في استعمال حقّ التقاضي.(نشرت “محكمة” النصّ الحرفي لمحكمة الاستئناف بعنوان:”محكمة الاستئناف برئاسة القاضي شبارو تردّ طلب رياض سلامة ردّ القا ضي منصور: رفض الإستجواب عن بُعْد لا يعني تعريضًا للخطر”).
ومثل سلامة أمام القاضي حلاوي بحضور وكيله القانوني الجديد مارك حبقة، بعدما كان يحضر معه أو يقدّم الدفوع الشكلية عنه إذا ما لزم الأمر وهو ما حصل مثلًا أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت لارا عبد الصمد، المحامي شوقي قازان والمحامي حافظ زخور.
وما حدث في جلسة التحقيق الإستنطاقي، فهو سرّي بحكم القانون، وقد انتهت الجلسة الأولى بما هو متوقّع بإصدار القاضي حلاوي مذكّرة توقيف وجاهية بحقّ سلامة، على أن يستكمل التحقيق معه يوم الخميس الواقع في 12 أيلول 2024.
“محكمة” – الاثنين في 2024/9/9