علم وخبر
إحتلال المأجور يدخل في إطار العامل الأمني .. وصاحب الحقّ بالتعويض/ناضر كسبار
ناضر كسبار(نقيب المحامين السابق في بيروت):
اعتبر القاضي المنفرد المدني في المتن الناظر في قضايا الايجارات الرئيس جون القزي ان احتلال المأجور من قبل شخص غريب عن المستأجر يدخل في اطار العامل الامني الذي لا ينحصر فقط بالقصف والمعارك، إنّما يمتد ليشمل الآثار الناجمة عن ذلك بما فيها واقع الاحتلال، وبالتالي فإن استحالة المستأجر في العودة الى مأجوره بفعل الاحتلال إنّما يدخل ضمن العامل الامني المبرر للترك.
كما اعتبر الرئيس القزي انه مع استمرار اجارة المستأجر، فإنّه يغدو صاحب الصفة الوحيد بأن يقارب اي مسألة تتعلق بالمأجور، بما فيها التعويض الناجم عن الاحتلال كونه متضرّراً من حرمانه بالانتفاع بمأجوره.
وقضى برد الدعوى ضد المستأجر وكذلك برد الدعوى ضد المحتل والتي يطالبه فيه بالتعويض.
ومما جاء في الحكم الصادر بتاريخ 2002/7/4.
وحيث بعد ذلك، ومن العودة الى اساس النزاع، فان البحث يجب ان يلامس الواقع المادي الثابت، في السياق العام للاحكام القانونية المرعية، لبيان مدة تحقق الترك.
وحيث في هذا الاطار، فإن المادة العاشرة من القانون الرقم 92/160 المعدل والممدد والتي تمحورت حولها مطالبة الجهة المدعية، راسمة بذلك اطار المقاربة وتفترض في فقرتها “و” شرطين متلازمين لالزام المستأجر الاخلاء تبعا لسقوط حقه في الاجارة وهما:
1- ان يتراخى الترك، كواقعة مادية مجردة، مدة سنة بدون انقطاع، اعتباراً من 92/7/23.
2- انتفاء اي دور للعامل الامني في التوجيه اليه.
وحيث من العودة الى اوراق الدعوى الحاضرة، ثابت ان المدعى عليه زيد كان ترك مأجوره بفعل الاحداث الامنية المندلعة في النصف الثاني من السبعينات، وقد تراخى هذا الترك طيلة السنوات السابقة للعام 1992، بعد ما تبدت استحالة العودة في حينه، لقيام الاشغال من الغير.
وثابت ايضاً بأنّ فترة غياب المدعى عليه الاول عن مأجوره المشغول من الغير، قابلها ايفاء دوري للبدلات المتوجبة لقاء ايصالات من الجهة المالكة في تكييف استغرق الرغبة بالحفاظ على الاجارة.
هذا فضلا على ان المدعى عليه المذكور، وبعد استتباب الاوضاع الامنية وصدور القانون الرقم 92/160، لم يستطع العودة الى مأجوره بفعل اشغاله من قبل المدعى عليه الثاني، المتراخي حتى 24/8/99، مع صدورالقرار من وزارة شؤون المهجرين بالاخلاء والتسليم لصاحب الحق فيه، تبعا لللاستدعاء الذي كان قدمه في 93/8/19.
وحيث ان لمقاربة المسالة المعروضة بصورة شمولية غير جزئية، يقتضي وصف طبيعة اشغال المدعى عليه الثاني، وما اذا كان يندرج ضمن اطار العامل الامني الذي يبرر وحده الترك بصراحة النص.
وحيث يتضح من ناحية اولى بان اشغال المدعى عليه الثاني، ساموئيل انما يتصف بغير المشروع لغياب اي سند قانوني يبرره، فيكون بالتالي محتلا للمأجور موضوع النزاع.
وحيث من ناحية ثانية، فإنّه اذا كان صحيحاً ان العامل الامني، يتمثل واقعا بالحرب والاقتتال المسلح، الذي يهدد حياة الناس محتما عليهم، وتفاديا للمخاطر، الهرب يحثا عن الامن وحفاظا على الارواح، فان الصحيح ايضا، بان نتائج الاحداث الاليمة، وما نجم عنها من احتلالات لمنازل، انما تدخل ايضا في اطار العامل الامني تبعا للمعادلة القائمة على الربط بين السبب والنتيجة، فلا يمكن فصل قضية المحتلين عن الاطار العام للوضع الامني الذي جعل لها الارضية كما والمدى، آثارا ومفاعيل، لاسيما وان قضية المحتلين، انما ارتبطت بقضية وطنية عامة، الا وهي عودة المهجرين والتي انشئت لها وزارة، مهمتها تنظيم عمليات الاخلاء وعودة المهجرين توصلا لازالة غبار الحرب التي عمت البلاد.
وحيث بالتالي فان العامل الامني لا ينحصر فقط بالقصف والمعارك، انما يمتد ليشمل الآثار الناجمة عن ذلك، بما فيها واقع الاحتلالات الحاصلة، وعليه، فان استحالة المستأجر في العودة الى مأجوره بفعل الاحتلال. انما يدخل ضمن اطار العامل الامني المبرر للترك، على ما اباجه القانون بصورة حصرية.
وحيث ان القول بغير ذلك من شأنه ان يجافي ارادة المشرع، ويحجم التكييف الذي توسله في الاستثناء الذي اعتمده.
باعتبار، ان القانون 92/160 الصادر في 1992/7/22 ، انما جاء في الزمن بعد انتهاء فترة الحرب، لمعالجة ذيولها، فاذا ما كان القصد بالاستثناء المستغرق العامل الامني، القصف والاقتتال فقط، فإنّ الغاية تغدو منتفية بعد العام 1992 مع استتباب الوضع الامني.
في حين ان وضع الاستثناء في اطار آثار الحرب المتراخية بعد العام 1992، والمستغرقة التهجير والاحتلال والخطف باوجهه، انما يأتلف مع غاية المشرع وحرصه على تسوية المسائل المثارة في تغطية شمولية لجهة الآثار مع الخصوصية التي للتشريع الاستثنائي عبر التفسير الحصري للتبرير المتمثل في العامل الامني، وليس الاثر المتفرغ عنه. على ما هو الامر راهنا.
وحيث في ما يتعلق بالمدعى عليه الاول فإنّ جدّيته في الاحتفاظ بالاجارة طيلة فترة حرمانه منها. تبينت من الايفاءات الحاصلة لبدلات الايجار المستحقة عليه، اما بعد تاريخ 92/7/23 ، فقد ثبتت هذه الرغبة باستدعائه المقدم بتاريخ 93/8/19، الى وزير شؤون المهجرين المتضمن طلب معالجة موضوع اشغال مأجوره في برج حمود، والذي حرم من إشغاله بسبب الاحتلال الذي تراخى حتى 99/8/24 ، وكذلك عبر كتابه الموجه الى المالك في العام 93.
وحيث وفي ظل هذه النتيجة وطالما ان المستأجر عبر عن رغبته بالعودة الى المأجور في العام 1993 ولم يستطع ذلك بسبب الاحتلال، فان شرطي الترك يكونان غير مجتمعين باعتبار ان الترك قد سببته العوامل الامنية.
وحيث يقتضي تبعا لذلك رد طلب اسقاط المدعى عليه زيد من التمديد القانوني.
وحيث مع استمرار اجارة المدعى عليه الاول فانه يغدو صاحب الصفة الوحيد بان يقارب اي مسألة تتعلق بالمأجور بما فيها التعويض الناجم عن الاحتلال كونه متضررا من حرمانه بالانتفاع بمأجوره، فترد مطالبة الجهة المالكة بالتعويض المساقة بوجه المحتل لانتفاء حقها مع استمرار اجارة المدعى عليه.
وحيث ان القول يعكس ذلك، من شأنه ان يجعل صفتي المالك والمستأجر تتزاحمان في المطالبة بالتعويض عن الحرمان من الانتفاع بالمأجور وفي هذا مجافاة للمبادئ، التي ترعى كما وروحية التشريع.
“محكمة” – السبت في 2024/9/14