قرار قضائي نوعي يتناول التوازن بين الأمن الشخصي والحق في الخصوصية عند استخدام كاميرات المراقبة/سلوان صادر
المحامي سلوان صادر:
(موضوع هذا التعليق، قرار قاضي الأمور المستعجلة في أميون، الرئيس اميل عازار، القرار رقم 242 تاريخ 2024/10/28).
يبرز هذا القرار مسألة شائكة تتعلّق بالتوفيق بين استخدام كاميرات المراقبة في الأماكن السكنية كأداة فعّالة لمكافحة الجريمة، وتوثيق الأدلّة، وتعزيز الأمن الشخصي، إلى جانب مراقبة الأشخاص الذين قد يكونون بحاجة إلى انتباه خاص أو رعاية، وبين ضرورة حماية الحقوق الأساسية، ولا سيّما حق الأفراد في صون حياتهم الخاصّة وضمان عدم انتهاك خصوصيتهم.
كما أنه يعكس الأهمية المتزايدة للامتثال للأنظمة القانونية المتعلقة بالبيانات الشخصية في العصر الرقمي. ويبرز هذا التوازن بين حرية استخدام التكنولوجيا وحقوق الأفراد في حماية خصوصيتهم كعنصر جوهري في تطوير سياسات قانونية فعّالة.
ويمثّل تطورًا مهماً في فهم العلاقة بين حماية البيانات الشخصية واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الحياة اليومية، ويعكس كذلك إدراك القضاء اللبناني لأهمية معالجة القضايا المتعلقة بالخصوصية في العصر الرقمي والتزام لبنان بالمعايير الدولية المتعلقة بحماية الخصوصية، خاصة في سياق توصيات الأمم المتحدة بشأن الحق في الخصوصية في العصر الرقمي.
ويعتبر أنَّ استخدام كاميرات المراقبة في الأماكن السكنية التي يتوقّع فيها الأفراد مستوى عالياً من الخصوصية، يجب أن يكون مقترنًا باحترام خصوصية الآخرين، لا سيما السكان المجاورين أثناء ممارستهم حياتهم الخاصة وأثناء تنقلّهم، وإنَّ صون كرامة الإنسان يتحقّق عبر احترام حياته الخاصة والمساحات التي يعيش فيها، بما يضمن استقلاليته الذاتية وحماية خصوصياته من التعرّض لأي انتهاك.
يعتمد القرار على مجموعة من القواعد القانونية المحلية والدولية، ومنها الدستور اللبناني في المادتين 8 و14 اللتين تكفلان الحرية الشخصية وحرمة المنزل، وتؤكدان صون كرامة الإنسان واحترام حياته الخاصة. وكذلك الاتفاقيات الدولية كالمادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) التي تضمن الحق في الخصوصية، والمادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR)والقرارات المعتمدة من قبل مجلس حقوق الإنسان، آخرها القرار 55/3 لعام 2024، التي أكّدت جميعها على أهمية الحفاظ على الحق في الخصوصية في العصر الرقمي.
وفي سابقة قانونية مميزة، يعتبر القاضي عازار أن أنظمة المراقبة المنزلية، رغم استخدامها ضمن النطاق السكني، يجب أن تمتثل لقواعد قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي اللبناني (رقم 2018/81). معلّلاً أن صور الأشخاص وأصواتهم وأماكنهم وأنشطتهم المسجّلة بواسطة الكاميرات تعتبر بيانات شخصية تتيح تحديد هويتهم، وأنّ أيّ عملية أو مجموعة من العمليات التي تُجرى على هذه البيانات الشخصية، مثل تسجيل الفيديو وتخزينه، سواء تمّ ذلك محلّياً على أجهزة DVR/NVR أو على أنظمة NAS، أو في السحابة … تعدّ بمثابة معالجة آلية تلقائية لها.
ويؤكّد أن الاستثناء الوارد في القانون وتحديداً في المادة 85 من القانون رقم 2018/81 يتشابه مع الاستثناء الوارد في المادة 2 فقرة 2 من اللائحة العامة لحماية البيانات GDPR)) في الاتحاد الأوروبي، التي تُعتبر مرجعًا عالميًا في تنظيم معالجة البيانات الشخصية. وبأن هذا الاستثناء بنطبق فقط على الأنشطة الشخصية التي يقوم بها الشخص حصرياً لحاجاته وهي الحاصلة في بيئة منزلية أو داخل أسرة ولغاية الاستعمال الشخصي أو العائلي، والتي لا تنطوي على تهديد لخصوصية الآخرين.
ويفسّر أن هذا الاستثناء يطبّق على البيانات المرئية و/أو المسموعة الناتجة عن كاميرات المراقبة العائدة للمساحات الشخصيّة الخاصة والتي يخرج النشاط المتعلّق بها عن قواعد وإطار قانون حماية البيانات الشخصيّة. كبيانات كاميرات المراقبة المثّبتة في المنزل، داخل غرفة المعيشة أو غرفة النوم لمراقبة شخص مسنّ أو في ملعب أو في مسبح خاص لمراقبة طفل لأغراض السلامة أو في مرآب خاص للسيارة.
أما خارج هذا الاستثناء، وفي حال تجاوز نطاق الكاميرات الملكية الخاصة لصاحبها لتشمل أماكن أو مساحات عامّة كالشوارع، والأرصفة، والممرات الخارجية، ومساحات حق المرور للعقارات المجاورة، والملكية المشتركة؛ كفسحة المرآب في الأبنية وممرّاته ومداخله ومخارجه، ومداخل الأبنية والشقق، والأدراج، والمصاعد وسواها، وكذلك ممتلكات الغير الخاصة لا سيما عندما تتّصل بالمنازل المجاورة أو بأي جزء منها؛ كأبوابها، ونوافذها، وشرفاتها، وفرنداتها، ولوجياتها، وحدائقها، وسائر أقسامها المختلفة، فيعتبر القاضي عازار وجوب خضوع بياناتها للقواعد والأطر التنظيمية المتعلّقة بحماية البيانات الشخصيّة التي يفرضها القانون نظراً لما ينطوي عليه من تأثير على خصوصيّة الأفراد في تلك المساحات المحميّة، سواء كانت عامة، أو خاصّة مختلفة عائدة للغير، أو مشتركة، أو واقعة في منطقة وسطيّة بين العام والخاص.
وتجدر الإشارة إلى إن ما ذهب إليه هذا القرار يعزّز حماية حقوق الأفراد في مواجهة التحديات الرقمية المتزايدة ويتوافق مع المعايير الأوروبية ويعكس التزام القضاء اللبناني بتطبيق أفضل الممارسات في حماية البيانات، سواء لجهة ممتلكات الغير الخاصة التي تتمتّع بمستوى عالٍ من الخصوصية يفوق أيّ مصلحة مشروعة قد تثار في هذا السياق، أو لجهة المساحات العامة، فأتى متوافقاً لهذه الجهة مع اجتهاد محكمة العدل الأوروبية (CJEU).
على سبيل المثال يمكن الاطلاع على الحكم الصادر في قضية Ryneš v. Úřad pro ochranu osobních údajů (C-212/13) عبر الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي:
https://eur-lex.europa.eu/legal-content/EN/TXT/?uri=CELEX%3A62013CJ0212
ويعتبر القاضي عازار أنّ الحصول على موافقة الأفراد قبل جمع بياناتهم الشخصية أو استخدامها يكرّس حماية الخصوصية كحقّ أساسي في البيئة الرقمية، وبأن هذه الموافقة تستند إلى مبدأ الاستقلال الذاتي للفرد، وتُعتبر ضمانة لحماية الخصوصية والتحكّم بالبيانات الشخصية، فضلاً عن تعزيزها الشفافية والمساءلة.
كما يؤكّد أن القانون قد ألزم حصر جمع البيانات في الحدود الضرورية لتحقيق الأغراض المشروعة المعلنة بما يعزّز حق الأفراد في التحكّم بمعلوماتهم الخاصة، وكذلك حظّر معالجة البيانات ذات الطابع الشخصي الحسّاسة. بالإضافة إلى ذلك، منح الأفراد حقوقًا متعلّقة بخصوصيتهم، مثل الاطّلاع على بياناتهم، وتصحيحها، وحذفها، والاعتراض على معالجتها. كما أوجب التصريح والترخيص والنشر، إلى جانب وجوب اتخاذ التدابير التقنية والإدارية اللازمة لحماية البيانات من الاختراق مثل التشفير والتحكّم في الجهات التي يمكنها الوصول إليها، مع تحديده فترة احتفاظ تتناسب مع الغرض المحدّد، وتأكيده على أهمية الرقابة والامتثال، وصولاً إلى فرض عقوبات على المخالفات المرتكبة.
وفي الختام، يُحقق هذا القرار توازنًا دقيقاً بين الاحتياجات الأمنية وحقوق الأفراد في الخصوصية. فهو يقرّ بأهمية أنظمة المراقبة لتعزيز الأمن، مع التشديد على ضرورة التزامها بالضوابط القانونية. كما يُمثّل خطوة متقدّمة في تنظيم أنظمة المراقبة المنزلية، من خلال التأكيد على أن حماية البيانات الشخصية يجب أن تظل أولويّة قصوى. ما يوفّر أساسًا متينًا لمعالجة التحديات المرتبطة بالخصوصية وحماية البيانات في عصر التكنولوجيا المتسارعة بما يعزّز الثقة بين الأفراد ويضمن بيئة رقمية آمنة ومستدامة.
“محكمة” تتفرّد بنشر هذا القرار كاملًا لأهمّيته:
باسم الشعب اللبناني
إن قاضي الأمور المستعجلة في أميون
بعد الإطلاع على الأوراق كافة،
تبيّن أنه بتاريخ 2024/1/2، تقدّمت المستدعية باستدعائها الراهن، وعرضت أنها تسكن مع عائلتها في شقّة زوجها الكائنة في البناء القائم على العقار رقم 2511/أنفة، وأن المستدعى ضده يسكن في البناء المقابل لشقتها، وقد أقدم على تركيب كاميرات مراقبة تسجّل الصورة والصوت وقابلة للتحكم عن بعد، وذلك على مدخل منزله وصوّبها نحو مداخل شقّتها وغرفها الداخلية، ما يشكّل تعدياً واضحاً على حريتها وعلى كرامتها وعلى حقّها في الحياة الخاصة وفي الصورة، واستندت إلى المواد 604 و 579 أ.م.م. و8 من الدستور وإلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وانتهت إلى طلب إلزام المستدعى ضده بإزالة تلك الكاميرات بشكل نهائي،
وتبيّن أن المستدعى ضده تقدّم بتاريخ 2024/1/15 بلائحة من الملاحظات، عرض فيها أنه يملك العقار رقم 2509/أنفة حيث يوجد عليه بناء ضخم، ونتيجة للسرقات المتكررة أقدم على تركيب الكاميرات التي لا تلتقط إلا مداخل العقار وتم تركيزها على ارتفاع مناسب، وقد سبق للمستدعية أن تقدّمت بشكوى جزائية أمام جانب النيابة العامة الاستئنافية في الشمال بالموضوع عينه مضافاً إليه القدح والذم والتهديد، وتبيّن بعد الكشف الحسي المجرى في سياقها من قبل الدرك أن نطاق الكاميرات المشكو منها مثبّتة بعلو أدنى من مسكن المستدعية وتنقل صورة مداخل عقاره، وهي ثابتة لا يصل نطاقها إلى غرف نوم المستدعية أو سواها، وأما بخصوص التقاط صورة المدخل فهذا أمر طبيعي كون المستدعية لها حق مرور على عقاره وله الحق بمراقبة المدخل المشترك، فضلاً عن ذلك فقد تمّ تركيب الكاميرات منذ حوالي السنة دون أي اعتراض إلا بعد حصول الإشكالات بين الطرفين، وطلب المستدعى ضده ردّ الاستدعاء الراهن لعدم ثبوت صفة المستدعية سنداً للمادتين 9 و 62 أ.م.م. كونها لم تبرز إفادة عقارية تثبت ملكيتها أو وكالة من مالكه أو قرار بتعيينها وصياً على أموال زوجها، وردّه أيضاً لسبق الادعاء الجزائي الحاصل أمام جانب النيابة العامة حيث سبق أن طلبت فيها إزالة الكاميرات، واستطراداً ردّه لعدم وجود أي تعدّ على الحرية الشخصية، إذ إنه من الثابت أن النيابة العامة بعد اطلاعها على التحقيقات الأولية لم تصدر أي قرار بإزالة الكاميرات بعد أن ثبت لها انتفاء التعدي،
وتبيّن أنه بتاريخ 2024/2/23 أبرزت المستدعية مذكرة توضيحية استعادت فيها ما ورد في الاستدعاء مضيفة وجوب ردّ جميع ادلاءات المستدعى ضده لا سيما المتعلّقة بصفتها لعدم اشتراط الملكية في الطلب موضوع الاستدعاء فهي تسكن في منزلها الزوجي الذي يملكه زوجها والتعدي المدلى به واقع على شخصها وحياتها الشخصية، وتالياً على حقوقها المتّصلة بشخصها وليس بمالها، وكذلك تلك المتعلّقة بوجود سبق إدعاء جزائي، لأن الشكوى الجزائية موضوعها عدد من الجرائم إضافة إلى طلب إزالة الكاميرات لعدم تحقق شروطه نظراً لانتفاء الجرم الجزائي وتالياً اختصاص المحاكم الجزائية،
وتبيّن أنه بتاريخ 2024/3/14 أبرز المستدعى ضده لائحة ملاحظات إضافية استعاد فيها مضمون لائحته السابقة مبرزاً ربطا صورة عن محضر التحقيقات الأولية المجراة في الشكوى الجزائية،
وتبيّن أنه بتاريخ 2024/5/30 أبرز الخبير فادي الخوري تقريره انفاذاً لقرار هذه المحكمة تاريخ 2024/3/26 ، وأورد فيه أن هناك ثلاث كاميرات مشكو منها:
الأولى: موجهة خارج حدود عقار المستدعى ضده نحو المدخل الخاص والممر (حق المرور) المؤدي إلى شقة المستدعية، وتقوم بالتقاط الصور الثابتة والمتحركة، ليلاً ونهاراً، للأشخاص الداخلين والخارجين من المدخل المذكور.
الثانية: موجهة أيضاً خارج حدود البناء المثبتة عليه نحو مدخل شقة المستدعية، وتقوم بالتقاط الصور الثابتة والمتحركة، بقدرة التبعيد والتقريب (Zoom) وتسجيل الأصوات ليلاً ونهاراً، وبما يشمل المدخل المذكور، وبلكون الصالون ومدخل بابه، والأشخاص المتواجدين في تلك الأماكن.
الثالثة: موجّهة نحو مدخل البناء وعقار المستدعى ضده ونحو الطريق والمدخل المؤدي إلى عقار المستدعية وإلى الجهة الخلفية من عقار المستدعى ضده (المسبح) وتقوم بالتقاط الصور الثابتة والمتحركة، ليلاً ونهاراً، للأشخاص المتواجدين في تلك الأماكن.
وأشار أيضاً في تقريره إلى أنه استأنس بآراء أصحاب الخبرة المتخصصين في بيع وتركيب هذا النوع من الكاميرات. كما بيّن أن شقّة المستدعية هي الوحيدة في المبنى المستهدفة من قِبَل كاميرات المراقبة المشكو منها،
وتبيّن أنه بتاريخ 2024/6/28 أبرز المستدعى ضده لائحة تعليق على تقرير الخبير استعاد فيها ما سبق أن أورده في لوائحه السابقة، وأضاف أنه إثر الشكوى الجزائية وبناء لطلب النيابة العامة جرى تعديل موقع إحدى الكاميرات المثبتة على مدخل منزله بتخفيض مستوى ارتفاعها وأصبحت تلتقط الصورة دون الصوت، وأن الكاميرا الموجهة لناحية المسبح فهي ضرورية لمراقبة ابنته التي تعاني من وضع صحي خاص ولا سيما انها واجهت سابقاً خطر الغرق، وأن الكاميرا الموضوعة في أسفل سقف بلكون الطابق الأول تلتقط صور المدخل ضمن نطاق عقاره حيث للمستدعية حق بالمرور، وأضاف أيضاً أن الخبير لم يبلغّه موعد الكشف وليس لديه الخبرة الكافية في مجال الكاميرات، وطلب الترخيص له بالاستحصال على صورة طبق الأصل عن محاضر تحقيقات أولية،
وتبيّن أنه بتاريخ 2024/7/24 أبرزت المستدعية لائحة شاملة استعادت فيها كل ما سبق أن عرضته وأدلت به وطلبته مضيفة إليها طلب العطل والضرر للتعسّف باستعمال حق الدفاع سنداً للمواد 10 و11 و551 أ.م.م.، فضلاً عن تدريك المستدعى ضده الرسوم والمصاريف والأتعاب،
وتبيّن أنه بتاريخ 2024/8/6 أبرز المستدعى ضده لائحة استعاد فيها ما سبق أن عرضه وأدلى به وطلبه في لوائحه السابقة،
بناءً عليه
حيث إن للمستدعية الصفة القانونية لطلب حماية الحقّ في حياتها الخاصّة وخصوصياتها وفي كرامتها الانسانية الملتصقة بشخصها من أي انتهاك ناتج عن استخدام جارها المستدعى ضدّه لكاميرات المراقبة دون موافقتها، بغضّ النظر عن ملكيتها للشقّة التي تقيم فيها،
وحيث إن الشكاوى الجزائية المقدّمة أمام النيابة العامة الاستئنافية لا تشكّل بأي حال من الأحوال سبق ادعاء جزائي يمنع قاضي الأمور المستعجلة من اتخاذ التدابير التي تقتضيها طبيعة اختصاصه والداخلة أساساً في صلب هذا الاختصاص،
وحيث إنّه لا مجال للمطالبة بالعطل والضرر الناتج عن التعسّف في استعمال حقّ الدفاع، بالنظر إلى طبيعة الاستدعاء الحالي المقدّم بالصورة الرجائية استنادًا إلى المادة 604 من قانون أصول المحاكمات المدنية. كما أنّ الخبير، وللسبب ذاته، غير ملزم بإبلاغ المستدعى ضدّه بموعد الكشف أو دعوته للحضور،
وحيث إنَّ الاستدعاء الراهن يثير مسألة التوفيق بين استخدام كاميرات المراقبة في الأماكن السكنية كأداة فعّالة لمكافحة الجريمة، وتوثيق الأدلّة، وتعزيز الأمن الشخصي، إلى جانب مراقبة الأشخاص الذين قد يكونون بحاجة إلى انتباه خاص أو رعاية، وبين ضرورة حماية الحقوق الأساسية، ولا سيّما حق الأفراد في صون حياتهم الخاصّة وضمان عدم انتهاك خصوصيتهم،
وحيث إنَّ استخدام كاميرات المراقبة في الأماكن السكنية التي يتوقّع فيها الأفراد مستوى عاليًا من الخصوصية، يجب أن يكون مقترنًا باحترام خصوصية الآخرين، لا سيما السكان المجاورين، أثناء ممارستهم حياتهم الخاصة وأثناء تنقلّهم،
وحيث إنَّ صون كرامة الإنسان يتحقّق عبر احترام حياته الخاصة والمساحات التي يعيش فيها، بما يضمن استقلاليته الذاتية وحماية خصوصياته من التعرّض لأي انتهاك،
وحيث إنّ الدستور اللبناني يكفل في المادتين 8 و 14 الحريّة الشخصيّة وحرمة المنزل،
وحيث تمّ التأكيد على الحقّ في الخصوصيّة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) الذي صادق عليه لبنان في العام 1972 وأصبح نافذاً بموجب القانون المنفّذ بالمرسوم رقم 3588 تاريخ 1972/9/1، في المادة 17 منه التي تنصّ على أنه “لا يجوز تعريض أي شخص، بشكل تعسفي أو غير قانوني، للتدخّل في خصوصياته أو في شؤون أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا لأي هجمات غير قانونية على شرفه أو سمعته. يحق لكل فرد أن يحميه القانون من مثل هذا التدخّل أو هذه الهجمات.”
وحيث كرّس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR) الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول 1948، والتزم به لبنان منذ تعديل الفقرة “ب” من مقدمة الدستور اللبناني بالقانون الدستوري رقم 18 تاريخ 1990/9/21 التي تنصّ على أن لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي المادة 12 منه التي تنصّ على أنه: “لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات”،
وحيث علاوة على ذلك فإنَّ القرارات المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة كالقرار 167/68 والقرار 176/75 لعام 2020، والقرارات المعتمدة من قبل مجلس حقوق الإنسان، آخرها القرار 55/3 لعام 2024، أكّدت جميعها على أهمية الحفاظ على الحق في الخصوصية في العصر الرقمي،
وحيث إنّ أنظمة المراقبة المنزلية يجب أن تتوافق مع قانون حماية البيانات الشخصية، إذ تُعدّ صور الأشخاص وأصواتهم وأماكنهم وأنشطتهم المسجّلة بواسطة الكاميرات بيانات شخصية تتيح تحديد هويتهم، ولأنّ أيّ عملية أو مجموعة من العمليات التي تُجرى على هذه البيانات الشخصية، مثل تسجيل الفيديو وتخزينه، سواء تمّ ذلك محلّياً على أجهزة DVR/NVR أو على أنظمة NAS، أو في السحابة … تعدّ بمثابة معالجة آلية تلقائية لها،
وحيث إنّ قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي اللبناني (القانون رقم 2018/81)، في إطار تكريسه لحماية الخصوصية كحقّ أساسي في البيئة الرقمية، قد وضع الأطر التنظيمية لمعالجة تلك البيانات، فإشترط الحصول على موافقة الأفراد قبل جمع بياناتهم الشخصية أو استخدامها. هذه الموافقة التي تستند إلى مبدأ الاستقلال الذاتي للفرد، وتُعتبر ضمانة لحماية الخصوصية والتحكّم بالبيانات الشخصية، فضلاً عن تعزيزها الشفافية والمساءلة.
كما ألزم هذا القانون اقتصار جمع البيانات على ما هو ضروري لتحقيق الأغراض المشروعة المعلنة بما يعزّز حق الأفراد في التحكّم بمعلوماتهم الخاصة، وكذلك حظّر معالجة البيانات ذات الطابع الشخصي الحسّاسة. بالإضافة إلى ذلك، منح الأفراد حقوقًا متعلّقة بخصوصيتهم، مثل الاطّلاع على بياناتهم، وتصحيحها، وحذفها، والاعتراض على معالجتها. كما أوجب التصريح والترخيص والنشر، إلى جانب وجوب اتخاذ التدابير التقنية والإدارية اللازمة لحماية البيانات من الاختراق مثل التشفير والتحكّم في الجهات التي يمكنها الوصول إليها، مع تحديده فترة احتفاظ تتناسب مع الغرض المحدّد، وتأكيده على أهمية الرقابة والامتثال، وصولاً إلى فرض عقوبات على المخالفات المرتكبة،
وحيث إنَّ القانون المذكور لم يستثنِ من أحكامه إلا المعالجات المتعلّقة بالنشاطات الشخصية التي يقوم بها الشخص حصرياً لحاجاته وذلك في المادة 85 منه المشابهة للمادة 2 فقرة 2 من اللائحة العامة لحماية البيانات GDPR)،
وحيث إنَّ هذا الاستثناء يتعلّق بالنشاطات الشخصيّة الحاصلة في بيئة منزلية أو داخل أسرة ولغاية الاستعمال الشخصي أو العائلي، وهي لا تشكّل بطبيعتها خطراً على الخصوصية،
وحيث ينطبق هذا الاستثناء بالتالي على البيانات المرئية و/أو المسموعة الخاصة، الناتجة عن كاميرات المراقبة، العائدة للمساحات الشخصيّة الخاصة. كبيانات كاميرات المراقبة المثّبتة في المنزل، داخل غرفة المعيشة أو غرفة النوم لمراقبة شخص مسنّ أو في ملعب أو في مسبح خاص لمراقبة طفل لأغراض السلامة أو في مرآب خاص للسيارة، كلها بيانات خاصّة لمساحات شخصيّة، يخرج النشاط المتعلّق بها عن قواعد وإطار قانون حماية البيانات الشخصيّة،
وحيث خارج هذا الاستثناء، فإنَّ استخدام كاميرات المراقبة في الأماكن السكنية التي يتجاوز نطاقها مراقبة الممتلكات الخاصّة لصاحبها لتشمل أماكن أو مساحات عامّة كالشوارع، والأرصفة، والممرات الخارجية، ومساحات حق المرور للعقارات المجاورة، و الملكية المشتركة كالفسحة المشتركة لمرآب الأبنية وممرّاته ومداخله ومخارجه، ومداخل الأبنية والشقق، والأدراج، والمصاعد وسواها، وكذلك ممتلكات الغير الخاصة، التي تتمتّع بمستوى عالٍ من الخصوصية يفوق أيّ مصلحة مشروعة قد تثار في هذا السياق، لا سيما عندما تتّصل هذه الممتلكات بالمنازل المجاورة أو بأي جزء منها؛ كأبوابها، ونوافذها، وشرفاتها، وفرنداتها، ولوجياتها، وحدائقها، وسائر أقسامها المختلفة، فيخضع للقواعد والأطر التنظيمية المتعلّقة بحماية البيانات الشخصيّة التي يفرضها القانون رقم 2018/81، نظراً لما ينطوي عليه من تأثير على خصوصيّة الأفراد في تلك المساحات المحميّة، سواء كانت عامة، أو خاصّة مختلفة عائدة للغير، أو مشتركة، أو واقعة في منطقة وسطيّة بين العام والخاص،
وحيث يتبيّن من وقائع الاستدعاء الراهن ومن تقرير الخبير المكلّف أن الكاميرات الثلاث المشكو منها يتجاوز نطاقها ملكية المستدعى ضده الخاصّة لتشمل مساحة حق المرور العائد للعقار حيث مسكن المستدعية وأيضاً مدخل شقّتها وأجزاء منها، دون موافقتها ودون التقيّد بسائر القواعد القانونية لمعالجة بياناتها الشخصية، ما يشكلّ، استناداً إلى التعليل أعلاه، انتهاكًا مباشرًا وصارخاً لحياتها الخاصّة، وخصوصيّاتها، وكرامتها الإنسانيّة، على النحو الذي يكفله الدستور اللبناني في المادتين 8 و 14 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 17 منه والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 12 منه والقرارات المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن مجلس حقوق الإنسان المشار إليها آنفاً، فضلاً عن مخالفته للقواعد والضّوابط التي يفرضها القانون رقم 2018/81،
وحيث إن قاضي الأمور المستعجلة، في معرض نظره في الاستدعاء الراهن بالصورة الرّجائية، لا يملك ضمان ممارسة المستدعية لحقّها في الوصول والتصحيح أو إلزام المستدعى ضده بتطبيق سائر الأحكام المنصوص عليها في القانون رقم 2018/81 بشأن بياناتها ذات الطابع الشخصي، نظراً إلى أن ذلك يستلزم اختصام المستدعى ضدّه وفقاً للأصول النّزاعية،
لذلك
يُقرّر إلزام المستدعى ضدّه بإزالة الكاميرات المشكو منها خلال مهلة أقصاها ثلاثة أيام من تاريخ التبليغ، تحت طائلة غرامة إكراهية قدرها عشرة ملايين ليرة لبنانية عن كل يوم تأخير. كما يُرخّص للمستدعية، بعد انتهاء المهلة المحدّدة، بإزالة هذه الكاميرات تحت إشراف المحكمة.
قراراً معجّل التنفيذ نافذاً على أصله، يقبل الاعتراض، صدر رجائياً في غرفة المذاكرة في أميون بتاريخ 2024/10/28
“محكمة” – الخميس في 2024/10/31
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك”، و”الواتساب”، و”اكس”، و”الإنستغرام”، و”التلغرام”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.