القاضي الإنساني مصطفى منصور
كتب علي الموسوي:
تعرّفت إلى القاضي مصطفى منصور خارج ردهات العدلية وخارج أسوار مجلس شورى الدولة الذي كان عضواً فيه، إذ إنّ عملي المهني الصحفي يحتمّ عليّ أن أكون لصيقاً أكثر بالقضاء العدلي، لأنّه الأقرب إلى الناس وحياتهم ومشاكلهم وقضاياهم، وتحديداً الشقّ الجزائي منه، والذي قلّما يخلو من التشويق والغليان والمتعة والإستفزاز والحكايات التي لا تنتهي، بعكس القضاء الإداري وما فيه من مشقّة في ملاحقة المراجعات الخلافية بين الأشخاص والدولة والبلديات، وهي مهما طالت أو قصرت لا تكون جذّابة وساحرة كجزئيات عالم القضاء الجزائي.
عرفت مصطفى منصور في أوّل مشاركة لي في مؤتمر عن التحكيم والاستثمار عقد في أواخر شهر نيسان ومطالع شهر أيّار من العام 2000 في العاصمة التونسية بدعوة من أحد فرسان التحكيم في لبنان الدكتور عبد الحميد الأحدب.
وقد لمست لدى القاضي منصور فهماً للقانون وعمقاً في قراءة الملفّات وتروياً قبل البتّ فيها سلباً أو إيجاباً، وتوطّدت الصداقة مع اختياره عضواً في المجلس الدستوري، والطيّبون يختارون الطيّبين، ومن وقع خياره على هذا القاضي النزيه ليس سوى الرئيس الشفّاف والإنساني الدكتور سليم الحصّ وكان على قدر الثقة المعطاة له، وعلى قدر المسؤولية الممنوحة له، وأسرّ إليّ بأمور كثيرة عن طعون نيابية قدّمت أمام المجلس الدستوري وأعطى رأيه فيها من دون تردّد أو خوف، فلم يمالئ ولم يعارض ولم يحسم ليجزم إلاّ حيث يجب أن يفعل ومن أجل الحقّ والحقيقة.
وكنت ألتقي مصطفى منصور في مكتبه القانوني عند تقاطع الكولا – كورنيش المزرعة في بيروت، فيُسهب في تقديم وجهة نظره ويقدّر عالياً ما يطرح عليه من تساؤلات واستفسارات ما دامت الغاية المتوخّاة منها هي الوصول إلى الحقيقة، وكنت أنقل وجهة نظره تحت مسمّى “مصادر” أو “قاض دستوري” وأدعم بها موضوعاتي، وخصوصاً عند اشتعال الحديث عن قرب صدور نتائج المجلس الدستوري في الطعون النيابية المعروضة عليه، لأنّه لا يحقّ له التصريح علناً. كان بالفعل خير معين في ما كتبته للرأي العام من شروحات وتوضيحات تنمّ عن ثقافة قانونية مميّزة.
رحم الله هذا القاضي الشريف والعفيف مصطفى أحمد منصور الذي عمل بصمت من أجل عدالة أرقى، على أمل أن تستمرّ رسالته موجودة من خلال كريمته القاضية مليكة منصور، مع التذكير بأنّه إبن عائلة رفدت القضاء به وبشقيقه محمّد، فضلاً عن أنّ مدير عام وزارة العدل القاضية ميسم النويري هي شقيقة زوجته سليمى عبد القادر النويري، فإلى هؤلاء جميعاً عزاء الصداقة الحقّة.
• توفّي القاضي مصطفى أحمد منصور يوم الثلاثاء الواقع فيه 28 حزيران 2016.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 13 – كانون الثاني 2017).