من ينتخب رئيس الجمهورية اللبنانية: النوّاب أم قوى الخارج؟ إهانة للديمقراطية ولعقولنا/أنطونيو الهاشم
أنطونيو الهاشم(نقيب المحامين سابقًا):
في لبنان، تُكرِّس المادة 49 من الدستور حق انتخاب رئيس الجمهورية لأعضاء مجلس النواب، الذين يُفترض أن يجسدوا إرادة الشعب اللبناني عبر ممثليهم المنتخبين. لكن الواقع السياسي يروي قصة مختلفة، حيث أصبح هذا الحق الدستوري رهينة الحسابات الإقليمية والدولية، لدرجة أن السؤال بات يُطرح بشكل ساخر: من يختار رئيس الجمهورية، النواب أم القوى الخارجية؟
منذ سنوات، تعيش السياسة اللبنانية في حالة غير مسبوقة من الارتهان للخارج. يكاد يكون لكل مبعوث دولي أو إقليمي تأثيره الواضح على استحقاق الرئاسة، حيث تتحول بيروت إلى ساحة مفتوحة للمفاوضات والرسائل المشفرة بين القوى الخارجية. وغالبًا ما يظهر النواب اللبنانيون وكأنهم مجرد منفذين للإرادة الخارجية، لا صنّاع قرار مستقلين.
النائب اللبناني، الذي يُفترض أن يمثل إرادة الشعب، أصبح في كثير من الأحيان أسيرًا للولاءات الحزبية والطائفية، التي بدورها ترتبط بخيوط خارجية. بدلاً من أن يكون المجلس النيابي ساحة للبحث عن الأفضل للبنان، تتحول جلسات الانتخاب إلى مناسبات للمزايدات الفارغة أو التعطيل الممنهج بانتظار كلمة السر الخارجية.
لا يخفى على أحد الدور الكبير الذي تلعبه القوى الكبرى والإقليمية في الملف اللبناني. يبدو أن هذه القوى تتقاسم النفوذ أكثر مما تسعى لحل الأزمة. وللأسف، لا زال لبنان يعيش في ظلال عهد القناصل، وكأننا لم نتجاوز عقلية القرن التاسع عشر.
أن يصبح انتخاب رئيس الجمهورية اللبناني مسرحًا لإملاءات الخارج هو إهانة مزدوجة للشعب اللبناني ولدستوره. فالنواب، الذين يتقاضون رواتبهم من أموال الشعب، أصبحوا عاجزين عن اتخاذ قرار سيادي، بينما تتحول القوى الخارجية إلى شركاء مباشرين في صناعة القرار اللبناني.
ماذا بعد؟
اللبنانيون بحاجة إلى استعادة ثقتهم بأنفسهم أولاً، وبممثليهم ثانيًا، واسترجاع سيادتهم ثالثًا. لا يمكن للبنان أن يبني دولة قوية إذا ظلّ رهينة للخارج. المطلوب اليوم موقف جريء من النواب: إما أن يمارسوا دورهم الوطني بحزم، أو يتركوا المجال لمن هم قادرون على تحمل المسؤولية بعيدًا عن التأثيرات الخارجية.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستشهد جلسة الانتخاب القادمة رئيسًا يُنتخب بإرادة لبنانية خالصة، أم ستبقى بيروت رهينة لجلسات المفاوضات بين القوى الخارجية؟ الجواب قد يأتي سريعًا، لكن الثمن سيكون باهظًا كما هي الحال دائمًا في لبنان.
عسى أن نبلغ سن الرشد ونبدأ ببناء الدولة.
“محكمة” – الاثنين في 2025/1/6