سنتان … ويبقى مكانكَ فارغاً وفراغكَ أجمل الحاضرين/وليد أبو دية
المحامي وليد أبو دية:
في مثل هذا اليوم(11-1-2023) غادرنا رجل دولة قلّ نظيره. غادرنا دولة الرئيس السيّد حسين الحسيني. السيّد في وطنيته. السيّد في عمق نظرته الشمولية في السياسة. الثابت في مبادئهِ، في اعتدالهِ، في نهجهِ، في رجحان فكرِهِ وفي رأيهِ، فقامت بينه وبين الحجّة إلفة، وكان المدى فَسِحاً بينه وبين البرهان، وهذا ما كان يميّزهُ عن باقي رجال السياسة…إلّا أنّه باقٍ في قلوب وضمائر من أحبّهُ، مُقدّراً نهجه الوطني النابع من إحترامه للدستور إلى حدّ القدسيّة.
عندما يتحوّل العمل السياسي لدى رجل السياسة إلى معادلةٍ أخلاقية، تسقط كل المغريات وتبقى الكرامة المرتبطة بنبل الذات ونبل القضية التي طالما التزم بها، خلاصتها محبّة الناس وحماية القيم، ومصلحة الوطن.
ثمة كلمة أطلقها دولة الرئيس، الغائب الحاضر، وردّدها في بيان عُزوفهِ الشهير بتاريخ ٢٢-٤-٢٠٠٩، قال فيها:
“عليّ أن أرجو كل واحدٍ منكم أن يدعوني إلى واجب تقديم الإعتذار، أو بذل التعويض، في مقابل كل أذيٍة أو ضرر كان… أمّا الحسنة التي كانت فهي من رسالةٍ ورِثتُها لا أبتغي في مقابلها جزاءً ولا شُكورًا، والأمانة في استمرارها جيلاً بعد جيل…”، خاتماً كلمته الوجدانية هذه بالآية الكريمة التي بلغت ذروة الإعجاز والبلاغة من حيث الوضوح وتوصيل المعنى المُراد:
فأمّا الزبد فيبقى جفاءً وأمُا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض(الرعد:١٧)
لا يسعني ها هنا، وفي مثل هذه الأُويقات، إلا ان أُردّد مع أمير الشعراء أحمد شوقي، إذ صَدَقَ بقولهِ:
الناسُ صنفان: موتى في حياتهم، وآخرونَ ببطن الأرضِ أحياءُ.
وليسمح لي الشاعر العربي هنا لأقول:
هكذا أنتَ غائباً…فإذا ما
قيلَ ميتاً، فلتخجلِ الأحياءُ
لا تُرَع يا سيد ونم هادئ البال قرير العيون… فالأنباءُ سوف تأتيكَ ذاتَ يومٍ بأن الأرضَ دارت وضجَّ فيها الضياءُ.
عزاؤنا الأكبر أنّ في الموت حياة.
“محكمة” – السبت في 2025/1/11