في الإشكالية المستمدة من حكم الفقرة ٢ من المادة ٥٣ من الدستور /فرانسوا ضاهر
القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر:
لقد نصت الفقرة ٢ من المادة ٥٣ من الدستور على التالي :
“يسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب إستناداً الى إستشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميّاً على نتائجها” بحيث إنّ القاعدة الاساسية تقوم على أن نتائج الاستشارات النيابية هي ملزمة لرئيس الجمهورية حتّى ولو سبق له وتشاور مع رئيس المجلس النيابي. بمعنى أن رئيس الجمهورية هو ملزم بتسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة ذلك الذي مِن بين المرشحين لهذا المنصب، قد نال العدد الأكبر من أصوات النواب.
غير أن السؤال الأبرز الذي يطرح حين تطبيق هذه الفقرة من المادة الدستورية، هو، في ما لو، بمعرض الاستشارات النيابية قد تساوى عدد الاصوات ما بين المرشحين الأولين لتولّي رئاسة الحكومة وتشكيلها، فكيف يمكن المفاضلة في ما بينهم وترجيح أحدهم على الآخر لتسميته؟
في الواقع، إن المادة الدستورية لم تجب على هذه المسألة، بحيث يقتضي استنباط حلّ دستوري يجيب عليها، لغرض تسهيل تكوين السلطة الإجرائية في البلاد.
من هنا، يمكن مقاربة حلّ هذه المسألة من أوجه أو حالات مختلفة سنستعرضها تباعاً :
أ – الحالة الأولى : في حال قرّر عدد من النواب الإحجام عن تسمية شخصية لتولّي رئاسة الحكومة وفوّضوا رئيس الجمهورية بهذه التسمية.
عندها، يمكن لرئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس المجلس النيابي أن يتوافقا على ترجيح إسم على آخر، تبعاً لما يتلاءم أكثر مع مصلحة البلاد العليا (la raison d’état).
اما وإن لم يتوافقا على هذا الترجيح، فإنه يعود لرئيس الجمهورية أن يفاضل هو بين أسماء المرشحين الأولين دوماً الذين نالوا ذات العدد من الأصوات النيابية، تبعاً للتفويض المعطى له من بعض النواب. وأن يصدر مرسوماً بتسمية رئيس الحكومة المكلّف بتشكيل الحكومة، استناداً الى السلطة الذاتيّة المحفوظة له بإصداره منفرداً(53/3 دستور).
ب – الحالة الثانية: أمّا في ما إذا امتنع عدد من النواب عن تسمية رئيس حكومة يكلّف، ولم يفوّضوا رئيس الجمهورية بتسمية من يراه مناسباً من بين المرشحين الأولين الذين نالوا عدداً متساوياً من الأصوات النيابية. عندها، على رئيس الجمهورية أن يتشاور مع رئيس المجلس النيابي وأن يتوافق معه على المفاضلة بين هؤلاء المرشحين، وأن يرجحا معاً أحدهم على الآخر أو الآخرين.
وإذا لم يحصل هذا التوافق، يعود لرئيس الجمهورية أن يتمّ بنفسه هذه المفاضلة، على اعتبار أن رئيس المجلس النيابي لا يتمتع بأكثر من رأي إستشاري في هذه المسألة، ولأن صلاحية إصدار مرسوم التكليف هي مناطة بشخصه منفرداً.
ج – الحالة الثالثة: أمّا في حال أحجم رئيس الجمهورية عن المفاضلة بين المرشحين الأولين الذين تمّت تسميتهم وقد تعادلوا في الأصوات التي نالوها من النواب، فإنه يعود له أن يُعيد إتمام الاستشارات النيابية، مرة ثانية. طالما أن النص الدستوري لا يحظر عليه ذلك. وقد آثر أن يترك للنواب أنفسهم أن يفاضلوا بين الشخصيات التي رشّحوها لتولّي رئاسة الحكومة وتأليفها.
د – اما تفويض النواب لرئيس الجمهورية بتسمية من يراه مناسباً من بين المرشحين لتولّي مهمة رئاسة الحكومة وتأليفها، فهو بحدّ ذاته عملٌ دستوريٌ بامتياز. غير أنه لا يمكنه تفعيله وإعماله إلاّ في حال تعادل الأصوات بين المرشحين الأولين.
وهو يستمدّ شرعيته الدستورية من سلطة رئيس الجمهورية في ترجيح ومفاضلة اسم مرشح على آخر عند تعادل الأصوات بين أولئك المرشحين الأولين حصراً. ولأن دور رئيس المجلس النيابي في هذه التسمية، على اختلاف الوضعيات والحالات التي عرضنا لها أعلاه، هو إستشاري غير ملزم. شأنه الإبداء بما يتناسب مع مصلحة البلاد العليا، ويسهّل تشكيل الحكومة، ويعزّز إمكانية منحها ثقة المجلس النيابي(64/2 دستور).
“محكمة” – الأحد في 2025/1/12