الأخبار

محاضرة قيّمة للدكتور علي زبيب عن دور المحامين في إخراج لبنان من “اللائحة الرمادية” لمجموعة العمل المالي (FATF)

في ظل التحديات الاقتصادية والمالية والنقدية والإجتماعية والسياسية التي تواجه لبنان، قدم المحامي المُتخصص في الشؤون الإقتصادية الدكتور علي زبيب، رئيس لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين، ومستشار لجنة الإمتثال لمكافحة وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب في نقابة المحامين في بيروت، والأستاذ الجامعي، محاضرة متخصصة بعنوان “دور النقابة وموجبات المحامين في إخراج لبنان من لائحة الدول الخاضعة للمراقبة المتزايدة (اللائحة الرمادية) لمجموعة العمل المالي”(FATF)، حيث ناقش أسباب وتداعيات إدراج لبنان على اللائحة الرمادية وسبل معالجة هذه الأزمة بما يتوافق مع المعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وقد أدار المحاضرة المحامي رئيس محاضرات التدرّج عضو مجلس النقابة المحامي إيلي قليموس.
رحّب الدكتور زبيب في بداية اللقاء بالمحامين المتدرجين المنضمين حديثاً إلى نقابة المحامين في بيروت، وتوجّه لهم بالنصيحة القائمة على الإهتمام بالتخصُّص القانوني وخاصةً في الحقول القانونية الجديدة، كما متابعة جميع المحاضرات والدورات لما فيها من فائدة.
بعدها شرح الدكتور زبيب المبادئ العامة والأساسية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وقوانينها، مستعرضاً التجربة اللبنانية، ثم عرض لمحة تعريفية عامة عن مجموعة العمل المالي ولائحتيها الرمادية والسوداء، وطريقة عمل المجموعة لناحية تقييم الأداء والرقابة، مستتبعاً ذلك بتفنيد الأسباب الرئيسية والتي أدت إلى إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لفاتف، وعنوانها غياب الإصلاحات، ومن ضمنها:
– القصور التشريعي، وخاصةً لناحية عدم كفاية تحديث القوانين بما يتماشى مع التوصيات الـ40 للمجموعة.
– الضعف القضائي، وذلك عبر وجود معوقات هائلة تحد من ملاحقة ومحاكمة المرتكبين لجرائم مالية وضريبية وتبييض أموال.
– التراخي في الرقابة المالية، وذلك من خلال غياب آليات فعالة لضبط العمليات المشبوهة وتهريب الأموال عبر الحدود.
– الأزمة المالية والنقدية والمصرفية والإقتصادية، والتي أدّت إلى تفاقم الإقتصاد النقدي بالتوازي مع توقف المصارف عن الدفع، ما أدى إلى إنتشار تجارة الشيكات وغياب الرقابة على التدفقات النقدية، بما خلق منظومة غير مسبوقة لتبييض الأموال وملاذ لتوظيفها.
وفي ذات السياق، أشار إلى أن هذه العوامل والتي تسببت في إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، أدت إلى تداعيات خطيرة، أبرزها:
1. انخفاض التصنيف الائتماني للبنان وتأثر علاقاته مع المؤسسات المالية الدولية والمؤسسات المانحة وبعض المصارف المُراسلة.
2. تشديد التدقيق على التحويلات المالية الصادرة من لبنان والقادمة إليه، ما يزيد من عزلة القطاع المصرفي اللبناني.
3. تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بسبب المخاطر التنظيمية، كما تراجع الإستثمار الداخلي بسبب فقدان التمويل والثقة.
4. صعوبة الوصول إلى التمويلات الدولية، مما يزيد الضغوط على الاقتصاد اللبناني، ويُعمّق من هوّة الأزمة وتداعياتها.
ثم أكد الدكتور زبيب على الدور المحوري لنقابة المحامين في ضمان الامتثال للمعايير الدولية، مشيرًا إلى أن النقابة تبنّت مجموعة من التدابير لضمان إلتزام المحامين بتطبيق متطلبات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT)، ومن بينها:
أ‌. مراجعة دقيقة لقوائم العقوبات الدولية للتأكد من عدم تورط أي محامٍ في أنشطة غير قانونية.
ب‌. إجراءات التحقق والتدقيق عند تسجيل الشركات أو التعامل مع عملاء قد يكونون عرضة لمخاطر تبييض الأموال.
ج. التعاون مع السلطات المختصة، بما في ذلك هيئة التحقيق الخاصة والهيئات المالية، لضمان الامتثال للقوانين الوطنية والدولية.
د. تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لتعزيز وعي المحامين حول الالتزامات القانونية المتعلقة بمكافحة الجرائم المالية.
ه. فرض إجراءات قانونية وتأديبية بحق المحامين المخالفين لمعايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والشفافية والإفصاح.
بعدها سلّط الدكتور زبيب الضوء على مسؤوليات المحامين، وخاصةً العاملين في حقل الشركات، في مكافحة تبييض الأموال، والتي تشمل:
أ‌. الالتزام بالعناية الواجبة عند التعامل مع العملاء / الموكلين، والتأكد من مصادر أموالهم ومشروعيتها.
ب‌. الإبلاغ عن العمليات المشبوهة وفقًا للقوانين المحلية (القانون 2015/44) والدولية، دون الإخلال بمبدأ سرية المهنة.
ج. ضمان الشفافية في المعاملات القانونية، لا سيما عند تأسيس الشركات أو إدارة الأصول المالية، وخاصةً صاحب الحق الإقتصادي.
كما شدد الدكتور زبيب على أن الخروج من اللائحة الرمادية يتطلب إصلاحات قانونية ومؤسسية جذرية من جميع الفئات المعنية وخاصة الحكومية والرقابية والقضائية والمهنية, أما لناحية قطاع المحامين، فقد إقترح عدداً من التدابير التي تحمي هذا القطاع وتساعد لبنان في ضمان الإمتثال وتدعم إزالته عن لائحة الدول الخاضعة للمراقبة المتزايدة Jurisdiction Under Increased Monitoring أو ما يعرف باللائحة الرمادية، وتفادي إدراجه لاحقاً على لائحة الدول عالية الخطورة High-Risk Jurisdictions Subject to a Call for Action أو ما يُعرف باللائحة السوداء، والتي قد يكون لبنان عُرضة لها في حال لم يبادر إلى إجراء الإصلاحات اللازمة:
1. تعزيز التعاون بين النقابة والهيئات الرقابية لضمان الامتثال للمعايير الدولية.
2. تنظيم برامج تدريبية للمحامين حول آليات الامتثال المالي ومكافحة الفساد وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
3. المشاركة الفعالة في إصلاح التشريعات المالية، بما يشمل تعديل قوانين الإمتثال لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
4. المشاركة الفعالة في إقتراح قوانين لإعادة هيكلة القطاع المصرفي لضمان إلتزامه بإجراءات التدقيق والشفافية المالية.
5. تحسين آليات الرقابة داخل النقابة لضمان إمتثال المحامين للمعايير المهنية بما يتماشى مع الأنظمة الداخلية والقوانين المرعية.
في ختام المحاضرة أكّد د. زبيب أن خروج لبنان من اللائحة الرمادية يتطلب إرادة سياسية وإصلاحات جذرية تشمل استقلال القضاء، تعزيز الشفافية المالية، وإعادة هيكلة القطاع العام، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإعادة تنظيم القطاع الرقابي، مُشدداً على أهمية إستعادة الثقة بلبنان عبر إستعادة الإنتظام المالي العام وذلك أولاً عبر إستعادة أموال المودعين كون هذا الأمر سيؤدي إلى إعادة الدورة الإقتصادية والتوازن المجتمعي وثقة المجتمع الدولي، حيث أن الطريق الأمثل يكون عبر تطبيق القوانين الموجودة أصلاً، وأبرزها القانون 67/2 والذي بادرت نقابة المحامين في بيروت إلى الادعاء بموجبه على عدد من المصارف، كون غالبيتها متوقفة عن الدفع.
وختم د. زبيب كلامه بالتنويه بالدور البارز الذي لعبته نقابة المحامين في بيروت لناحية التجاوب والتعاون مع رئاسة مجلس الوزراء وهيئة التحقيق الخاصة ومجموعة العمل المالي في موضوع مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والإمتثال، ودعى جميع المحامين وكل الغيورين على مصلحة الوطن بالتعاون ودعم نقابة المحامين في بيروت في طرح قانون إعادة هيكلة المصارف الذي قامت بصياغته وتقديمه عبر عدد من النواب منذ أكثر من عام، بما يؤكد مرّة جديدة بأن نقابة المحامين في بيروت كانت ولا تزال وستظل شريكةً أساسيةً في أي عملية إصلاحية، من خلال تعزيز الامتثال القانوني والمساهمة في استعادة ثقة المجتمع الدولي بالنظام المالي اللبناني، وساعية لإحقاق الحق.
تجدر الملاحظة إلى أن هذه المحاضرة شهدت حضوراً غير مسبوق حيث تخطى عدد المحامين الحاضرين الـ 600 محام من المتدرجين والمنتسبين إلى الجدول العام، بما يؤكد إهتمام المحامين وخاصةً الجيل الجديد بالمواضيع الطارئة ومن ضمنها التخصص في قوانين مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
“محكمة” – الجمعة في 2025/2/21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!