“محكمة” تكشف فضيحة في “جنايات البقاع”: ملفّ تزوير ينتظر ستّ سنوات “لتأسيسه”!
كتب علي الموسوي:
أفضت تحقيقات أجرتها “محكمة” إلى أنّ ملفّاً يتعلّق بتزوير قيود رسمية وأحكام قضائية تمهيداً لمنح الجنسية لأثرياء فلسطينيين، وضع على رفّ النسيان في محكمة الجنايات في البقاع طوال مدّة ستّ سنوات متواصلة وتحديداً منذ وصوله إلى قلم هذه المحكمة في العام 2010 حيث إنّ أحداً لم يكلّف نفسه عناء “تأسيسه” لكي يسلك مساره القانوني المعتاد، وذلك أسوة بما يحصل مع ملفّات أخرى.
وفي التفاصيل، أنّه في إطار متابعة“محكمة” لما نشرته في “مانشيت” العدد الماضي الصادر في شهر تموز 2016 عن “قصّة تجنيس فلسطينيين من الأحكام المصوّرة إلى الجوازات المزوّرة” وتورّط حسن أحمد الجمل في تزوير أحكام قضائية وتسجيل قيودهم في نفوس بعلبك والهرمل، زارت قلم محكمة الجنايات في قصر عدل زحلة واستفسرت عن واحد من الملفّات المتعلّقة بتزوير القيود والأحكام، فلم تعثر للوهلة الأولى، على أيّ أثر له، ثمّ تابعت عملها بتؤدة، فتوصّلت إلى الملفّ المُقفل عليه بإحكام ونبشته من “الخزانة الخرافية” العائدة لهذه المحكمة في الأسبوع الأخير من شهر أيلول 2016، وذلك في سبيل الوصول إلى حقائق مهمّة فيه ترتبط بمظلومية إنسان إفترى عليه المتهم الرئيسي حسن الجمل الموقوف منذ سنة تقريباً والملاحق في دعاوى عديدة أمام محكمة الجنايات في بيروت، والمحكمة العسكرية، وقاضي التحقيق في بيروت فريد عجيب.
وما يسترعي الإنتباه في الملفّ، أنّ أكثر من ستّة قضاة “مرّوا” عليه وتركوا بصماتهم الواضحة في أوراقه وسطوره، بدءاً من النيابة العامة الاستئنافية، ومروراً بقضاة التحقيق والهيئة الاتهامية، إلى أن استقرّ المطاف به في رحلته المكوكية في التحقيق تسع سنوات بين العامين 2001 و2010، في محكمة الجنايات، من دون أن يجري “تأسيسه” وتدوينه في سجّل تأسيس الملفّات حسب الأصول، وبعض هؤلاء القضاة إمّا أحيلوا على التقاعد، وإمّا صرفوا من الخدمة أو استقالوا من الجسم القضائي، وإمّا رحلوا عن هذه الدنيا.
ولدى التحقيق في طيّات هذا الملفّ، يبرز الجهد الكبير المبذول من هؤلاء القضاة، ومع ذلك أودع سجّل النسيان من دون سبب واضح، فمن هو المسؤول عن هذا الإهمال؟ وهل يعقل أن ينتظر ملفّ ستّ سنوات لكي يجري “تأسيسه”، فبعدما فتح على مصراعيه في العام 2001، وصل إلى قلم محكمة الجنايات في العام 2010، وهي مدّة طويلة كثيراً، ونام “نومة أهل الكهف” من دون حسيب أو رقيب أو مساءلة؟.
وأين هي هيئة التفتيش القضائي من هذا التقاعس الوظيفي؟ وأين هي رقابتها اللصيقة؟ وكيف يسمح بإبقاء ملفّ بهذه الأهمّية غارقاً في سبات عميق؟ وهل هناك من دفع إكراميات لتنويم هذا الملفّ طوال هذه السنوات؟ ومن قبض المال؟ ولماذا؟ ومن يتحمّل مسؤولية هذا الفساد الإداري؟ وأين هم القضاة الذين تعاقبوا على محكمة الجنايات في البقاع، ألم يطلبوا من الموظّفين ثَبْتاً وجدولاً بالملفّات الموجودة لديهم للتحقّق منها بغية وضعها على جدول الجلسات حتّى ولو كان المتهمّون فيها فارين من وجه العدالة منعاً لسقوطها بمرور الزمن، وبالتالي عدم المساعدة بطريقة غير مباشرة، في الإفلات من العقاب؟ ألم توضع دعاوى أخرى متهم فيها أشخاص متوارون عن الأنظار، على جدول الجلسات وصدرت فيها أحكام، فلماذا استثناء هذا الملفّ وتحييدُه عن الواجهة وبهذه الطريقة المحاطة بعلامات استفهام كثيرة؟ أهكذا تُبنى العدالة الحقّة؟.
وهل أحدٌ ما أراد لهذا الملفّ الذي تبلغ عدد صفحاته الألفين، أن يندثر ويدفن حيّاً من دون إثارة شكوك حوله وكأنّه غير موجود أو بالأحرى لم يقم ادعاء أو تحقيق فيه منذ الأساس، فتزول الاتهامات الظاهرة فيه وينجو المتورّطون من العقاب؟ أهكذا تبنى دولة القانون والمؤسّسات؟.
هكذا تموت الملفّات يا أهل العدل، وهكذا يراد لها أن تنتسى وما هذا بالعمل العادل، ومتى أضرّت هذه التصرّفات والأفعال بمسار العدالة، فإنّه يقتضي تجنّبها والسعي إلى وأدها لمنع تكرارها في ملفّات أخرى وربّما في محاكم وقصور عدل أخرى.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 10 – تشرين الأوّل 2016).