الأخلاق والقانون/سامي منصور
بقلم القاضي سامي منصور(رئيس محكمة التمييز شرفاً):
• شخص يستنجد بك طالباً مبلغاً من المال لحاجة ضرورية، هي أنّه يريد دفع قسط المدرسة لإبنه، والمبلغ غير متوافر لديه، ويلتزم بأن يعيده فور توافره، ولأنّك تعتبره صديقاً تقرضه المبلغ ولا تطلب منه إيصالاً إحتراماً للصداقة. ثمّ يتبيّن أنّه مخادع ونصّاب دون معرفة منك، فلا يعيد المبلغ، وإذا أردت أن تقيم الدعوى المدنية للمطالبة بحقّك ستردّ لأنّ النصّ القانوني يفرض الإثبات الخطّي لكلّ مبلغ يتجاوز الـ٥٠٠ ألف ليرة لبنانية، وأنت لا تملك هذا المستند. ويبقى أمامك الدعوى الجزائية بالنصب والإحتيال إلاّ أنّك تتردّد في إقامتها تجنّباً لتشويه سمعته، وهذا ليس من أخلاقك، فلا يبقى أمامك إلاّ السبّ والتشهير، إلاّ أنّه لا حياة لمن تنادي!
• تذهب إلى شركة سفريات وتشتري تذكرة سفر من شخص يجلس على كرسي المسؤول عن المبيعات، فتدفع له قيمة التذكرة على أن تستلمها في فترة ما بعد الظهر. وعندما تعود لاستلامها تجد شخصاً آخر، ويتبيّن لك أنّ من اشتريتها منه وقبض ثمنها شخص تواجد في مكان المسؤول عن المبيعات، وليس له أدنى علاقة بالشركة، فيعتبر شراؤك صحيحاً ولو من غير ذي صفة، ويلزم الشركة بالإستناد إلى نظرية الظاهر التي بناها القضاء على مبدأ حسن النيّة والاعتقاد المشروع المستمدّ من الظاهر الواقع دونما خطأ من قبلك. قس على ذلك: التعاقد مع المالك والوكيل الظاهر وربّ العمل الظاهر..
• وأنت عائد بسيّارتك ليلاً إلى منزلك تقلّ معك صديقاً. ويصادف أن يحصل حادث تصادم أو ارتطام سيّارتك، لا سمح الله، بحاجز، ممّا تسبّب بجروح لهذا الشخص استدعت نقله إلى المستشفى. فأنت مسؤول حكْماً عن التعويض عليه جبراً وبقوّة القانون للأضرار التي أصيب بها هذا الشخص دون خطأ من قبلك أو أيّ دور لك في ما حصل!
• شقيقك أو شقيقتك أو صديق لك أقرضته مبلغاً من المال لمعالجة ولده، وتركته دون مطالبة من باب الأخلاق واللياقة مدّة عشر سنوات، واعند مطالبتك له تفاجأ بإدلائه بسقوط ديْنك وبحكم القانون بمرور الزمن العشري!
أمثلة وغيرها تثبت هذا التناقض بين الأخلاق والقانون. فأعمال المروءة والخير الذي قدّمته تطبيقاً لقواعد الأخلاق، يجابهك القانون بضياع حقّك وكأنّ القانون يدعوك للتنكّر لأعمال المروءة والخير، وبأنّك كلّما أردت أن تقوم بخدمة أو عمل أو أن ترتبط بعلاقات قانونية، عليك أن تحمل ورقة وقلماً وتطلب من المستفيد كتابة مستند والتوقيع عليه، هذا إنْ لم تذهب به إلى الكاتب العدل!
إنّه التناقض المريع بين الأخلاق والقانون والغلبة هي دائماً للقانون.
فلنترحّم على الأيّام التي كانت فيها الكلمة هي الأساس، وأنّ الالتزام بها هو على قطع الرأس، وبأنّ يجرّ الإنسان بكلمته كما يجرّ الثور بقرونه!
إنّه من المعيب أن تكون العودة للماضي مثالاً يحتذى لعصر يتفاخر بالآلة وتطوّر التقنية إلى حدّ الإعجاز، على حساب القواعد والمبادئ الأساسية في الأخلاق والسيرة الحسنة!
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 26- شباط 2018 – السنة الثالثة)