خاص “محكمة”: حول جلسة انتخاب أعضاء مكتب مجلس النوّاب /عصام اسماعيل
الدكتور عصام نعمة إسماعيل:
عقد مجلس النوّاب الجديد جلسة بتاريخ 23 أيّار 2018 انتخب خلالها أعضاء مكتب مجلس النوّاب، في إجراء يخالف الدستور، حيث وبالرغم من تلاوة المجلس للمادة 44 من الدستور، إلاّ أنّ هذه التلاوة كانت من باب العادة المعتمدة دون الوقوف عند مفرداتها التي حدّدت تاريخ الانتخاب.
كان النصّ القديم للمادة 44 من الدستور ينصّ على أنّه في كلّ مرّة يجدّد المجلس انتخابه وعند افتتاح عقد تشرين الأوّل … يعمد إلى تعيين الرئيس ونائب الرئيس والأمينين”.
وفي معرض التعديلات الدستورية التي أقرّت بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 1990/9/21، جرى التمييز بين تاريخ انتخاب رئيس مجلس النوّاب ونائب الرئيس، وبين انتخاب أميني السرّ، حيث جاء النصّ الجديد كالآتي: في كلّ مرّة يجدّد المجلس انتخابه ، … يعمد إلى انتخاب الرئيس ونائب الرئيس لمدّة ولاية المجلس ….، وفي كلّ مرّة يجدّد المجلس انتخابه، وعند افتتاح عقد تشرين الأوّل من كلّ عام، يعمد المجلس إلى انتخاب أمينين …”.
وبالعودة إلى محاضر مجلس النوّاب، لم يعترض النوّاب على التمييز بين تاريخ انتخاب رئيس المجلس ونائب الرئيس، وتاريخ انتخاب أميني السرّ، كما لم يعترض النوّاب على إغفال النصّ الدستوري ذكْر المفوّضين الثلاثة أعضاء مكتب المجلس بالرغم من توسعة مكتب المجلس وإضافة ثلاثة مفوّضين في النظام الداخلي لمجلس النوّاب الصادر عام 1953 . ولو شاء المشترع الدستوري أن ينتخب أميني السرّ في جلسة انتخاب رئيس المجلس لذكر ذلك صراحة. ولوفّر على نفسه عناء تكرار ذات الجملة مرّتين في مادة وحيدة.
إذ بحسب صريح النصّ، فإنّ جلسة المجلس تاريخ 5/23 هي مخصّصة لانتخاب رئيس مجلس النوّاب ونائبه حصراً، ومع ذلك جرى انتخاب أميني السرّ والمفوّضين الثلاثة، فهل ما حصل هو تجاوز للنصّ، وهل هذا التجاوز مقبول؟
قبل التعديلات الدستورية، كان المجلس يعمد لانتخاب أعضاء مكتب المجلس عند بدء ولايته، وهو يكون مكرهاً على ذلك لأنّ النصّ الدستوري القديم كان يوجب انتخاب رئيس المجلس في دورة تشرين، فإذا لم ينتخب رئيس المجلس فإنّه يستحيل على المجلس الانعقاد بغير رئيسه. لأنّ الدستور ناط برئيس المجلس حفظ النظام داخله بواسطة رئيسه (المادة 46 من الدستور).
وهنا يجرى التمييز بين جلسة الانتخاب خلال فترة الانعقاد العادية للمجلس، حيث كان ينتخب أعضاء المكتب مباشرةً دون الالتفات إلى كون هذه الدورة هي دورة الانعقاد الأولى العادية وليس الثانية(كما حصل في جلسة 8 أيّار 1964 حيث انتخب رئيس وأعضاء المكتب، دون الالتزام بحرفية النصّ الدستوري)، أو كأن يصار إلى طلب فتح دورة استثنائية يكون على جدول أعمالها انتخاب أميني السرّ والمفوّضين الثلاثة، وهذا ما سبق أن اعتمده المجلس في جلسة 1951/6/5 حيث افتتحت دورة استثائية بموجب المرسوم رقم 4995 تاريخ 22 أيّار سنة 1951 لانتخاب رئيس وعمدة المجلس.
أمّا بعد التعديلات الدستورية لعام 1990، فنجد أنّ المجلس النيابي غير مضطرّ لانتخاب مكتب المجلس، لأنّ انتخاب رئيس المجلس ونائبه كافٍ لاطلاق عمل المجلس، ومع ذلك فإنّ المجلس لم يكن مستقرّاً على تطبيق موحّد للمادة 44، إذ إنّ المجلس المنتخب اعتباراً من تاريخ 1996/8/18 عقد أوّل جلسة له لانتخاب رئيسه ونائب الرئيس وأعضاء مكتب المجلس بتاريخ 1996/10/22، وأنّ المجلس المنتخب اعتباراً من تاريخ 2000/8/27 قد عقد جلسته بتاريخ 2000/10/17، أمّا المجالس المنتخبة بعد العام 2005 فتعقد جلسة انتخاب كامل أعضاء مكتب المجلس في الأيّام الخمسة عشر التي تلي بدء ولاية المجلس.
وإذا كان التطبيق في الحالات القليلة المذكورة يتضمّن تجاوزاً للنصّ الدستوري، فإنّنا لا نؤيّد هذا التطبيق، ونرى بأنّ الدستور بعد العام 1990 لم يربط بين عقد الجلسات وتكوين مكتب المجلس، ذلك أنّ المشترع الدستوري يعلم يقيناً أنّ اكتمال مكتب المجلس إنّما يحصل عند افتتاح عقد تشرين، ومع ذلك أوجب في مادته 69 على مجلس النوّاب المنتخب أن يكون منعقداً حكماً لأنّ الحكومة أصبحت مستقيلة. وهذا الانعقاد الحكمي للمجلس يتضمّن حتماً عقد جلسات ومن بينها جلسة منح الحكومة الجديدة الثقة. وفي هذه الجلسات فإنّ رئيس المجلس هو من يحدّد جدول أعمال هذه الجلسات منفرداً بوصفه المنوط به وفق المادة 46، صلاحية حفظ النظام داخل المجلس.
وحيث إنّ مجلس النوّاب يرتّب على انتخاب أعضاء مكتب المجلس مفاعيل دستورية، بالرغم من غياب أيّ صلاحية لمكتب المجلس في الدستور اللبناني، سوى صلاحية تصريف الأعمال حتّى انتخاب مجلس نيابي جديد (المادة 55 من الدستور)، إلاّ أنّ ما يحصل أنّ مجلس النوّاب لا يلتزم بحرفية النصّ الدستوري ويعمد إلى تكوين مكتب المجلس قبل الشروع في عقد جلساته، وهذا الأمر لا يأتلف مع الدستور اللبناني الذي لم يقيّد انعقاد جلسات مجلس النوّاب ولا رتّب البطلان على عقد جلسة قبل اكتمال تكوين مكتبه.
أمّا الالتزام بالمواعيد المقرّرة في الدستور، فهو ليس خياراً يمارسه مجلس النوّاب، بل هو موجب دستوري يترتّب على عدم احترامه مفاعيلة مبطلة، وهذا ما كرّسه المجلس الدستوري في قراره رقم 5 تاريخ 2017/9/22 الذي رتّب البطلان على مخالفة أصول التصويت، بالرغم أنّ النصّ الدستوري لم يرتّب هذا البطلان، ومن يقرأ مواد الدستور يرى بأنّ المادة 31 رتّبت البطلان على كلّ اجتماع يعقده المجلس في غير المواعيد القانونية، وكذلك فإنّ المادة 34 رتّبت عدم قانونية أيّ اجتماع لمجلس النوّاب ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلّفونه.
أمّا علنية الجلسات المقرّرة في المادة35 وآلية التصويت المقرّرة في المادة 36، فلم يرتّب الدستور جزاء على مخالفتهما، ولهذا يكون لهذا الواجب الدستوري الطابع الملزم ولكن دون أن تصل درجة الإلزام إلى إبطال العمل الذي لا يراعي هذه الأصول. لكن يبدو أنّ للمجلس الدستوري غاية وجيهة من تقرير البطلان على مخالفة الإجراءات المقرّرة في الدستور، فهو يلفت انتباه مجلس النوّاب إلى أنّ كلّ الأصول المقرّرة في الدستور هي أصول ملزمة وواجبة الاحترام والتطبيق، وأنّ كلّ عمل تأتيه السلطة المشترعة مجتمعة أو نوّاباً بالانفراد ويخالف مفردة من مفردات الدستور هو عمل غير دستوري ومستوجب الإبطال.
“محكمة” – السبت في 2018/05/26