خاص”محكمة”: إجتهاد للقاضي نصر.. تصريف الأعمال لأيّام وليس لأشهر/ عصام اسماعيل
الدكتور عصام نعمة إسماعيل:
أدرج المشترع التأسيسي نظرية تصريف الأعمال في متن البند الثاني من المادة 64 من الدستور التي نصّت على أن :”لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلاّ بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال”.
فسّر الاجتهاد هذا النصّ على أنّ الدستور حصر مفهوم تصريف الأعمال بالأعمال الجارية بطبيعتها أيّ تلك المتعلّقة بالقرارات اليومية التي تحضّرها الدوائر والتي يكتفي الوزير بتوقيعها بعد تدقيق موجز أو تلك التي تتعلّق بتسيير الأمور العادية والأعمال الروتينية التي لا يمكن تجميدها طيلة مدّة عدم وجود حكومة مسؤولة منعاً لشلّ المرافق العامة (مجلس شورى الدولة قرار رقم 2006/575-2007 بلدية اده – قضاء البترون/الدولة) واعتبر مجلس شورى الدولة أنّ “الأساس الدستوريّ لمفهوم تصريف الأعمال هو زوال المسؤولية الوزارية، وضيق نطاق الأعمال الجارية التي يجوز للحكومة المستقيلة القيام بها(القرار رقم 522 تاريخ 1999/5/5 نقابة عمّال ومستخدمي شركة قرطاس للمعلبات والتبريد/الدولة)”، ولكنّ المجلس في اجتهاد معاكس كان قد قضى بصحّة انعقاد مجلس الوزراء وإصدار مراسيم في فترة تصريف الأعمال معلّلاً أنّ “مفهوم تصريف الأعمال يعني أنّه يمكن للحكومة المستقيلة القيام بكلّ الأعمال التي لا ترتبط بسياسة الدولة العليا والتي ليس من شأنها تقييد حرّية الحكومة اللاحقة في انتهاج السياسة التي تراها أفضل للوطن، بمعنى أنّه يمكنها البتّ بكافة المسائل التي لا تتسم بطابع المواضيع الأساسية المصيرية الحسّاسة كالاتفاقات والمعاهدات الدولية، والخطط الانمائية الشاملة والطويلة المدى على سبيل المثال”.
ولهذا، فإنّ مرسوم سحب الاجازة لثانوية المستدعي لا يعدّ في ضوء العرف الدستوري السائد بتاريخ اتخاذه – شأناً من الشؤون التي يمتنع على حكومة مستقيلة تقرير ما تراه مناسباً إزاءه (القرار رقم 700 تاريخ 1995/5/15 منصور حنا الهنود/الدولة).
وقد رأت الهيئة الوطنية لحماية الدستور أنّ تصريف الأعمال هو بحدّ ذاته تضييق لولاية السلطة الاجرائية، إلاّ أنّه لا يعني انكفاء تاماً لهذه السلطة عن ممارسة الصلاحيات المنوطة بها دستوراً، بدليل ما ورد حرفياً في المادة 64 فقرة 2 من الدستور من أنّ الحكومة “تمارس …صلاحياتها” بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، ذلك أنّ المقصود المزاوجة بين مبدأين: مبدأ استمرارية الحياة الوطنية أو ما يعرف أكثر تداولاً بمبدأ استمرارية السلطات الدستورية أو المرافق العامة، ومبدأ المساءلة البرلمانية للحكومة عن سياستها العامة، والوزراء إفرادياً عن أفعالهم الشخصية (م 66 دستور)، إلاّ أنّ تصريف الأعمال يفترض أنّ المرحلة الانتقالية بين الحكومة المنقوصة الولاية والحكومة الكاملة الولاية الاجرائية هي بطبيعتها قصيرة نسبياً أو مؤقّتة ولا يجوز أن تدوم أكثر من مدّة معقولة، حتّى إذا طالت توسّع تصريف الأعمال ليشمل ما من شأنه الخروج من الاستثناء كي لا يتحوّل إلى مبدأ من طريق إدامة حالة التصريف، لا سيّما في ما يتعلّق بمصالح الشعب وعمل مؤسّسات الدولة وإداراتها على أنواعها، فيصبح الضروري من الأعمال أكثر ضرورة وإلحاحاً (الرأي رقم 2013/1 تاريخ: 2013/11/19).
إنّ هذا المنطق في تفسير “تصريف الأعمال” قد تبنّاه الرئيس د. يوسف نصر حيث صدر عن غرفته اجتهادان حاسمان حدّد بموجبهما مدّة تصريف الأعمال، معلّلاً بأنّ:”تصريف الأعمال هي نظرية معدّة للتطبيق خلال فترة زمنية محدّدة انتقالية يجب أن لا تتعدّى الأسابيع أو حتّى الأيّام. وأن تمدّدها لفترة أطول لا بدّ أن ينعكس على مفهومها برمّته حتّى يستطيع تحقيق الهدف منها وهو تأمين استمرارية الدولة ومصالحها العامة ومصالح المواطنين. وأنّ هذه الفترة الانتقالية عندما تمتدّ لعدّة أشهر فإنّه يصبح من الواجب التعامل مع هذا الواقع بشكل يسمح للحكومة تأمين استمراية المرافق العامة وتأمين مصالح المواطنين التي لا يمكن أن تنتظر لمدّة أطول خاصة إذا كانت ممارسة تلك الحقوق ناتجة عن أعمال إدارية قانونية مستوفية لكافة الشروط المفروضة في القوانين والأنظمة وهي تؤمّن مصالح فردية مشروعة دون أن يكون لها الطابع التنظيمي العام أو تحدّ من حقّ الحكومة المقبلة في ممارسة صلاحياتها الاستنسابية (قراران صادران عن غرفة الرئيس يوسف نصر: القرار رقم 137/ 2015 -2016 تاريخ 2015/12/1 زينة بو مارون/ الدولة (تتعلّق بقرار وزير التربية والتعليم العالي بنقل موظّف)، والقرار رقم 349/ 2014 -2015 تاريخ 2015/2/23 طانيوس يونس ورفاقه/ الدولة- 2014/1/20 الصادر في قضيّة طلب إبطال مرسوم تعيين مراقبين مساعدين متمرّنين في ملاك وزارة المالية – إدارة الجمارك).
يتميّز هذان القراران بالجرأة والشمولية حيث تلاقيا مع ما سبق وابتدأه المجلس في قراره رقم 95/700 الذي أجاز إصدار المراسيم والقرارات في فترة تصريف الأعمال، إلاّ أنّ الحكمين الجديدين قد أضافا وبوضوح وشمولية أنّ المهلة القصوى لتصريف الحكومة للأعمال هي أيّام أو أسابيع وبعد ذلك تعود الحكومة والوزراء لممارسة صلاحياتهم كاملة ضمن الضوابط المشار إليها أعلاه.
“محكمة” – الأحد في 2018/09/02
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.