براءة الذمّة البلدية مستند رسمي وتزويرها جنائي/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بحثت محكمة التمييز الجزائية العليا المؤلفة من القضاة الرئيس رالف الرياشي والمستشارين خضر زنهور وبركان سعد عدة مسائل مهمة، فاعتبرت ان المراجعة التمييزية لا تصح من مدعى عليه بوجه مدعى عليه اخر، وان القرار المطعون فيه يتناول مسألة مرور الزمن فلا يكون شرط الاختلاف في الوصف القانوني بين قضاة الدرجتين متوجبا، كما ان دفع التأمين التمييزي غير متوجب كون الدعوى المباشرة تنسب الى المستدعي جرائم جنائية.
واعتبرت المحكمة انه ليس في النصوص القانونية التي ترعى استئناف النيابة العامة لدى الهيئة الاتهامية ما يوجب ابلاغ هذا الاستئناف للمستأنف بوجهه. كما اعتبرت المحكمة ان المعيارالواجب اعتماده للتفريق بين مفهوم المستند المقصود في المادة 453 عقوبات والشهادة الكاذبة هو معيار وظيفي، فالاول هو المخطوط الذي تتحقق وظيفته بانشاء الحق او اثباته بمجرد صدوره عن منظمه، اما المخطوط الذي لا يمكنه بذاته انشاء الحق او اثباته الا بعرضعه على سلطة قضائية او سلطة عامة، فهو يدخل في حال عدم صحته في مفهوم جنحة الشهادة الكاذبة.
واعتبرت المحكمة انه يمكن العودة الى نص المادة 143 محاكمات مدنية لتحديد مفهوم السند الرسمي، وان براءة الذمة البلدية التي يصدرها رئيس البلدية هي مستند رسمي، وبالتالي فان تزويرها يؤلف تزويرا جنائيا يخضع لمرور الزمن العشري.
وقضت بردّ الاستدعاء أساساً وابرام القرار المطعون فيه، ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2003/3/11:
أوّلاً: في الخصومة:
حيث ان المراجعة التمييزية لا تصح من مدعى عليه بوجه المدعى عليه آخر، وبالتالي فان توجيهها من المدعى عليه المستدعي ضد المدعى عليهم، المستدعى ضدهم، لا يكون صحيحا وبالتالي يقتضي اخراج المستدعى ضدهم المذكورين من المراجعة الحاضرة واعتبارها مقتصرة على المستدعي (…) والمستدعى ضدهم الحق العام وسركيس (…) وسايد وعفيف وجوزف وفؤاد.
ثانياً: في الشكل:
حيث انه لا يتبين من الاوراق ما يفيد بأن المستدعي قد ابلغ اصولا القرار المطعون فيه فيكون الاستدعاء واردا ضمن المهلة القانونية.
وحيث ان القرار المطعون فيه يتناول مسألة مرور الزمن فان شرط الاختلاف في الوصف القانوني بين قضاة الدرجتين لا يكون متوجبا وفقا للمادة 306 من قانون اصول المحاكمات الجزائية وهو قابل للطعن وفقا للفقرة 2 من المادة 311 منه قبل القرار النهائي لتناوله دفعا من الذيوع المنصوص عليها في المادة 73 من القانون.
وحيث ان دفع التأمين التمييزي غير متوجب سندا للمادة 319 من قانون احدى المحاكمات الجزائية كون الدعوى المباشرة تنسب الى المستدعي جرئم جنائية.
وحيث ان الاستدعاء يستجمع شروطه الشكلية فيقتضي قبوله في الشكل.
ثالثاً: في الأساس:
1- عن السبب الأوّل:
حيث ان المستدعي يأخذ على القرار المطعون فيه مخالفته لمبدأي الوجاهية وحق الدفاع، لانه لم يبلغ الاستئناف المقدم من النيابة العامة مما حال دون تمكينه من تقديم دفاعه.
وحيث انه ليس في النصوص القانونية التي ترعى استئناف النيابة العامة لدى الهيئة الاتهامية ما يوجب ابلاغ هذا الاستئناف للمستأنف بوجهه.
وحيث ان السبب المدلى به لا يكون مبررا وهو بالتالي يستوجب الرد.
2- عن السبب الثاني والثالث والرابع مجتمعين
حيث ان المستدعي يأخذ على القرار المطعون فيه مخالفته للمواد 456و458و466 من قانون العقوبات لخلوصه الى اعتبار ان التزوير المنسوب اليه كرئيس لبلدية واقع في اوراق رسمية ويخضع لاحكام مرور الزمن التي ترعى التزوير الجنائي مستندا بذلك الى اسباب واقعية غير كافية لتبرير النتيجة التي انتهى اليها مما يجعله ايضا فاقدا للاساس القانوني والا ناقص التعليل، في حين ان المادتين 456و458 من قانون العقوبات لا تدخلان ضمن فئات الموظفين والاشخاص المقصودين بموجبهما رئيس البلدية مما يجعل الاوراق الصادرة عن هذا الاخير غير متمتعة بالصفة الرسمية مما ينزع عن التزوير صفته الجنائية فلا يكون الجرم خاضعا لمرور الزمن العشري، فضلا عن ان الاوراق المذكورة لا تتعدى كونها من براءات الذمة المعدة لتقديمها الى السلطة العامة مما يحعل الجرم مؤلفا لجنحة الشهادة الكاذبة المنصوص عليها في المادة 466 من قانون العقوبات وليس للتزوير الجنائي.
وحيث ان الوقائع المعروضة تفيد بأن المدعين الشخصيين ينسبون في شكواهم المباشرة الى المدعى عليه، المستدعي، اقدامه كرئيس لبلدية على اصدار براءتي ذمة بلدية صالحتين لاجراء معاملة بيع مؤرّختين في 1997/10/22، و1998/2/4 وتفيدان خلافاً للواقع بأن عددا من العقارات المذكورة بموجبهما في منطقة علما العقارية لا تحتوي على بناء وان طالب براءة الذمة المدعو (…) قد سدد ما يتوجب عليه من رسوم بلدية كما ينسبون اليه اقدامه ايضا وخلافا للواقع على اعطاء افادة في ذيل الاستدعاء المقدّم له من انطوان (…) وهي مؤرخة في 1992/3/7، تفيد بأن العقارات المعددة بموجبها من منطقة علما العقارية هي ارض دون بناء ولا يتوجب عليها رسوم بلدية لغاية تاريخ الافادة.
وحيث ان اجتهاد هذه المحكمة المستقى يعتبر ان المعيار الواجب اعتماده للتفريق بين مفهوم “المستند” المقصود في المادة 453 من قانون العقوبات و”الشهادة الكاذبة” المعنية في المادة 466 منه هو معيار وظيفي، فالاول هو المخطوط الذي تتحقق وظيفته بانشاء الحق او اثباته بمجرد صدوره عن منظمه، اما المخطوط الذي لا يمكنه بذاته انشاء الحق او اثباته لا يعرضه على سلطة قضائية او سلطة عامة لتمكينها من اتخاذ قرار منشىء للحق او مثبت له بعد التدقيق بمضمونه وبانطباقه على الواقع، فهو يدخل في حال عدم صحته في مفهوم جنحة الشهادة الكاذبة المنصوص عليها في المادة 466 من قانون العقوبات.
وحيث ان المستندات المذكورة اعلاه والمنسوب صدورها عن رئيس البلدية ولئن كان من المقرر عرضها على دوائر وزارة المالية لتحديد الرسوم المالية التي يمكن ان تكون مترتبة على العقارات المذكورة بموجبها، الا ان من شأنها ان تثبت بذاتها واقع هذه العقارات وما اذا كانت مبنية ام لا وبالتالي ما اذا كان يترتب على مالكيها اية رسوم بلدية ام ان ذمتهم برئية من مثل هذه الرسوم.
وحيث ان هذه المستندات من شأنها ان تثبت براءة ذمة المستفيد منها بالنسبة للرسوم البلدية بمجرد صدورها عن رئيس البلدية دونما حاجة لعرضها على مرجع قضائي او اداري اخر وبالتالي واستنادا الى ما سبق بيانه من معيار وظيفي، فان ثبوت عدم انطباق مضمون المستندات المذكورة على الواقع لا يجعل ذلك داخلا في مفهوم الشهادة الكاذبة المعينة في المادة 466 من قانون العقوبات.
وحيث انه ولئن كان قانون العقوبات لم يحدد بصورة دقيقة مضمون السند الرسمي الا انه يمكن لذلك الاستناد الى ما تنص عليه المادة 143 من قانون اصول المحاكمات المدنية وهي تعتبر ان السند الرسمي هو الذي يثبت فيه موظف عام او شخص مكلف بخدمة عامة ضمن حدود سلطته واختصاصه ما تم على يده او ما تلقاه من تصريحات ذوي العلاقة وفقا للقواعد المقررة.
وحيث ان رئيس البلدية هو من الاشخاص المكلفين بخدمة عامة وقد اولاه القانون في هذا الاطار اختصاص اصدار براءة الذمة البلدية اثباتا لعدم توجب الرسوم البلدية على العقارات غير المبنية، وبالتالي فان براءة الذمة الصادرة عنه كهذه الجهة تكون مؤلفة للمستند الرسمي وفقا لمعياره المحدد في المادة 143 من قانون اصول المحاكمات المدنية معطوفة على المادة 6 منه.
وحيث ان المادة 458 من قانون العقوبات تنزل منزلة الموظفين العامين لتطبيق احكام التزوير الجنائي المنصوص عليها في المادتين 456و457 منه، كل من اجيز له بحكم القوانين والانظمة اعطاء الصفة الرسمية لسند ما، الامر الذي ينطبق على رئيس البلدية عند اصداره لبراءة الذمة البلدية، وهي مستند رسمي، اذا جاءت مغايرة للحقيقة، سواء لجهة واقع العقار وكونه مبنياً ام لا، او لجهة تسديد المكلف المعني ببراءة الذمة للرسم البلدي او لعدم توجب مثل هذا الرسم عليه.
وحيث انه في حال ثبوت صحة ما هو منسوب للمستدعي بصفته رئيس البلدية لجهة اعطاء براءات الذمة المتمثلة بالمستندات الثلاثة السابق بيانها خلافا لوافع الحال، فان فعله لهذه الجهة يكون انذاك مؤلفا للتزوير الجنائي المنصوص عليه في المادة 458 من قانون العقوبات معطوفة على المادة 457 منه، وبالتالي فان مرور الزمن على دعوى الحق العام المستندة لهذا الجرم لا يكون محققا الا بانقضاء عشر سنوات على حصوله.
وحيث ان القرار المطعون فيه باعتباره ان المستندات المدلى بتزويرها هي مستندات رسمية كونها صادرة عن رئيس البلدية المنتخب لاداء حدمة عامة وان تزويرها يؤلف تزويرا جنائيا يخضع لمرور الزمن العشري، يكون قد اوجد الاساس القانوني لما اتنهى اليه ولم يخالف احكام القانون.
“محكمة” – الاثنين في 2018/10/15