مقالات

حاذروا التدخّل في شؤون القضاء وباسم الشعب اللبناني ستلاحقون/عمر زين

بقلم المحامي عمر زين*:
في وطن تعصف به المصائب والويلات بسبب الطغمة الحاكمة التي تعمل على انقسام الشعب لينبري كلّ مواطن فيه للوقوف بوجه المواطن الآخر، يلومه حيناً ويهدّده حيناً آخر، ويتكبّر عليه، ويستضعفه أحياناً كثيرة، كلّ ذلك خدمة لمصالحها وخدمة لمن وراء الحدود.
لقد عاش لبنان منذ زمن بعيد وصمد رغم الأنواء، وبقي الأمل في أن يتخلّص الوطن ممّا أصابه ويعود إلى سابق عهده، لكنّ الأمل في خلاصه وإنقاذه ونهوضه راح يتضاءل فأصبح أمام قدره، قدر الموت والاضمحلال إنْ لم تنقذه معجزة في زمن قلّت فيه المعجزات.
قد يسأل البعض عن سبب التشاؤم الذي حلّ محلّ التفاؤل، حيث رافق الأحداث الجسام التي عصفت بالوطن والذي استمرّ إلى زمن قريب وإلى حين مسّت أصابع الشرّ الجسم القضائي محاولة العبث بوحدته للإنقضاض عليه لتطويعه، وقد توجّست من حماته القضاة الشرفاء الذين عرفناهم مثل الرؤساء بدري المعوشي وإميل أبو خير ويوسف جبران وعاطف النقيب وطانيوس الخوري ونصري لحود ومنير حنين وفيليب خير الله، وغالب غانم وجان فهد وأعضاء مجالس القضاء المتعاقبة والقضاة الكثر الذين لا يسمعون إلّا لأصوات ضمائرهم، والذين لا يدينون بعد الله إلّا لمبادئ العدالة وللحقّ ولسيادة الوطن وحرّيته واستقلاله بكلّ الشفافية والمساواة والحيادية والنزاهة.
واليوم إنّ ثمّة محاولات جادة للإنقضاض على الجسم القضائي، وإنّ أيادٍ تحضّر للعبث فيه، غايتها في ذلك ذرع التفرقة بين مكوّناته لدفعه إلى مربّعات الطوائف والمذاهب، الأمر الذي سيؤدّي إذا حصل لا سمح الله إلى زوال السلطة القضائية أوّلاً ومن ثمّ زوال الوطن ثانياً الذي نعرفه وطناً نهائياً لكلّ أبنائه حيث سيتحوّلون عندها إلى شعوب وقبائل متقاتلة ومتناحرة ضمن دويلات تنهش أشلاء الدولة الأمّ.
إنّ التهويل على القضاء والتدخّل في شؤونه وزرع الأسافين بين أعضائه هو الضربة القاضية للوطن….
فحاذروا التدخّل في شؤون القضاء رأفة بالوطن وببنيه، ورأفة بكم أنتم الذين سوف لن يرحمكم التاريخ، إذا لم تعودوا إلى ضمائركم ولن تعودوا.
نقول لكم إنّ الخطوط الحمر التي تطلق هنا وهناك كلّها تصبّ في زعزعة الوطن وتعزيز الدور السيئ لمن يزرع التفرقة، غير أنّ الخطوط الحمر الواجب وجودها هي الخطوط المفترض أن تمنع التعرّض لركائز الوطن كحماية حدوده، وحماية شعبه، وسيادته واقتصاده، وهي ذاتها التي يجب أن تمنع التعرّض لقضائه ولمجلسه الأعلى الذي يتربّع بحقّ على سدّته الرئيس سهيل عبود، قاضٍ تشرّب روح العدالة من أب قاضٍ شريف، ونهل من منابع الحرّية والشرف والأدب والإستقامة والوطنية الصحيحة من جدّه أبو محمّد مارون عبود الذي ما فرّق يوماً بين مسلم ومسيحي ولا انحاز يوماً إلى مجموعة أو حزب، بل بقي لبنانياً وعربياً وانساناً محبّاً للناس كلّ الناس.
حاذروا التدخّل مرّة أخرى نقولها في شؤون القضاء حيث باسم الشعب اللبناني ستلاحقون، ونحن المحامون عاملون لحماية وصيانة استقلال السلطة القضائية، ولن نسمح بتعطيلها مهما كلّفنا ذلك من تضحيات.
*الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب.
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/11/23

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!