أبرز الأخبارمقالات

الوصية الواجبة

كتب المحامي جمال الحلو:
نصّت معاجم اللّغة العربيّة على أنّ الوصيّة تعني الصلة والجعل، بمعنى أنّ الموصي يجعل للموصى له حظّاً من الصلة رعايةً لخاطره ومكافأةً له.
ونصّت مراجع الفقه الإسلامي على أنّ الوصيّة تمليكٌ مضافٌ إلى ما بعد الموت، بطريق التبرّع ومن دون عوضٍ، سواء أكان ذلك في الأعيان، أي: الأشياء العينيّة ،أو في المنافع ، أيّ الأشياء القيميّة أو الإرتفاقيّة.
ويلاحظ فقهاء اللّغة وفقهاء التّشريع أنّ الوصيّة تلازم مفهوم الفرض، بإشارة الآية القرآنية الكريمة:”يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ”(النّساء:11) أيّ: يفرض عليكم.
وللوصيّة في الفقه والقانون منزلة الإلزام، وهي تتقدّم على الإرث إستحقاقاً، تنفيذاً لإرادة الموصي فيما أجازه الفقه والقانون له من حقّ التصّرف في ماله كما يشاء ما دام أهلاً للتصرّف، أيّ طالما تحققّت أهليّته الشرعيّة والقانونية.
ففي نصوص القرآن الكريم نقرأ الآية التّالية:”مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ” (النّساء:11)، والآية الأخرى “مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ”(النّساء:12)، فهذان النصّان الإلهيّان جعلا الميراث حقّاً مؤخّراً عن تنفيذ الوصيّة. وهي في سياقها تقدّمت على الدَّيْن أيضاً، لكنّ جمهور الفقهاء آثروا على تقديم الدَّيْن باعتبار أنّ ذمّة الموصي مشغولة بهذا الدَّين قبل استحقاق الوصيّة لقوّة المطالبة بالحقّ الأصليّ على المطالبة بالحقّ المكتسب.
ومع ذلك ذهب بعض الفقهاء إلى تقديم الوصيّة على الحقوق الإرثيّة كافة بما في ذلك الدَّين عملاً بالسّياق القرآنيّ، وذلك لإفادة قوّة الإلزام للوصيّة مطلقاً.
ولم يختلف الفقهاء على كون الوصيّة المكتوبة حجّة على الكافّة، ولا سيّما إذا كانت منظمّة وفق الأصول القانونيّة على يد الموظّف المختصّ حيث تكتسب حينئذٍ قوّة المستند الرّسميّ الّذي يعتبر حجّة على الكافّة بمقتضى الفقه والقانون.
ولا خلاف أيضاً على أنّ الوصيّة تكون في الأشياء العينيّة عقاريّة كانت أو غير عقاريّة، وفي المنافع أيضاً، ما دامت متقوّمة في الفقه والقانون.
وبالتّالي تشمل الوصيّة الأموال النّقدّية والعينيّة المنقولة وغير المنقولة، وكذلك الحقوق المقدّرة بمال، وهي المعبّر عنها في الفقه بحقوق الإرتفاق والمنافع.
وذهب جمهور أهل الفقّه إلى استحباب أن يوصي الجدّ بمثل ما يؤول إلى ولده المتوفّى قبله لأولاد هذا الولد. ويكون بذلك مأجوراً ومشكوراً على قاعدة التّنزيل، أي: تنزيل أولاد الولد منزلة الولد في الميراث من الجدّ، ويقال لها: الوصيّة بالأنصباء.
وهي في بعض التشريعات الإسلاميّة واجبة، بمعنى أنّها تنفّذ جبراً بقوّة القانون ولو لم يكن الجدّ أوصى بذلك.
وما من ريب أنّ إقدام الجدّ على الوصيّة لأولاد ولده المتوفّى تنمّ عن أريحيّة وكمال خلق ودين، وليس ذلك بمستغرب على أصحاب النّفوس الأبيّة والكريمة.
إنّ معارضة الورثة لتنفيذ الوصيّة يرتّب عليهم مسؤولية جزائّية عند الفقهاء، بحيث يلزمون بالتعويض العادل عن فترة الإمتناع عن التّنفيذ بطريق الضّمان، لأنّ الممتنع في هذه الحالة متعدٍّ. والمتعدّي ضامنٌ عند جميع الفقهاء، فيضمن نتيجة تعدّيه، فضلاً عن الحكم بالعطل والضرّر أيضاً.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 18 – حزيران 2017).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!