أبحاث ودراساتأبرز الأخبار

الأصول القانونية لقبول الهبات والتصرّف بها في الجمهورية اللبنانية/صادق علوية

صادق علوية*:
إنّ صلاحية قبول الهبات أيّاً كانت – وسواء أكانت أموالاً منقولة أو ثابتة أو نقدية أو سوى ذلك من الحقوق – باسم الدولة ، تنحصر بمجلس الوزراء الذي يقرّر بمرسوم قبول الهبات وإنفاقها وفق السياسة العامة التي يرسمها للدولة، عملاً بالمادة 52 من قانون المحاسبة العمومية التي تنصّ على ما يلي: “تقبل بمرسوم يتخذّ في مجلس الوزراء الأموال التي يقدّمها للدولة، الأشخاص المعنويون والحقيقيون، وتقيّد في قسم الواردات من الموازنة”، أيّ يحتاج الأمر إلى موافقة مجلس الوزراء وإصدار مرسوم بقبول الهبة الناتجة عنه ولو كانت من الأموال العينية.
كما يقتضي أن ينصّ المرسوم المذكور على فتح اعتمادات بقيمتها في قسم النفقات، باعتبار أنّ لهذه الهبة وجهة إنفاق محدّدة من قبل الواهب ويقتضي أن يتمّ تنفيذ النفقات العائدة لها، وفقاً للشروط المحدّدة في عقد الهبة، وللأحكام القانونية المرعية الإجراء في القوانين اللبنانية.(يراجع رأي استشاري صادر عن ديوان المحاسبة رقـم الرأي 99/26 تاريخ 1999/5/12).
وقد سبق أن ورد إلى ديوان المحاسبة بتاريخ 1999/7/22 كتاب أمين عام مجلس الوزراء رقم 1314/م ص تاريخ 1999/7/21 والذي يطلب بموجبه بيان الرأي بشأن الصيغة القانونية الواجبة لقبول الهبات النقدية والعينية وذلك عملاً بأحكام المادة 87 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة وقد جاء في الكتاب المشار إليه ما يلي:
نصّت المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية على ما يلي:”تقبل بمرسوم يتخذّ في مجلس الوزراء الأموال التي يقدّمها للدولة الأشخاص المعنويون والحقيقيون، وتقيّد في قسم الواردات من الموازنة.وإذا كانت لهذه الأموال وجهة إنفاق معيّنة فتحت لها بالطريقة نفسها اعتمادات بقيمتها في قسم النفقات”.
وكان السؤال حول مدى ضرورة أن تقيّد قيمة الأموال العينية في قسم الواردات بعد تقييمها بالأموال النقدية، واعتبر الديوان، بموجب الرأي رقم 99/42 تاريخ 1999/9/9 أنّ ذلك واجب، وورد ما حرفيّته:”بما أنّ القضيّة المطلوب إبداء الرأي بشأنها تتناول مدى تطبيق المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية على الأموال العينية وما إذا كان يتوجّب استصدار مرسوم بقبولها أم يكتفى بقرار من مجلس الوزراء.
وبما أنّ المادة 52 المذكورة أعلاه قد نصّت على أن:”تقبل بمرسوم يتخذّ في مجلس الوزراء الأموال التي يقدّمها للدولة الأشخاص المعنويون والحقيقيون، وتقيّد في قسم الواردات من الموازنة. وإذا كانت لهذه االأموال وجهة إنفاق معيّنة فتحت لها بالطريقة نفسها اعتمادات بقيمتها في قسم النفقات”.
وبما أنّ لكلمة الأموال الواردة في متن المادة 52 المذكورة أعلاه مفهوماً شاملاً يشمل جميع العناصر التي تتألّف منها الثروة وتكون موضوعاً للحقوق.
وبما أنّ الهبات العينية تكون في ضوء ذلك في مفهوم الأموال ويقتضي وتالياً لقبولها إستصدار مرسوم وعدم الإكتفاء بقرار من مجلس الوزراء” وبالتالي لقبول كلّ هبة يجب أن يصدر مرسوم عن مجلس الوزراء سواء كانت عينية أو نقدية.
وقد ورد في استشارة لهيئة الإستشارات والتشريع تحمل الرقم 1987/1346 تاريخ 1987/11/11 أنّ صلاحية قبول الهبات أيّاً كانت – وسواء أكانت أموالاً منقولة أو ثابتة أو نقدية أو سوى ذلك من الحقوق – باسم الدولة تنحصر بمجلس الوزراء الذي يقرّر بمرسوم قبول الهبات وفق السياسة العامة التي يرسمها للدولة، واعتبرت أنّ ذلك يشمل الأموال العينية أو النقدية، وأوردت أنّ المال وجمعه أموال، هو ما ملكته من جميع الأشياء بحسب قاموس اللغة العربية، وبما أنّ الأموال، بالمعنى القانوني التقني، هي جميع الأشياء التي يصحّ امتلاكها وجميع الحقوق التي يمكن أن تدخل في الذمّة المالية، كالأموال الثابتة أو النقود أو سوى ذلك وأكّدت أنّ المشترع لم يقصّر أحكام المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية على الأموال النقدية دون سواها، فيكون بذلك قد أناط بمجلس الوزراء وحصر به صلاحية قبول الأموال على اختلافها الموهوبة للدولة، كما أناط به وبالطريقة نفسها، أيّ بمرسوم، صلاحية فتح اعتمادات بقيمتها في قسم النفقات إذا كان للأموال الموهوبة للدولة وجهة إنفاق معيّنة.
ومن جهة أخرى، فإنّ الهبات الممنوحة تعويضاً عن الأضرار تنشئ حقّاً للمتضرّرين وفي الإطار المحدّد بالقوانين حيث يتمّ اثر الهبة نقل ملكية هذه الهبة على اسم الموهوب له، وبالتالي فإنّ الموهوب له هو الذي يتصرّف بها، وبما أنّه يقتضي أن يتمّ التصرّف بالهبة أيّ بتنفيذ النفقات العائدة لها، وكأنّها نفقة تنفقها الدولة، وفقاً للشروط المحدّدة في عقد الهبة، وللأحكام القانونية المرعية الإجراء في القوانين اللبنانية ولا سيّما قانون المحاسبة العمومية،
وتجدر الإشارة إلى أنّ الأصل أنّ الأموال الموهوبة تدخل ضمن مبدأ الشيوع، أيّ تدخل في أموال الدولة، ولكن شذوذاً عن مبدأ الشيوع، يمكن تخصيص بعض الموارد ببعض النفقات، ومن هذه الحالات: تخصيص أموال الهبات والوصايا والمساهمات لغايات مختلفة، خاصة متى كانت الهبة أو الوصية أو المساهمة مشروطة بتحقيق هدف أو مشروع ما، كبناء مدرسة أو مستشفى، إلى ما هنالك.
أمّا إذا كنت الهبة لمؤسّسة عامة فإنّ المادة /10/ فقرة (أ) من المرسوم رقم 72/4517 المتعلّق بالنظام العام للمؤسّسات العامة نصّت على ما يلي:”يتولّى مجلس الإدارة السهر على تنفيذ سياسة المؤسّسة العامة وتوجيه نشاطها ويتخذ بصورة عامة، ضمن نطاق القوانين والأنظمة القرارات اللازمة لتحقيق الغاية التي من أجلها أنشئت المؤسّسة العامة وتأمين حسن سير العمل فيها. ويقرّ مجلس الإدارة بصورة خاصة دون أن يكون هذا التعداد وارداً على سبيل الحصر: 11- قبول التبرّعات والهبات”.وبما أنّ المادة /22/ من المرسوم نفسه نصّت على أن:”تخضع لتصديق سلطة الوصاية مقرّرات مجلس الإدارة المتعلّقة بالمواضيع التالية: 11- قبول التبرّعات والهبات”.
يتمّ إنفاق الهبة أيضاً بنفس طريقة إنفاق النفقات العادية أيّ كالعقود، أيّ مراعاة مراحل النفقة، ولا سيّما تخصيصها للوجهة التي أعطيت لها،
وبما أنّه عملاً بالأحكام القانونية المرعية الإجراء بهذا الشأن يتوجّب على من يوكل إليه التصرّف بالهبة أن يقدم الحساب عن الأموال التي تعطى له لإثبات كيفية التصرّف بها على أن يكون الحساب المذكور معزّزاً بالأوراق الثبوتية النظامية.
من جهة أخرى، وبما أنّ قانون موازنة العام 2000 (رقم 173 تاريخ 2000/12/14) قد نصّ في مادته التاسعة على ما يلي: “المادة 9تحت عنوان: تطبيق أحكام إتفاقيات القروض الخارجية على كامل الإنفاق العائد إلى المشاريع المموّلة خارجياً.
“تطبّق في إنفاق اتفاقيات القروض والهبات الخارجية الجارية مع مختلف الإدارات والمؤسّسات العامة والبلديات الأحكام النظامية المعتمدة لدى الجهة المقرضة سواء أكان هذا الإنفاق من الجزء المحلّي أم من الجزء الأجنبي على أن تخضع لرقابة ديوان المحاسبة المؤخّرة”.
وما إيراد النصّ المذكور في قوانين الموازنة للسنوات اللاحقة سوى إصرار من المشترع على وجوب تطبيقه.
من جهة أخرى، سبق للتفتيش المركزي أن طلب من جميع الإدارات والمؤسّسات العامة،عرض جميع مشاريع قرارات قبول الهبات على دائرة القضايا التابعة للوزارة بهدف التحقّق من نظامية مستندات المشاريع المذكورة، وذلك قبل عرضها على مجلس الوزراء وطلب ضرورة التقيّد بالأصول القانونية التي ترعى قبول الهبات والتبرّعات،
أمّا إذا كانت الهبة ممنوحة للهيئة العليا للإغاثة، فإنّه عملاً بالمادة 2 فقرتها الخامسة من القرار رقم 1/35 الصادر عن رئيس مجلس الوزراء في 1976/12/17 (تأليف هيئة عليا للإغاثة وتحديد مهامها) المصدّق بالمرسوم الاشتراعي رقم 22 تاريخ 1976/3/18، تختص الهيئة بتوزيع الهبات، وبقبولها، فيتبيّن من كيفية تأليف الهيئة العليا للإغاثة (المادة الأولى من القرار رقم 1/35) ومن المهام المنوطة بها (المادة 2 من القرار 1/35) ومن بينها قبول الهبات المقدّمة إلى الدولة لإغاثة المتضرّرين واستلامها وتأمين نقلها ووضعها في المستودعات وتوزيعها وتأمين الأموال اللازمة لتأمين العمل ووضع الأنظمة اللازمة لتنفيذ مهامها كالنظام الإداري والمالي، ومن الحقّ الممنوح لها في أن تتحمّل نفقات نقل المواد التي ترد إلى لبنان لصالح المؤسّسات العامة بغية توزيعها على المتضرّرين (المادة 6 من القرار 1/35) ومن اعتبارها الهيئة الرسمية الوحيدة المعتمدة لأعمال الإغاثة بعد إلغاء سائر اللجان التي ألّفت في السابق لأعمال الإغاثة، وانتقال جميع مهامها وأعمالها وموجوداتها إليها (المادة 7 من القرار المذكور) ويتوجّب عليها مراعاة الأصول الموجزة المعتمدة في عقد وتصفية وصرف ودفع نفقات الهيئة المرتكزة على الأصول الأساسية لإنفاق الأموال العمومية (النظام المالي للهيئة الصادر بالقرار رقم 1/8 تاريخ 77/1/22)،
مع الإشارة، أيضاً إلى أنّ الفقرة الثانية من قرار مجلس الوزراء رقم 27 تاريخ 2011/10/ نصّت على ما يلي:”الطلب إلى جميع الإدارات العامة والمؤسّسات العامة عدم قبول أيّة هبة لا تتوافق وأحكام القوانين والأنظمة المرعية الإجراء”.
وقد أصدر مجلس الوزراء قراراً يحمل الرقم 20 تاريخ 2012/5/9 وطلب بموجبه إلى جميع الإدارات العامة وجوب التأكّد من صلاحيات الهبات، قبل عرضها على مجلس الوزراء، وذلك عن طريق الإستحصال على:
أ‌- موافقة وزارة الصحّة العامة في ما يتعلّق بالأدوية.
ب‌- موافقة وزارة الزراعة في ما يتعلّق بالأغذية.
وقد أصدر رئيس الحكومة، تعميماً إلى جميع الإدارات العامة بشأن التأكّد من صلاحية الهبات المطلوب قبولها والتي تتعلّق بالأدوية أو بالأغذية يحمل الرقم13 تاريخ 2012/5/16 وقد نشر في عدد الجريدة الرسمية 22 تاريخ 2012/5/24 طلب فيه إلى جميع الإدارات العامة التقيّد بتطبيق ما ورد في قرار مجلس الوزراء، المذكور أعلاه لجهة الاستحصال على موافقة وزارة الصحّة العامة في ما يتعلّق بالأدوية، وموافقة وزارة الزراعة في ما يتعلّق بالأغذية قبل عرض الموضوع على مجلس الوزراء.
وكانت رئاسة مجلس الوزراء قد أصدرت عدّة تعاميم بشأن قبول الهبات العينية ومنها التعاميم رقم 2010/1 تاريخ 2010/1/4، رقم 2011/12 تاريخ 2011/8/1 ورقم 2011/24 تاريخ 2011/11/11 بشأن قبول الهبات العينية،
مع الإشارة أيضاً إلى أنّه يجب مسك حساب لكلّ هبة، عملاً بأحكام المرسوم رقم 8620 تاريخ 1996/6/12(تنظيم محاسبة المواد) الذي ينصّ على أنّه يجب أن تمسك محاسبة الموجودات الثابتة على أساس كلفتها الحقيقية إذا كانت معروفة، أو على أساس كلفتها المقدّرة، أو على أساس قيمتها السوقية بالنسبة للهبات، وفقاً للمادة 6 فقرة 4 منه،
ولا يمكن التنازل عن هذه الهبات، بدون بدل، إلاّ أنّه استثناء يمكن التنازل بدون بدل، فقط ، بين الإدارات والمؤسّسات العامة والبلديات بقرار من الوزيرين المختصين أو من يقوم مقامهما حسب أحكام المادة التاسعة والأربعين من هذا المرسوم، أيّ أنّ هذه الصلاحية تمارسها السلطة التقريرية في المؤسّسات العامة بدلاً من الوزير المختص ووزير المالية في باقي حالات التنازل، لإدارة أخرى أو لمؤسّسة عامة أو لبلدية،
لذلك، فإنّه لا يجوز قبول الهبة، لصالح الدولة اللبنانية، إلاّ بمرسوم، يصدر عن مجلس الوزراء ويحدّد المرسوم نفسه وجهة إنفاقها ويتمّ تحديد وجهة إنفاق الهبة وفقاً لرغبة الواهب عند الإقتضاء أو وفقاً لما يقرّره مجلس الوزراء إذا كانت الهبة غير مقيّدة بوجهة إنفاق محدّدة، علماً أنّه يقتضي تقييم الأموال العينية بالأموال النقدية وتقييد قيمتها النقدية في قسم الواردات، ويتمّ إنفاقها عبر أصول إنفاق الأموال العمومية من عقد وتصفية وصرف ودفع.
*عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي.
“محكمة” – الأربعاء في 2020/9/9

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!