أبرز الأخبارمقالاتميديا

خاص”محكمة”: خطأ تشريعي جسيم في قانون الإيجارات الجديد/علي زين

كتب الخبير علي محمّد زين*:
من المعروف في القانون والأحكام الصادرة عن محاكم لبنانية مختلفة أنّه يوجد فرق في التعريف بين بدل الإيجار، وبدل المثل، والبدل العادل.
فبدل المثل يتناول تقدير بدل إيجار المأجور بالاستناد إلى بدل إيجار مثله، على أن تؤخذ بعين الاعتبار، عقود إيجار الشيء نفسه المؤجّر في مدّة سابقة، أو في مدّة تالية، أو بالنظر إلى عقد إيجار أعيان تماثل العين المؤجّرة. وهذا ما يتبنّاه العلاّمة القانوني والوزير المصري عبد الرزّاق السنهوري(1895-1971) في الصفحة 171 من الجزء السادس من المجلّد الأوّل، وبالتالي، فإنّه لا يمكن تقدير أو تحديد بدل المثل بنسبة مئوية من قيمة الشيء الذي تمّ تخمينه.
أمّا البدل العادل، فيُحدّد تبْعاً لتكاليف البناء والأرض، ووفْقاً لنسبة معيّنة يفترض المشترع أنّها عادلة. وقد ورد في الحكم الصادر عن محكمة استئناف بيروت يوم كانت مؤلّفة من القضاة جوزيف جريصاتي رئيساً ومحمّد البابا وعاصم صفي الدين مستشارين، تحديد صريح وواضح للفرق بين البدل العادل وبدل المثل، فقالت إنّه “لا يمكن الاعتماد على قواعد تقدير البدل العادل لتعيين بدل المثل، باعتبار أنّ البدل العادل يحدّد تبعاً لتكاليف البناء والأرض ووفقاً لنسبة معيّنة يفترض المشترع أنّها عادلة، في حين أنّ بدل المثل هو القيمة التأجيرية للعقار تبعاً لاعتبارات مختلفة أهمّها مقارنة المأجور المطلوب تحديد بدله بغيره من البدلات المشابهة، مع أخذ سائر المميّزات لكلّ منها بعين الاعتبار”.
وبالنسبة إلى بدل الإيجار، فهو البدل الذي يتوجّب على المستأجر للمؤجّر سواء أكان البدل متفقاً عليه بموجب عقد موقّع بينهما، أو بموجب قوانين الإيجارات الاستثنائية التي تمدّد العقود وتفرض الزيادات على البدل المتفق عليه أساساً.
وتأسيساً على ما تقدّم، فإنّه يتبيّن من مراجعة قانون الإيجارات الجديد الصادر في 28 شباط 2017، أنّ المادة 18 من هذا القانون أوردت بأنّ خبيرين يتولّيان وضع تخمين بدل المثل للمأجور وفق الأصول المنصوص عليها في المادة 19 من هذا القانون والتي ذكرت بدورها، بأنّ التقرير يجب أن يتضمّن تحت طائلة البطلان أسماء واضعي التقرير(…)، وبيان الوسائل التي اعتمدت في إجراء التخمين(…) وما يصيب الشقّة من مساحة العقار مع مراعاة واقع الطابق الأرضي إذا كان معدّاً للتجارة، مع تخمين ثمن المتر البيعي في البناء الحرّ والبناء المأجور.
ولكنّ الأهمّ من كلّ ذلك، هو ما نصّت عليه المادة 20 من قانون الإيجارات الجديد من أنّه يُحدّد بدل المثل على أساس نسبة 4%(أربعة في المئة) من القيمة البيعية للمأجور في حالته القائمة في ما لو كان خالياً.
وبناء عليه، فإنّ هناك تناقضاً واختلافاً في القواعد القانونية بين هذه المواد التي ذكرناها آنفاً وخصوصاً المادة 20 من قانون الإيجارات الجديد، وبين الاجتهاد المستقرّ الصادر عن بعض المحاكم، وبين تفسير بدل المثل الذي أقرّه العالم القانوني السنهوري في الصفحة 171 من الجزء السادس من المجلّد الأوّل، لأنّ المادة 20 من قانون الإيجارات الجديد نصّت على تحديد بدل المثل بنسبة مئوية من القيمة البيعية للمأجور، بينما الأحكام وتفسير السنهوري أوضحا بأنّ بدل المثل يتناول تقدير بدل إيجار المأجور بالاستناد إلى بدل إيجار مثله على أن تؤخذ بعين الاعتبار عقود إيجار الشيء نفسه المؤجّر في مدّة سابقة أو في مدّة تالية، أو بالنظر لعقد إيجار أعيان تماثل العين المؤجّرة.
وبالتالي، فإنّ اعتماد قاعدة النسب المئوية في بدل المثل والاستناد إليها لتحديد الزيادات على بدلات الإيجار تعتبر مخالفة صارخة للأحكام القانونية التي ترعى قوانين الإيجارات وهي قوانين خاصة إستثنائية، وتعتبر مخالفتها أشبه بمخالفة الانتظام العام، ممّا يترتّب عليها بطلان تقارير الخبرة التي اعتمدت النسب المئوية لتحديد بدل المثل، علماً أنّ بدل المثل يعتمد أصلاً في حالات الإسقاط من حقّ التمديد والإشغال دون مسوّغ شرعي.
وعلى هامش هذا الخلل، لا بدّ من سلسلة أسئلة مهمّة تقع في صلب قانون الإيجارات والمشاكل التي نشأت عنه، فماذا سيحصل للعلاقات التأجيرية بعد سريان القانون بعد تسع سنوات من وضعه موضع التنفيذ؟ وهل تمّ خداع المالكين والمستأجرين، فالفريق الأوّل لن ينال أيّة زيادة طوال هذه المدّة، والفريق الثاني سيطرد من المأجور لانتفاء تدخّل القانون بتمديد عقده، إذ يكفي أن يرسل له المالك إنذاراً يعلن فيه رغبته بعدم التمديد ليطلب من القضاء إعلان عدم الاستفادة وبالتالي الإخلاء؟
كما أنّ مدة الاثنتي عشرة سنة لن تحتسب، لأنّ تحديد فئة المستفيدين يعود للجان التي لن تعمل، وللصندوق الذي لم يتأسّس، في وقت يحقّ للمستأجر أن يدلي بأنّه سيستفيد حتّى يفصل القضاء.
وما هو مصير تقارير الخبرة إذ إنّ كلّ ما صدر قبل العام 2017 لا قيمة له بل يعتبر منعدم الوجود؟ وصاحب السلطة حدّد العام 2017 للتخمين، ولا قيمة لها، لأنّ القضاء لن يعتمد أيّ تقرير مضى عليه أكثر من سنتين، والقضاء لن يفصل في أيّ نزاع خارج سلطة وصلاحية اللجان؟
• مؤلّف كتاب” قانون الإيجارات الجديد. القانون النافذ حكماً رقم 2 الصادر بتاريخ 28/2/2017 – شرح – آراء – أمثلة”. صدرت طبعته الأولى في العام 2018 عن “منشورات زين الحقوقية”، وساعد في تفسير المواد القانونية وإنجاز هذا الكتاب المحامي جهاد سبيتي.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 31 – تموز 2018 – السنة الثالثة)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!