مقالات

وداعاً دكتور حسن عواضة/جاد طعمه

بقلم المحامي جاد طعمه:
هو الرثاء الثاني الذي أسطّره لقامة نقابية كبرى ترحل وتتركنا هذا العام، فبعد أستاذي المغفور له حافظ جابر، يرحل الدكتور حسن عواضة لكي يصاب الجسم النقابي بخسارة معنوية إضافية.
لن أدعي أنّ علاقتي بالدكتور حسن عواضة متجذّرة في التاريخ، بل هي علاقة حديثة العهد، عمرها من عمر لجنة متابعة قضيّة الإستشفاء في نقابة المحامين التي يترأسها النقيب عصام كرم، لكنّني أزعم أنّه ومنذ تاريخ معرفتي بالراحل، إكتسبت منه الكثير كما اكتسبت تباعاً رصيداً كبيراً من ثقته وإعجابه، دون أن أغرف لملء رصيدي من منسوب الثقة المتساقط لديه في شخصيات نقابية كان يعتبرها بمنأى عن الشبهات.
لعلّ سند التوكيل القضائي الأخير الذي وقّعه الدكتور حسن عواضة لتمثيله بصفته الشخصية لدى عموم المحاكم حمل إسم النقيب عصام كرم وإسمي، فالراحل الكبير كان يتألّم من الواقع النقابي المتهاوي، لا سيّما في المسألة المرتبطة بنظام الإستشفاء الصحّي للمحامين وتأثيره على مالية نقابة المحامين في بيروت ومالية الصندوق التعاوني التابع لهذه النقابة، وكان الراحل ممن وقّعوا الإخبار موضوع التحقيق الجزائي المستمرّ لدى النيابة العامة التمييزية، كما أنّه كان من عداد الموقّعين على استحضار الدعوى التي قدّمت طعناً بقرار المصادقة على الجمعية العمومية للمحامين في ١٨ تشرين الثاني ٢٠١٨ لعدم توافر الأكثرية.
كم فوجئت بإصراره على حضور كلّ اجتماعات لجنة المتابعة بالرغم من انشغالاته وكبر سنه، حيث كانت أوقات الإجتماع تحدّد في مكتب النقيب عصام كرم خارج أوقات التقنين بطلب منه، وقد هالني معرفة أنّ دكاترتي في الجامعة اللبنانية أمثال الدكتور عبد السلام شعيب وسامي منصور وغيرهم من الهامات العالية كانوا من عداد طلاّبه.
كم فرحت بقصصه التي كان يروي لنا فيها مسيرته في القضاء اللبناني حيث كان يتصرّف وفقاً لقناعاته مخالفاً مضمون تدخّلات سياسية في عمل القضاء عمرها من عمر السلطات في لبنان.
الدكتور حسن عواضة كان المثل والمثال لكلّ سلوك مستقيم نفتقده كثيراً في أيّامنا الحاضرة، قلّة هم من يرفضون جنّات المناصب السياسية لعدم رغبتهم بالتزلّف والتبعية وإلقاء خطابات التملّق الهجينة … قلّة هم من يقفون سدّاً منيعاً في وجه كيدية أصحاب المراكز محتكمين دوماً إلى الضمير المهني اليقظ رافضين السير في تشويه سمعة الأشراف في ملفّات مفبركة أيّاً ما كانت المغريات.
الكبار خالدون في الوجدان الجماعي … هم لا يرحلون … من يرحل حقّاً هم من يتمنّى الناس رحيلهم ولو بقوا أحياء يرزقون من فتات حرام قد يكبر أو يصغر.
عهداً منا لكم أيّها الراحل الكبير أن نتابع بعزيمة أكبر كلّ قضيّة محقّة كنت شريكاً فيها … وسنذكرك دوماً رجلاً من رجال القانون الإستثنائيين … رجل المبادئ الثابتة في كلّ المواقع التي شغلتها في زمن الإتجار بالمبادئ بيعاً وشراء في أسواق المال وأسواق النخاسة.
“محكمة” – الثلاثاء في 2019/9/10

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!