أبرز الأخبارمقالات

خاص”محكمة”: “التطبيع وسلاح المقاطعة ” بين الواقع والقانون.. زياد دويري نموذجاً/فؤاد مطر

المحامي فؤاد مطر:
التطبيع هو جعل ما هو غير طبيعي طبيعياً، وفحواه هو جعل وجود الصهاينة في فلسطين أمراً طبيعياً. إنّه نهج وأداء وجوهرة كسر حاجز العداء، وجعل الاحتلال الاستيطاني الاحلالي في فلسطين أمراً طبيعياً أو عادياً ومقبولاً، ويسعى من خلاله العدو إلى ترويض عقولنا لتقبّل العلاقات الطبيعية مع كيانه المغتصب واسباغ مشروعية لوجوده في ربوع هذه الأمة.
لقد استخدم الصهاينة مصطلح التطبيع للولوج الى عمق قبول الانسان العربي والغاء ثقافته، فهو قناع براق يخفي الحقد والكراهية، ويستخدم وسائل شتى لطمس حقوقنا وكسر عزيمتنا واحباطنا لنتأقلم مع واقع وجوده بعد ان يكون قد اخترق وجداننا وثقافتنا لاعادة تشكيل منظومة قيمنا وتغيير مفاهيمنا، ولطمس روح المقاومة فينا وشطب هويتنا العربية.
أما المقاطعة فهي بمفهومها العام، فعل طبيعي تلجأ إليه الأمم والأفراد للتعبير عن رفضهم لوضع غير مألوف، فهو سلوك شخصي من حق كل انسان ان يقوم به تعبيراً عن رفضه للتطبيع وإسهاماً في عزل هذا الكيان المارق واللقيط.
واذا كانت الدول تقيم علاقات طبيعية في ما بينها وفق إرادتها الحرة وفي نطاق سيادتها الوطنية، فإن اسرائيل تفرض علاقتها مع الدول العربية بالاكراه والارهاب وتزيد إجراءات تطبيعية تحقيقاً لأهدافها الاستيطانية التوسعية.
في مرحلة ما قبل اتفاقية كامب دايفيد المشؤومة، كان منطق اللاءات الثلاث هو السائد ” لا صلح لا تفاوض لا اعتراف” وهي تلقى الاستحسان الشعبي لأنها منسجمة مع توجهاته، وكان سلاح المقاطعة ينطلق من وحدة الموقف العربي الرسمي والشعبي ونذكر في هذا المجال حادثة شهيرة حصلت عام 1960 عندما قرّرت نقابة عمال الشحن والتفريغ في ميناء مدينة نيويورك الاميركية بتأثير من اللوبي الصهيوني وتحريضهم مقاطعة شحن وتفريغ السفن المصرية في الميناء للضغط على مصر لتكف عن شحن العالم الثالث والحر ضد الكيان الصهيوني الغاصب، وفي اليوم التالي وصلت سفينة الشحن “كليوباترا” المصرية الى الميناء تحمل شحنة من المنسوجات على ان تعود الى مصر محملة بالقمح ، وقد خطط الصهاينة لحصول أزمة في رغيف الخبز بمصر، وعندما علم جمال عبد الناصر بالأمر توجه الى مبنى الاذاعة وتحدث لخمس دقائق فقط روى فيها بإيجاز ما حدث وطالب فيها اتحاد عمال الموانىء العرب بالرد، وفي خلال ثلاث ساعات فقط كانت هناك ثمانون سفينة امريكية تمت مقاطعة شحنها وتفريغها في الموانىء العربية فاضطرت اميركا إلى تفريغ وشحن السفينة المصرية.
لقد سبق مرحلة كامب دايفيد مقاطعة جميع الشركات العالمية التي تتعامل مع اسرائيل وتم وضع ” القائمة السوداء” التي تحرم من يدخل اسمه فيها من فوائد المتاجرة والتعامل مع الدول العربية.
وللأسف وقّع السادات بعد انتصار حرب اكتوبر المدوي اتفاقية كامب – دايفيد التي تتضمن وثيقتين : الاولى تنص على إلغاء المقاطعات الاقتصادية ، والثانية على أن تقام علاقات طبيعية بين مصر واسرائيل تتضمن الاعتراف الكامل بما في ذلك قيام علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية وإنهاء المقاطعات الاقتصادية وحواجز امام حرية حركة السلع والاشخاص والحماية المتبادلة، ان معظم بنود كامب- دايفيد لم تطبق بسب الرفض الشعبي الواسع لها.
ثم استفردت اسرائيل بالاقطار العربية بعد سياسة الخطوة خطوة وتعريب الصراع وفق استراتيجية كيسنجر ، وطائفيته وفق مخططات بريجنسكي فازداد الطرف العربي تراجعاً في مدريد الذي انتج أوسلو ووادي عربة ففرض التطبيع الرسمي الذي خدم العدو وأصاب العرب بالضرر المبين.
كانت ذرائع الاضطرار والظروف المرحلية وغياب التوازن وغير ذلك من ذرائع مبرري الهزيمة هو السائد ، وأخذ البعض يشنّ حملات مغرضة ضدّ المقاطعين باتهامهم ضدّ التواصل مع اتباع الديانة اليهودية لا ضد التطبيع مع كيان دموي يدوس على التشريعات والمواثيق الدولية، وبات التلمود إرثه الثقافي المنعزل عن باقي الثقافات وتزويره للتوراة الصحيح والذي يشير الى ان بني اسرائيل لم يستطيعوا طوال تاريخهم التطبع مع اي شعب، والبعض الآخر ايضاً يعتبر أن مقاطعة اسرائيل تؤدي الى الانقطاع عن العالم وهذا ما يحتم ضرورة اقامة العلاقات وحسن الجوار دون الاكتراث الى ان مرور مراحل العلاقات الاعتيادية تدريجياً تؤدي الى الاقرار بوجوده الطبيعي لا مجرد الوجود الواقعي المفروض بل الوجود المشروع.
لم يلتفت هؤلاء الضعفاء الى الحقيقة التي مفادها ان المقاطعة الشاملة تؤدي الى احداث تغيير في موازين القوى وبأنها المدماك الذي يبنى لعزل اسرائيل واصابة خلاياها الحية بالضمور والهلاك، وفي التاريخ القريب ما يؤكد ان المقاطعة هي الوسيلة القادرة على اخراج المحتل وهذا ما فعله الأوروبيون بعد الحرب العالمية الثانية عندما قاطعوا البضائع الالمانية بسبب احتلال المانيا لبلادهم . وهذا ما حصل في الهند بقيادة المهاتما غاندي ، ومقاطعة احرار العالم لنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا الذي أدى الى تهاويه تدريجياً والاطاحة به، وقبلها زيمباوي فبقيت اسرائيل آخر نظام عنصري في العالم وهذا ما أكده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 الذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية.
ان التطبيع الثقافي هو حجر زاوية في الاستراتيجية الصهيونية بالرغم ان تكوينهم ومنطلقاتهم الثقافية تمنعهم من التطبيع معنا وتفرض علينا التطبيع معهم وتغيير مناهجها التعليمية وحذف آيات قرآنية.
ان أهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف الى التعاون العلمي والفني والمهني والاعلامي والسياحي وتشجيع زيارة الاماكن الدينية تحدياً لموقف الانباشنودة ومراجع اسلامية وازنة التي حرمت زيارتها طالما هي تحت الاحتلال واجراء المقابلات مع وسائل اعلام العدو أياً كانت وعبر وسائل التواصل الاجتماعي لازالة كل الحواجز النفسية لاعادة تشكيل ثقافة تكون وعاء قادراً على تعزيز عناصر قوة المشروع الصهيوني من خلال وسائل اعلام عربية ومنظمات تمول من الخارج.
إنّ العدوّ يضخّ أموالاً ويبذل جهوداً ويضع خططاً ويدعم سماسرة مشبوهين من اجل اقناع العالم بأن هنالك دولة طبيعية اسمها “اسرائيل” تنتج فكراً وحضارة وثقافة.
وهي في هذا تخصص ميزانية مالية ضخمة للقيام بحملة دعائية مضادة لمكافحة المقاطعة ومناهضة الشركات التي تعلن مقاطعتها في العالم.
ان المثقف والمفكر والفنان الاسرائيلي يضبط خطواته على ايقاع خطوات المؤسسة العسكرية الاسرائيلية ، وهذا ما يؤكده المثقف غسان كنفاني الذي اغتالته اسرائيل.
وان الجامعات الاسرائيلية تدعم الجيش الاسرائيلي وتضم اكبر نسبة من احتياطي الجيش فضلاً عن تقديم المساعدات وفق الاختصاصات المتنوعة منها المهندسون الذين بنوا جدار الفصل العنصري ، وجامعة تل أبيب تضم معهداً لتصميم الاسلحة المتنوعة ودراسات الامن القومي.
ان شعار “اعرف عدوك” يؤكد انه من الواجب تعلم لغته وكشف خططه ومشاريعه وتنازع تياراته السياسية والفكرية ، وكل ما توصل إليه من تطوير عسكري وتكنولوجي ومعرفته في كافة المجالات والميادين ثقافياً وفنياً واكاديمياً وسينمائياً .. الخ، وهذا ما يتطلب منا نشوء مؤسسات ثقافية واعلامية مقاومة وبناء كوادر مثقفة ترتبط بقضايا الامة للتصدي لمحاولات التطبيع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وتسليط الضوء على مخاطره واضراره خصوصاً لجهة تسلل العدو الاسرائيلي الى اغراق الاسواق اقتصادياً او اختراق البنى الاجتماعية والثقافية والفنية والعلمية ومحاولة تحويل الاسواق المالية والمصارف الاسرائيلية الى عنصر جذب لرؤوس الاموال.
ان شراء منتجات العدو عبارة عن دعم لهذا الكيان وجيشه وتقويته، وهو يخفي وجهة الدموي من خلال ابراز وجهه العلمي والاكاديمي والفني وتغليف احتلاله بعزل الثقافة عن السياسة بشكل براق ولماع وفي الوقت نفسه تسهم كل مؤسساته في ادامة الاحتلال.
ان دخول أي انسان عربي الى اسرائيل مهما كان السبب، هو بحاجة الى تأشيرة اسرائيلية وهذا بمثابة دليل لاعترافه الضمني ، فالزيارة ليست فعل مقاومة ودعم للقضية في ظل وطأة محتل وتزايد عدد المثقفين الاجانب الرافضين لزيارة فلسطين طالما أنها تحت الاحتلال الاسرائيلي وهذا ما أكده مؤتمر الازهر العالمي الأخير، وهناك حملات دولية لمقاطعتها ، فهل يمكن للإنسان العربي ان يتواصل معها وهي تعمل جاهدة على ازالة الاسماء العربية عن معالم الاراضي المحتلة لإستبدالها بأسماء يهودية وتبذل لهذه الغاية جهداً منهجياً في تزوير فاضح للتاريخ ليحل الهجين الثقافي والاختراق العرقي المستورد محل هوية فلسطين العربية.
كما أنّه لا يجوز ان يتزايد عدد المطبعين العرب في ظل تزايد عدد المقاطعين الاجانب ونذكر منها ما أدرجه صندوق التقاعد النروجي وهو الاكبر في العالم من شركات اسرائيلية متورطة في الاستيطان على القائمة السوداء، واعلان الصندوق التقاعدي الهولندي من سحب استثماراته من البنوك الاسرائيلية التي تعمل في الاراضي المحتلة عام 67، وقرار أكبر بنك في الدانمارك مقاطعته لبنك “هابوعاليم” الاسرائيلي لتورّطه في دعم الاحتلال.
وبالرغم من الضغوط التي يتعرض لها المقاطعون لاسرائيل في الولايات المتحدة الاميركية، فإنّ أربع جمعيات أكاديمية كبرى تقاطع اسرائيل مقاطعة شاملة، وفي ايرلندا قرر اتحاد المعلمين بالاجماع مقاطعة أكاديمية شاملة لاسرائيل، وفي بلجيكا مقاطعة اكاديمية شاملة لاسرائيل من قبل اتحاد الطلبة الذي يضم مائة الف عضو، وعلى أثر كل اعتداء يعلن عدد كبير من الفنانيين والمثقفين في العالم قطع العلاقات مع اسرائيل ورفضهم لاحياء الحفلات والمهرجانات والحصول على أية جوائز من مصدر اسرائيلي لأنها تغتصب الحقوق المدنية لملايين الفلسطينيين.
إننا نثمن دور حركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبة عليها BDS”” لدورها في النضال الفعال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني.
يأتي الخطر الجديد من الربط بين العولمة وبين الصهيونية في انتاج مشروع الشرق الاوسط الكبير الاميركي والجديد الاسرائيلي لضرب عروبتنا الجامعة وتفكيك الكيانات على أساس طائفي وعرقي ومذهبي لتكريس المرجعية لإسرائيل. وقد بدأ عقد منتديات للشروع في استباحة المنطقة العربية بعد احتلال العراق بواسطة منظمات غير حكومية مرتبطة تنظيمياً ومالياً مهمتها ملء فراغ الدولة بذريعة معاداة النظام وتمثيلية الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان، بعد ان دعموا الانظمة المطبعة والتي ظنت ان التطبيع مع اسرائيل يضمن لها الحفاظ على سلطتها وتقوي استبدادها ضد شعوبها، ثم استغلوا كراهية الشعوب لأنظمتها المستبدة ، واصبح منتدى دافوس العالمي هو بمثابة مجلس سياسي للشركات المتعدية الحدود برأسمال دولي، بالإضافة الى استخدام اساليب مختلفة ومتنوعة وسلك طرق جديدة تفتح باب التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي يستخدم مناورات شتى أحياناً بطرح فصل عملية التسوية أو معادلة التطبيع قبل التوقيع، وللأسف نجد بعض القطاعات العربية تشارك مع وفود اسرائيلية في مهرجانات أو ندوات أو مؤتمرات أو حوارات تلفزيونية.
لقد أصدرت وزارة المالية الاسرائيلية تقريراً نص على “ان المقاطعة هي أكبر خطر على الاقتصاد الاسرائيلي” حيث تمنع من تسويق السلع الاسرائيلية لاستهلاكها في العالم العربي، وأكد المفوض العام للمقاطعة العربية لاسرائيل ان الخسائر الملموسة الناجمة عن المقاطعة لاسرائيل تتجاوز مبلغ الماية مليار دولار منذ العام 1951، والخسائر السنوية لها تقدر بثلاثة مليارات دولار.
ان العدو الاسرائيلي يعمل على تجديد شخصيات موثوق بها اجتماعياً واعلامياً وفنياً تمتلك مواصفات جذب ومصداقية عند متابعيها لتسوق التطبيع الاجتماعي والثقافي والفني والاعلامي وتستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لهذه الغاية، وقد امتد الأمر الى تجنيد العاملات المنزليات.
دويري
يأتي في سياق المتورطين ما قام به المخرج السينمائي زياد دويري الذي زار الاراضي المحتلة لتصوير فيلمه “الصدمة” وعودته مرات عدة الى لبنان دون رقيب او حسيب، والذي تذرع بالتطبيع لضرورة فنية لتصوير فيلمه وتعامله مع طاقم عمل اسرائيلي من ممثلين ومنتج منفذ واقامته في تل ابيب طوال احد عشر شهراً ما بين عامي 2010 و 2011 حيث صور مشاهد فيلمه فيها وبضواحيها.
ان أفعال هذا المخرج تجمع كل مبررات التطبيع الثقافي والفني، وقد تنافست وسائل اعلامنا لاستضافته والحديث معه بعد منع عرض فيلمه في الصالات اللبنانية ومعظم الدول العربية بناءً لطلب مكتب مقاطعة اسرائيل التابع للجامعة العربية لأنه “قصد اسرائيل وصور مع بضعة ممثلين اسرائيليين”.
أما لناحية الملاحقة القضائية ، فقد شهدنا للأسف خفة حصلت في متابعة الملف، فقد نسب إليه القاضي صقر صقر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية أنه زار فلسطين المحتلة من دون موافقة صريحة من السلطات اللبنانية ليحاكمه على أساس المادة 285 من قانون العقوبات بدلاً من تطبيق أحكام المادتين الاولى والسابعة من قانون مقاطعة اسرائيل لصلته بالاسرائيلي والتعامل معه واجراء العقود.
ترك المطبع بسند إقامة في اليوم نفسه في 2017/8/10 بحجة ان الأفعال الملاحق بها مر عليها الزمن كلها بانقضاء ثلاث سنوات على ارتكاب الفعل الجرمي التي ركن إليها الإدعاء بوصفها جنحة.
لقد تم اللجوء الى قانون العقوبات العام الذي لا ترد فيه اطلاقاً لفظة اسرائيل وهو يتناول العدو بشكل عام، بدلاً من تطبيق قانون مقاطعة اسرائيل (الخاص) التي تقرر العقوبة بوصفها جناية والسجن فيها من ثلاث سنوات الى عشر سنوات.
والسؤال الذي يطرح نفسه ، لماذا أقفل الملف رغم أن المادة 328 من قانون العقوبات تنص على “ان سقوط العقوبة المحكوم بها بمرور الزمن لا يحول دون سماع طلب اعادة المحاكمة”.
يبدو ان مسبحة التطبيع فضت قيودها وانطلقت بزخم ممنهج، وللأسف فإن الأجهزة اللبنانية قد وافقت على عرض الفيلم الاميركي The post للمخرج ستيفن سبلبيرغ في دور السينما الذي سبق له ان تبرع بمبلغ مليون دولار للعدو خلال حرب تموز. ان مكتب مقاطعة اسرائيل في لبنان قد منع هذا الفيلم بسبب تصوير بعض مشاهده في مدينة القدس المحتلة.
اننا نستطيع ان نتعرف على إنتاج العدو الفني عبر “اليوتيوب” وليس من خلال دعوته الى بلادنا او السماح له بالإستفادة من أموالنا، وان لا يأتي في سياق تستغله اسرائيل بأننا نقبل يها فنياً ومهنياً وأكاديمياً الخ، فهناك فرق بين التطبيع الثقافي والفني وبين رصد أو متابعة الانتاج الثقافي والفني لاسرائيل.
ومن يصدق انه تم حذف “يوتيوب” حلقة تلفزيونية لاحدى القنوات اللبنانية تحت عنوان “لبنان في مواجهة التطبيع” الذي عرض في 2018/1/23 وكان تعليق الموقع ان الفيديو حذف لأنه “انتهك قواعد يوتيوب” وهذه ليست المرة الاولى.
المقاطعة في القانون:
1-دولياً: ان المقاطعة العربية للكيان الصهيوني لا تتعارض مع احكام القانون الدولي، وان قرارات الامم المتحدة ومجلس الأمن لا تنص على التطبيع القسري بين العرب واسرائيل بغض النظر عن انحيازها لمعيار حق القوة في مواجهة قوة الحق والضغط الدائم من قبل الولايات المتحدة الاميركية على العرب في سبيل إلغاء المقاطعة.
2-عربياً: أما على صعيد المنظمة الاقليمية العربية، فقد قرر مجلس جامعة الدول العربية في 1949/12/2 مقاطعة المنتوجات والمصنوعات الاسرائيلية، كما أصدر توصية الى الدول العربية منبهاً إياها من خطر دخول السلع والمنتوجات الاسرائيلية الى الدول العربية.
لقد وضعت أسس المقاطعة في قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم 357 وفي العام 1951 صدر مشروع القانون الموحد للمقاطعة الذي “يحظر على كل شخص طبيعي أو اعتباري ان يعقد بالذات او بالواسطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في اسرائيل او منتمين اليها بجنسيتهم او يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما أقاموا واعتبر الشركات او المنشآت الوطنية أو الأجنبية التي لها مصالح او فروع أو توكيلات عامة في اسرائيل في حكم الهيئات او الأشخاص المرتبطة بفلك العدو الذي يحتم بطبيعة الحال مقاطعتها.
وللتأكد من خلو الصناعات من أية منتج في اسرائيل يجب على المستورد تقديم منشأ السلع، كما نص هذا المشروع كقانون موحد لمقاطعة اسرائيل الذي تبنته معظم الدول العربية على أحكام جزائية منها معاقبة كل من يخالف أحكام هذا القانون بالسجن لمدة ما بين ثلاث سنوات الى عشر سنوات أي أن وصفها جناية.
ان المقاطعة العربية لاسرائيل تناولت ثلاثة مستويات:
1-مقاطعة مباشرة للسلع والخدمات التي تنتجها وتقدمها اسرائيل.
2-مقاطعة للشركات الاجنبية التي ساعدت على تقوية ودعم اسرائيل، واذا كان لها مكاتب او فروع او أنشطة صناعية أو تستثمر أو تقدم علاماتها التجارية أو معونتها الفنية الى شركات أجنبية.
3-مقاطعة للشركات التي تتعامل مع الشركات الموضوعة على قائمة المقاطعة من الدرجة الثانية وفقاً للائحة يصدرها المكتب الرئيسي المركزي في دمشق وتعرف باسم “اللائحة السوداء”.
وتنص على ثلاث درجات للمقاطعة:
الاول: هي مقاطعة الكيان الصهيوني نفسه.
الثانية: هي مقاطعة الشركات العالمية الغربية خاصة التي تقيم علاقات اقتصادية مع العدو الصهيوني.
الثالثة: هي خطر التعامل مع الشحنات الواردة ترانزيت عبر الدول العربية من والى المرافىء والمطارات الاسرائيلية.
ثم تطورت النصوص وشمل الحظر كافة أشكال التعامل الثقافية والمهنية والفنية.. وفي كافة المجالات ومن أي نوع كان، فقد ورد في نصوص المبادىء العامة لمقاطعة اسرائيل المواد 118 و 119 على وجوب حظر التعامل مع الشركات السينمائية والتلفزيونية التي تثبت عليها تهمة الميول للصهيونية او العمل لمصلحة اسرائيل، وانتاج أفلام قصد بها تشويه تاريخ العرب أو الدعاية لإسرائيل.
في القانون اللبناني:
ان قانون مقاطعة اسرائيل (الصادر في 1955/6/23) لم يحصر الحظر بالتعامل التجاري فقط وان لم يرد بالحرف ذكر أنواع التعامل الاخرى ، لأنه لم يكن في وارد أي لبناني أو عربي آنذاك ان يقبل باسرائيل ، أو أن يقيم أي تعاون ثقافي وفكري معها، إنما كانت الخشية محصورة في ان يعمد بعض المقاولين الى ابرام صفقات تجارية مع أشخاص أو شركات تحمل الجنسية الاسرائيلية ونص على انه يحظر على كل شخص طبيعي او معنوي ان يعقد بالذات أو بالوساطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في اسرائيل ومنتمين اليهم بجنسيتهم او يعملون لحسابها أو لمصلحتها وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقات تجارية او عمليات مالية أو أي تعامل آخر مهما كانت طبيعته..”
وحماية لمبدأ المقاطعة أو حسب القانون على المستورد أن يقدم شهادة منشأ يوضح بها بيان البلد الذي صنعت فيه السلع وأنه لم يدخل في صنعها أية مادة من منتجات اسرائيل أياً كانت نسبتها.
كما نص على أنه في حكم البيع والشراء كل صفقة تتم على سبيل التبرع أو المقايضة وسواء السلع التي تنزل الى اراضي لبنانية أو تمر عبرها.
ان تنظيم مقاطعة اسرائيل (المرسوم الصادر عام 1963) نص على ادراج او شطب أسماء من لائحة الاشخاص او المؤسسات المحظر التعامل معها وتنشر المخالفة ضمن لائحة في الجريدة الرسمية وفي ثلاث صحف يومية تحت اشراف مكتب المقاطعة الذي وضع له مهمات عديدة منها جمع المعلومات الضرورية.
أناط المرسوم المذكور بمجلس الوزراء صلاحية المصادقة بناء على اقتراح وزير الاقتصاد والتجارة على القرارات المتعلقة بالمقاطعة لا سيما بإدراج أو شطب أسماء من لائحة الاشخاص أو المؤسسات المحظر التعامل معها.
وقد جعل الاختصاص في النظر بهذه الجرائم من اختصاص المحاكم العسكرية، ونقترح في هذا المجال ان يكون مكتب مقاطعة اسرائيل تابعاً لوزارة الدفاع الوطني بدلاً من وزارة الاقتصاد لتعلق الامر بالأمن القومي.
كما نقترح الآتي:
1- إعادة إحياء مكتب مقاطعة اسرائيل التابع لجامعة الدول العربية.
2- الاعلان عن الشركات المحظورة ، وفضح جرائم العدو.
3- إنشاء دائرة قانونية لرصد كل الخروقات.
4- توسيع داتا المعلومات لكشف الجنسيات المتعددة التي يحوزها الاجنبي عند دخوله الى الاراضي اللبنانية للتأكد من عدم اكتسابه الجنسية الاسرائيلية.
5- التعامل مع المقاطعة الشاملة كأداة استراتيجية طويلة الأمد وبنفس الوتيرة وبديمومة مستمرة.
6- تطبيق قانون المقاطعة والتشريعات ذات الصلة، ورصد ومتابعة جميع المعلومات التي تشكل انتهاكاً لقانون مقاطعة اسرائيل وتحريك الملاحقات القضائية.
7- عدم استهلاك منتوجات داعمة للعدو والعمل على نهوض وتشجيع الصناعات الوطنية ودعمها والارتقاء بمواصفاتها وتحسين جودتها لكي ترقى وتحظى بثقة المستهلك وتحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة في الاشياء الاساسية التي لا يستغنى عنها ومقاطعة ما نستطيع الى ذلك سبيلاً وكل ما يمت الى الكيان الصهيوني بصلة.
8- إنشاء جبهة عربية تضم كافة الناشطين في مجال المقاطعة تضم أيضاً المهن الحرة ونقابات العمال وممثلي للقوى الشبابية في الجامعات ومؤسسات أهلية وهيئات المجتمع المدني.
9- تشجيع الشركات للتراجع عن دعمها لإسرائيل.
اننا نلخص الى حقيقة تختزل بمقولة أنه كلما تقدم التطبيع ضعفت المقاطعة وكلما تقدمت المقاطعة ضعف التطبيع .
“محكمة” – السبت في 2019/4/20
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!