مقالات

القضاء ليس بخير فمتى ينتهي الإعتكاف؟/ملاك خضر

المحامية المتدرّجة ملاك خضر:
تبدأ المعاناة اليومية في قصور العدل من غياب أبسط الأمور التي يجب توافرها كغياب الطوابع، والإضطرار إلى شرائها في حال وجدت بأضعاف أضعاف سعرها، إلى عدم توفّر الكهرباء وعدم توفّر الأوراق، وعدم توفّر السجّلات، وغياب “السيستم” وعدم فتح حسابات مصرفية للشركات ما يعرقل تأسيسها، وعدم توفّر الحبر ما دفع أحد المغتربين اللبنانيين إلى عرض تبرّعه لإحدى الدوائر العقارية بماكينات تصوير وتقديم المازوت على حسابه ليتسنّى له الحصول على إفادة عقارية.
ولا تنتهي المصائب هنا، بل إنّ المصيبة الأعظم هي اعتكاف القضاة حيث بات يستحيل لجوء المواطنين لمن يحمي أجسادهم ومالهم وحقوقهم وحرّياتهم.
أمام هذا الواقع المؤلم والمبكي، غيّبت القنوات التلفزيونية نفسها عن هذا الحدث الجلل، وهي ذاتها التي خصّصت بثّها المباشر ٢٤/٢٤ يوم اندلعت ثورة الـ ١٧ من تشرين الأوّل 2019، إلّا أنّنا ومنذ أن أعلن القضاة اعتكافهم التام عن العمل في جميع الملفّات بما فيها ملفّات الموقوفين، لم نشاهد يومًا بثًّا مباشرًا أمام قصور العدل لنقل هموم وأوجاع الناس.
لقد غيّب الإعلام نفسه عن هذا المشهد المأساوي الذي نشاهده ونعايشه يوميًا، والذي خرج عن حدود المنطق والعقل، وبدأ المساس بحقوق الناس التي ادعى الإعلام خوفه عليها يوم خصّص لها كلّ وقته وهواءه، واليوم مئات الناس تتعرّض حقوقهم المحمية دستوريًا للمساس، يقفون أمام غرف الشكاوى باكين ضائعين ومذهولين بأنّنا وصلنا إلى هذه المرحلة الخطيرة جدًّا.
فمثلًا طبيب تجميل معروف تعرّض لعميلة احتيال كبيرة يتصل بأحد النوّاب العامين الذي يقول له “أعلم أحقّية مشكلتك لكنّنا في فترة اعتكاف”.
رجل سُرق منزله. حضر إلى غرفة الشكاوى وجدها مقفلة في وجهه.
إمرأة معنّفة، اغتصاب ضرب وإيذاء، إطلاق نار، تعدٍّ على حقوق عينية ومالية، عنف، موقوفون بدون وجه حقّ…. كلّها جرائم بالجملة يقصد فيها المدعون يوميًا قصور العدل حيث لا يجدون عدلًا ولا من يستمع إليهم ولا من ينقل أوجاعهم.
والغائبة الأخرى هي الحكومة اللبنانية التي أعلنت حالة الطوارئ والتعبئة العامة لمحاربة وباء أقلّ خطورة من الوباء الحالي الذي تعيشه قصور العدل، وباء الإعتكاف الذي طال حقوق جميع الناس وزرع الإحباط في نفوس المواطنين الذين كانوا ما يزالون يؤمنون بمرفق العدالة ويقصدونه، وباتوا اليوم أمام واقع خطير جدًّا وهو حماية أنفسهم من جهة واستيفاء حقّهم بالذات من جهة أخرى ضدّ أيّ اعتداء قد يطالهم في ظلّ غياب السلطة القضائية، وعدم القدرة على اللجوء للقضاء وهذا ما نصّت عليه المادة ٤٢٩ عقوبات حين جرّمت عقوبة استيفاء الحقّ بالذات لقدرة المواطنين على اللجوء للقضاء حامي الحرّيات والحقوق، والمادة ٥٦٧ التي أوجبت الدفاع عن الغير بوجه أيّ خطر طارئ محدق.
لا نشكّ أبدًا بحقّ القضاة في تحصيل حقوقهم المعيشية وزيادة رواتبهم، ولكنّ الإستخفاف بخطورة استمرار الاعتكاف هو جريمة بحقّ الوطن وغياب الإعلام عن جعلها أولوية الأولويات هو مشاركة في هذه الجريمة، فالقضاء هو المرفق الأهمّ في الأوطان، هو مقياس الخير في الأمّة، هو بداية الدول ونهايته، هو الملجأ، هو الحامي، هو السلطة والفصل، هو السيف الذي يفرض الأمن ويرمي المجرمين في السجون.
غياب القضاء العادل هو غياب الأمن والأمان. أما من حلّ لهذا الوضع؟!
“محكمة” – الأحد في 2022/10/16

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!