أبرز الأخبارعلم وخبر

القضاء يجتهد: “الكبتاغون” منشّط.. وتهريبه مخالف لقانون الصيدلة وليس المخدّرات!

كتب علي الموسوي:
أصدر القضاء اللبناني إجتهاداً غير مألوف في المحاكم الجنائية، إعتبر فيه أنّ حبوب “الكبتاغون” (captagon) ليست من فئة المخدّرات الممنوع تناولها والاتجار بها، وليست من عداد المحظورات الواردة ضمن القوائم والجداول الملحقة بقانون المخدّرات اللبناني، مستنتجاً أنّ تهريبها “بدون ترخيص قانوني مُعاقبٌ عليه في قانون الصيدلة”، وليس في قانون المخدّرات، وبالتالي فهي جنحة بسيطة، وليست جناية عن عمل شائن ، ولا تفترض عقوبة شاقة لسنوات خلف قضبان السجن، وذلك لمنع أيّ إنسان من مجرّد التفكير باستخدامها وتوزيعها والاتجار بها وتهريبها خارج حدود الوطن حيث سوقُها الأهمّ في منطقة الخليج، وتحديداً في المملكة العربية السعودية.
ووصف الحكم الصادر عن محكمة الجنايات في البقاع والأوّل من نوعه في لبنان، حبوب “الكبتاغون” بأنّها “دواء منشّط ومحظور ومعاقبٌ على استعماله”، شارحاً أنّ ” كلمة منشّط هي النقيض لكلمة مخدّر”، غير أنّ الاستحصال على هذه الحبوب يستوجب نيل ترخيص مسبق من المراجع المعنية.
وحمل الحكم تناقضات كثيرة في طيّاته، فتحدّث عن أنّ “الكبتاغون” “يُستعمل للنشاط المفرط ويسبّب الأرق”، مستنداً إلى تعريفات وشروحات وردت في كتاب طبّي ونشرة متوافرة على الانترنت، لكنّه استبعد التصنيف المعتمد ضمن سطور النشرة نفسها لهذا النوع المصنّف ضمن المخدّرات التصنيعية المحظورة.
أمّا النقلة النوعية في متن هذا الحكم، فتمثّلت بقوله إنّ “التداول بحبوب “الكبتاغون” وتهريبها وترويجها لا تشكّل مخالفة لقانون المخدّرات” وهذا الأمر يستوجب عدم إنفاذ قانون المخدّرات وخصوصاً المادة 128 منه التي تعتبر أنّ الاتجار بالمخدّرات بمختلف أنواعها وأشكالها هو جناية، ليخلص إلى عدم جواز “القياس والتفسير في قانون خاص بالمخدّرات، لأنّ القانون الخاص يفسّر تفسيراً ضيّقاً”، وذلك في سبيل تبرير النتيجة النهائية باعتماد قانون الصيدلة رقم 367/95 بديلاً عن قانون المخدّرات، وقلب التهمة من جناية إلى جنحة، أيّ عدم تجريم المتهمّين الاثنين بجناية المادة 128 مخدرات، وإعلان براءتهما لعدم توافر شروطها.
وبات بمقدور كلّ تجّار “الكبتاغون” وهم كثر في لبنان، أن ينعموا بهذا الاجتهاد القضائي الصريح والواضح، وأن يتسلّحوا به في مواجهة من يعرقل نموّ تجارتهم المزدهرة أساساً في ربوع الوطن وبلاد المهجر، وأن يبرزوه إنْ اقتضى الأمر، كمستند يعوّل عليه، عند توقيفهم، أو عند تقديم دفوع شكلية أمام قضاة التحقيق، أو قبل الشروع في المحاكمات.
وقد صدر هذا الحكم عن محكمة الجنايات في البقاع برئاسة القاضي جان بصيبص وعضوية المستشارين إيلي لطيف ولما أيوب تحت الرقم 323 بتاريخ 5 أيّار/مايو 2011، في قضية تهريب ما يزيد على مليون حبّة ” كبتاغون ” إلى السعودية ضمن مستوعبات دهان نقلتها شاحنة وصف الحكمُ صاحبَها بالشخص الحَسَن النيّة، تمهيداً لعدم اعتبار شاحنته أداة جرمية تبعاً لحُسْن نيّته.
بعدما سردت محكمة الجنايات في البقاع برئاسة القاضي جان جوزف بصيبص الذي أحيل على التقاعد في الأوّل من شهر حزيران/يونيو 2014، وقائع القضيّة، ذكرت سلسلة من الحيثيات القانونية مع تعليلها توصّلاً إلى النتيجة المتوخّاة، وذلك على الشكل التالي:
بناء عليه،
في القانون:
حيث تبيّن أنّ المتهمّين أحيلا أمام المحكمة ليحاكما بجناية المادة 128 مخدّرات التي نصّت على مخالفة الحظر المنصوص عليه في المادة 15 من قانون المخدّرات،
وحيث أنّ الحظر المنصوص عليه في المادة 15، هو ما ورد في الجداول الملحقة بقانون المخدّرات، لاسيّما المواد والمستحضرات المدرجة في الجدولين الثاني والثالث،
وحيث أنّ حبوب “الكبتاغون” التي ضبطت في المملكة العربية السعودية ليست في عداد المحظورات المنصوص عليها في الجداول الملحقة بقانون المخدّرات اللبناني، ممّا يعني أنّ التداول فيها وتهريبها والاتجار بها وترويجها لا تشكّل مخالفة لقانون المخدّرات ممّا يقتضي عدم تطبيق هذا القانون لاسيّما المادة 128 مخدّرات، كما أنّه لا يجوز القياس والتفسير في قانون خاص بالمخدّرات، لأنّ القانون الخاص يفسّر تفسيراً ضيّقاً،
وحيث أنّه من الثابت أنّ “الكبتاغون” هو دواء محظور، لأنّه يستعمل للنشاط المفرط، ويسبّب الأرق وعدم الشعور بالجوع والتعب، وتنجم عن تناوله مضاعفات خطيرة على صحّة الإنسان بعد فترة ويقتضي لاستعماله الاستحصال على ترخيص مسبق من المراجع المختصة، وبالتالي فإنّ القيام بتهريب هذا الدواء بدون ترخيص قانوني معاقب عليه في المادة 92 من قانون الصيدلة رقم 367/95 (يرجى مراجعة كلمة ” كبتاغون” في كتاب الدكتور Guide pratique، DOROIS des médicaments، والقانون الطبّي LE VIDAL، والانترنت نشرة وكيبيديا) وفي هذه المراجع أنّ “الكبتاغون” هو دواء منشّط ومحظور، ومعاقب على استعماله، وكلمة منشّط هي النقيض لكلمة مخدّر،
وحيث ثبت لهذه المحكمة واقتنعت بأنّ المتهمّين نمر م. ح. وعيد م.ح. أقدما على تهريب ما يزيد على مليون حبّة كبتاغون إلى السعودية بمساعدة الأخير، وقد تمّ ضبط هذه الكميّة هناك في شاحنة المدعي محمّد ح.ي. يقودها عماد ح.م. ، وقد تعزّزت قناعة المحكمة بما يلي:
1- إقدام نمر ح. على التفاوض بالذات لشراء كمّية الدهان التي تمّ معها تهريب حبوب “الكبتاغون”.
2- إقدام نمر ح. على استئجار مستودع لمدّة ثلاثة أشهر فقط لإتمام مشروعه الجرمي، ووضع حبوب “الكبتاغون” في مستوعبات الدهان.
3- إقدام نمر ح. على التفاوض مع الشاحن عبد الناصر ح. لتأمين الشاحنة، وقد أصرّ وفقاً لأقوال هذا الأخير على أن تمرّ الشاحنة عبر بوّابة حارة عمار، وليس عبر بوّابة الحديثة مع أنّ المسافة عبر حارة عمار هي أطول وتكاليف النقل أكثر، وذلك من أجل تلافي عمليات التفتيش في بوّابة الحديثة.
4- إقدام نمر ح. على إنجاز معاملات تصدير 595 مستوعب دهان إلى السعودية، وتأمين شهادة منشأ للبضاعة، والفاتورة، وقائمة تعبئة للشاحن (مراجعة أقوال نمر ح. أمام المحكمة ، وأقوال الشاحن عبد الناصر ح. في الصفحة 12، وأقوال نمر في الصفحة 24 من محضر التحقيق الأولي) ممّا يعني أنّه هو صاحب الشحنة الأوّل والأخير.
5- إقدام نمر ح. على تزويد الشاحن عبد الناصر ح. “بكارت باسم صاحب شركة “كولف أوف ليبانون”مسجّل عليها بالحبر إسم نمر ح. ورقم هاتفه، وإخبار الشاحن المذكور بأنّ هذه الشركة هي صاحبة البضاعة وتريد شحنها إلى السعودية، وذلك خوفاً من انكشاف أمره، مع أنّه هو صاحب البضاعة التي اشتراها من الشركة المذكورة. ثمّ قال للشاحن عبد الناصر إنّ صاحب الشركة أرمان س. على علم بالشحنة على أنّها باسم شركة، في حين نفى أرمان س. شحنه لأيّة بضاعة إلى السعودية (صفحة 16 من محضر التحقيق الأوّلي) ممّا يدلّ على تورّط نمر شخصياً في الحبوب المضبوطة.
6- رفض نمر ح. التوقيع على إذن تسليم مستوعبات الدهان، بعد أن طلب منه مرّتين التوقيع، وفقاً لإفادة أرمان س.(في الصفحة 15 من محضر التحقيق الأوّلي) خوفاً من كشف أمره، وإلصاق الجرم بغيره.
7- إعتراف نمر ح. بأنّه هو والعمّال قاموا بتحميل الشاحنة بالبضاعة الموجودة في المستودع، وتأكيد سائق الشاحنة هذا الأمر في الكتاب المرسل من السعودية.
8- إقدام نمر ح. على الاتصال بسائق الشاحنة بعد دخوله السعودية، عبر ثلاثة أجهزة خليوية مختلفة تحمل الأرقام(…) وفقاً لما هو مبيّن في كتاب السلطات في المملكة العربية السعودية المبرز بالملفّ.
9- أقوال الشاهد رالف م. أمام قاضي التحقيق بأنّه يعمل مديراً للشركة التي يملكها أرمان س.، وأنّ نمر ح. حضر عدّة مرّات إلى الشركة، وفي المرّة الثالثة حضر ومعه شقيقه عيد ح.، وطلب منه تحميل البضاعة، وبعد تحميلها غادر عيد ح. مع الشاحنة، وكان عيد ح. قد حضر مرّتين إلى مركز الشركة(صفحة 17 من محضر التحقيق الأوّلي).
10- إعتراف عيد ح. أمام قاضي التحقيق بأنّ شقيقه نمر ح. طلب منه نقل العمّال إلى المستودع من أجل تحميل البضاعة لإرسالها إلى السعودية، فتوجّه إلى المستودع برفقة ثلاثة عمّال.
وحيث بالاستناد إلى ما تقدّم، فإنّ المتهم نمر ح. يكون الوحيد الذي نفّذ هذه العملية بمساعدة شقيقه المتهم عيد ح.، وفعله يكون منطبقاً على جنحة المادة 92 من قانون الصيدلة، وفعل المتهم عيد ح. منطبقاً على المادة 92 معطوفة على المادة 219 عقوبات، ومنحهما الأسباب المخفّفة سنداً للمادة 254 عقوبات.
في دعوى الحقّ الشخصي:
حيث ثبت من خلال وقائع هذه الدعوى أنّ المدعي محمّد ح.ي. لا يعرف المتهمّين نمر وعيد ح.، وقد حمّل البضاعة بشاحنته، ولم يكن يعلم أنّ هذين الأخيرين، قد وضعا داخل مستوعبات الدهان حبوب “الكبتاغون”، وهذا ما أكّده نمر ح. أمام المحكمة وفي التحقيق الأوّلي صفحة 5، وتطابقها مع أقوال صاحب مكتب الشحن عبد الناصر ح. في الصفحة 11 من محضر التحقيق الأوّلي،
وحيث ثبت أنّ المدعي محمّد ح.ي. إقتصر دوره فقط بناء لطلب مكتب الشحن على تقديم شاحنته لنقل مستوعبات الدهان إلى المملكة العربية السعودية، وهذا ما أكّده صاحب مكتب الشحن عبد الناصر ح. في جميع إفاداته، ولم يكن يعلم على الإطلاق أنّ نمر ح. شحن مع مستوعبات الدهان حبوب “الكبتاغون”، فيكون المدعي الشخصي حسن النيّة، وتقتضي إعادة شاحنته له، لأنّها لم تعد تعتبر أداة جرمية بالإستناد إلى حُسْن نيّة صاحبها،
وحيث وبحال أنّ القانون في المملكة العربية السعودية لا يسمح بإعادة الشاحنة لصاحبها، فيقتضي إلزام المتهمّين نمر وعيد ح. بالتكافل والتضامن بأن يدفعا للمدعي مبلغ سبعين ألف دولار أميركي بمثابة العطل والضرر الذي لحق به، وحفظ حقوق المدعي لجميع الجهات،
لذلك،
وبعد سماع مطالعة النيابة العامة، والدفاع والمتهمّين، تحكم المحكمة بالإجماع:
أولّاً: بعدم تجريم المتهمّين نمر ومحمّد ح. بجناية المادة 128 مخدّرات، وإعلان براءتهما منه لعدم توافر شروطها.
ثانياً: بإدانتهما بجنحة المادة 92 من قانون الصيدلة رقم 367/95 معطوفة على المادة 219 عقوبات بالنسبة إلى عيد ح.
وحبس نمر م.ح. مدّة سنة واحدة بعد التخفيض وحساب مدّة توقيفه.
وحبس عيد م.ح. مدّة ثمانية أشهر للتدخّل بالجرم وبتخفيض هذه العقوبة سنداً للمادة 254 عقوبات إلى حدّ الاكتفاء بمدّة توقيفه.
ثالثاً:بتسليم الشاحنة المضبوطة إلى المدعي محمّد ح.ي. الحَسَن النيّة وإلاّ إلزام المحكوم عليهما نمر وعيد ح. بأن يدفعا له بالتكافل والتضامن مبلغ سبعين ألف دولار أميركي، أو ما يعادلها بالعملة اللبنانية بتاريخ الدفع، بدل عطل وضرر لحق به من جرّاء حجز الشاحنة.
رابعاً:بحقظ حقوق المدعي محمّد ح.ي. لمطالبة عبد الناصر ح. بحقوقه على أساس المسؤولية المدنية.
خامساً:بتضمين المحكوم عليهما الرسوم والنفقات”.
(نشر في “محكمة” – العدد 2 – كانون الأوّل 2015)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!