أبرز الأخبارعلم وخبرميديا

تعليق على قرار قاضي العجلة بإخلاء شقّة لإشغالها من دون مسوّغ قانوني/يوسف الدرويش

بقلم يوسف الدرويش:
بتاريخ 2021/2/26 صدر عن حضرة قــاضي الأمور المستعجلة في بيروت الرئيسة كارلا شواح، قرار قضى بردّ الدعوى المقدّمة من المدعي م.ح. ضدّ المدعى عليه م.هـ. بموضوع إخلاء شقّة واتخاذ التدبير بإزالة التعدّي عنها لإشغالها من دون مسوّغ قانوني، سنداً لأحكام المادة 579 أ.م.م.
ولخّص الحكم المذكور وقائع النزاع على الشكل الآتي:
– إنّ المدعي استحضر المدعى عليه، عارضًا بأنّه يملك القسم رقم × بموجب وكالة غير قابلة للعزل رسمية منظّمة ومسجّلة لدى الكاتب العدل، وأنّه قد وضع إشارة قيد احتياطية على صحيفة القسم المذكور، وبأنّ المدعى عليه يشغل القسم عن طريق التعدّي ومن دون مسوّغ قانوني، طالبًا اتخاذ القرار بإزالة التعدّي وإلزامه بإخلائه وتسليمه شاغرًا من أيّ شاغل أو موجودات للمدعي، وبتضمين هذا الأخير الرسوم والمصاريف والنفقات، على أن يكون القرار معجّل التنفيذ نافذًا على أصله.
– وبأنّ المدعى عليه قدّم لائحة جوابية، عرض فيها بأنّ والدته كانت اشترت القسم موضوع دعوى الإخلاء وهو عبارة عن شقّة وموقف، وبأنّ المدعي استغل تقدّم سنّ والدته وحصل منها على وكالة غير قابلة للعزل ، حيث وبعد إجراء حصر إرث لمباشرة معاملات الانتقال تفاجأ بالمدعي ينذره بإخلاء الشقّة بحجّة أنّه يملك وكالة غير قابلة للعزل بها طالبًا ردّ الدعوى لعدم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة، وبأنّه الوريث الوحيد للمرحومة والدته وله الحقّ في إشغال الشقّة موضوع الدعوى والتي لا تزال مسجّلة على اسمها، وبأنّ البتّ بصحّة الملكية يستوجب التصدّي للأساس وبأنّ العجلة منتفية.
– وبأنّ المدعي تقدّم بلائحة جوابيّة أكّد فيها أنّه اشترى القسم موضوع الدعوى من والدة المدعى عليه بموجب وكالة بيع عقارية غير قابلة للعزل، تمّ وضع إشارتها على الصحيفة العينية للقسم المذكور، وأضاف بأنّ كلّ إدلاءات المدعى عليه وأقواله غير صحيحة، وأنّ هذا الأخير عاش طيلة حياته في سوريا، وعندما علم بأنّ المدعي اشترى القسم، أقام فيه بهدف ابتزازه، وأنّ ظـاهر الأوراق، يثبت أنّه مالك القسم المذكور بسند رسمي، وأنّ المدعى عليه يشغله من دون مسوّغ شرعي، وأنّه صاحب الحقّ بإخلائه، وأنّ شروط اختصاص هذه المحكمة متحقّقة وكرّر كافة مطالبه.
– وأنّ المحاكمة اختتمت أصولًا، ولاحقًا ورد من المدعى عليه طلب فتح محاكمة، أدلى فيه بأنّه تقدّم بدعوى إبطال الوكالة غير القابلة للعزل أمام المحكمة المختصة، وبأنّه يقتضي إعادة فتح المحاكمة وإلاّ دعوته ودعوة المدعي للإستجواب.
– وأنّه صدر قرار إعدادي عن المحكمة،
– وأنّه تقدّم المدعي بلائحة إنفاذًا للقرار المذكور، كرّر فيها أقواله، مضيفًا أنّ طلب فتح المحاكمة، غير محقّ، لأنّ المدعى عليه تقدّم بالدعوى العقارية، بعد تقدّمه بالدعوى الراهنة، لخلق منازعة حول الملكية، ولأنّه يعلم أنّ إشغاله للقسم موضوع الدعوى، غير شرعي وأنّ والدته كانت قد باعته إيّاه وقبضت ثمنه، وبالتالي يعتبر إشغاله لهذا القسم تعدّيًا واضحًا على حقوقه، يقتضي وضع حدّ له، وأكّد مطالبه كافة.
– وأنّه وبعد أن تمثّل كلّ من الفريقين بوكيله، طلب وكيل المدعى عليه، إرجاء البتّ بالدعوى الراهنة لحين البتّ بشكواه، وأنّ المحكمة قرّرت ضمّ البتّ بالطلب المذكور إلى الأساس، وكرّر وكيلا الفريقين واختتمت المحاكمة أصولًا،
– وأنّه وردت مذكّرة من المدعي،
بناء عليه:
حيث يطلب المدعي إلزام المدعى عليه ، بإخلاء القسم × وبتسليمه إليه شاغرًا من أيّ شاغل أو موجودات، تحت طائلة غرامة إكراهية قدرها 200 د.أ عن كلّ يوم تأخير، سندًا للمادة 579 أ.م.م، كون إشغاله له لا يستند إلى أيّ مسوّغ شرعي، في حين أنّه اشترى القسم المذكور من والدة المدعى عليه ويحوز وكالة غير قابلة للعزل، في حين لا يملك المدعي أيّ سند يبرّر إشغاله لهذا القسم، ما يشكّل تعدّيًا على حقوقه، يبرّر تدخّل هذه المحكمة ويوفّر شروط اختصاصها للبتّ بهذه الدعوى،
وحيث يطلب المدعى عليه من جهته ردّ الدعوى لعدم توفّر شروط اختصاص قضاء العجلة للبتّ بها، لأنّه الوريث الوحيد للمرحومة والدته، والذي له الحقّ في إشغال الشقّة موضوع هذه الدعوى التي لا تزال مسجّلة على اسمها، ولأنّ ملكية المدعي لهذه الشقّة، غير ثابتة ويتطلّب البتّ بها التصدّي للأساس، لا سيّما في ظلّ الظروف التي رافقت استحصاله على الوكالة غير القابلة للعزل بها، ولأنّه تقدّم بدعوى إبطال هذه الوكالة أمام محكمة الأساس، ولأنّ العجلة المبرّرة للجوء إلى القضاء المستعجل، منتفية، ممّا يقضي بردّ الدعوى لعدم الاختصاص،
وحيث لا بدّ من الإشارة إلى مسألة اختصاص قاضي الأمور المستعجلة ، تتداخل مع موضوع الدعوى المطروحة أمامه، بحيث لا يمكنه البتّ بها، إلاّ بعد التدقيق في مضمون هذه الدعوى والوقوف على مدى تحقّق شروط انعقاد هذا الاختصاص ضمن الحدود التي رسمتها المادة 579 أ.م.م ، وما إذا كان التدبير المطلوب منه مؤقّتًا أم أنّ من شأنه التعرّض لأصل الحقّ، وأنّ ما تقدّم يفرض على قاضي الأمور المستعجلة، التمحيص والتدقيق في مستندات الدعوى ومعطياتها كافة وعناصرها المادية والواقعية، لتبيان وجاهة الطلب المقدّم إليه وتقدير جدّية النزاع دون أن يخوض في أصل الحقّ، توصّلًا لتقدير اختصاصه من عدمه، (بهذا المعنى د. طارق زيادة- القضاء المستعجل بين النظرية والتطبيق –1993 ص 196- رقم 333) ، من هنا فإنّه يقتضي الفصل في مسألة اختصاص هذه المحكمة في معرض البتّ بموضوع الدعوى في مرحلة لاحقة من هذا القرار،
وحيث يتبيّن من إدلاءات المدعي أنّه يسند مطالبه إلى أحكام الفقرة الثانية من المادة 579 أ.م.م، وأنّ ذكر تلك المادة بكاملها دون تحديد فقرتها الثانية صراحة، كونه أدلى بأنّ إشغال المدعى عليه يفتقر إلى السند القانوني الذي يبرّره ويشكّل تعدّيًا على حقوقه، علمًا أنّه يعود للقاضي إسباغ الوصف القانوني الصحيح والملائم على إدلاءات ومطالب الفرقاء،
وحيث عملًا بأحكام الفقرة الثانية من المادة 579 أ.م.م السالف ذكرها، يختص قاضي الأمور المستعجلة في اتخاذ التدابير الآيلة إلى إزالة التعــدّي الواضح على الحقوق والأوضاع المشروعة،
وحيث إنّ الفقرة المذكورة، تفرض في إعمالها توافر شرطين: الأوّل أن يكون للمدعي حقًّا أو وضعًا مشروعًا محميًا قانونًا، والثاني وقوع تعدّ واضح على هذا الحقّ أو الوضع المشروع، علمًا أنّها لم تشترط توافر شرطي العجلة وعدم المساس بأصل الحقّ، وذلك لأنّه في الدعاوى المسندة إليها، فإنّ التعـدّي يستوجب حكمًا اتخاذ التدبير المستعجل الآيل إلى رفعه، ولا يمنع على قاضي الأمور المستعجلة، التصدّي للموضوع المتنازع عليه، لا بل يعود له بهدف التثبّت من التعدّي المدلى به، البحث والتمحيص في أساس الوقائع المطروحة أمامه والمستندات المبرزة كافة، بغية استخلاص مدى وضوحه،
وحيث إنّ التعدّي المقصود بحسب مفهوم الفقرة الثانية من المادة 579 أ.م.م هو كلّ فعل غاصب أو غير مشروع أو امتناع عن فعل يصدر عن شخص خارج نطاق حقوقه المشروعة ويلحق ضررًا بالغير، والذي يفترض عدم وجود نزاع جدّي بشأن تحقّقه وبشأن صفة الوضوح العائدة له، وأنّه بذلك يتعيّن أن يكون التعـدّي خارج نطاق أيّة تفسيرات أو تأويلات واقعية أو قانونية ولا يقوم حوله أيّ شكّ،
وحيث يقتضي التحقّق من مدى توفّر الشرطين المبيّنين أعلاه، ومعرفة ما إذا كان للمدعي حقــًّـا مشروعًا بالقسـم × أوّلًا ثمّ التوقّف على ما إذا كان إشغال المدعى عليه للقسم المذكور من قبيل التعدّي الواضح على حقّ المـــدعي هذا،
وحيث من البيّن الآتي من معطيات واقعية ثابتة في الملفّ،
1- أنّ الحقّ الذي يدعيه المدعي، هو ملكيته للقسم × مستندًا في ذلك إلى وكالة بيع عقار غير قابلة للعزل، منظّمة لصالحه من المرحومة … بالقسم المذكور وبأسهم في العقار رقم ….. ومسجّلة لدى الكاتب العدل في بيروت، أرفق نسخة عنها طيّ الاستحضار،
2- أنّ قيود السجّل العقاري تظهر أنّ القسم × المذكور لا يزال مسجّلًا على اسم المرحومة …. وفق ما هو ثابت في الإفادة العقارية المبرزة من المدعي وتاريخها 2019/7/11،
3- أنّ المدعى عليه هو ابن المرحومة …. وفق أقواله المقرّ بصحّتها من قبل المدعي، وهو يشغل راهنًا القسم × ويستند في هذا الإشغال إلى ملكية والدته للقسم المذكور وفي حقّه بإشغاله كوريث وحيد لها،
4- أنّ المدعى عليه تقدّم بوجه المدعي بدعوى أمام الغرفة الابتدائية في بيروت الناظرة في الدعاوى العقارية، بموضوع إبطال الوكالة المومأ إليها، وهي لا زالت قيد النظر حتّى تاريخه،
وحيث إنّ حقّ الملكية الذي يدعيه المدعي، هو من الحقوق العينية العقارية،
وحيث إنّ الحقوق العينية العقارية، لا تعتبر موجودة تجاه الغير، إلاّ بقيدها في السجّل العقاري، واعتبارًا من تاريخ هذا القيد وفق ما يستفاد صراحة من أحكام المادتين 9 و 10 من القرار 188 وتؤخذ الصحيفة العينية مرتكزًا للقوّة الثبوتية المطلقة وكأساس للعلنية ولإطلاع الغير على القيود المدوّنة فيها،
وحيث فضلًا عن ذلك، فإنّ الوكالة غير القابلة للعزل، ويمكن أن تعتبر بحدّ ذاتها عقد بيع، وإنْ تضمّنت رغبة البائع في البيع ، والثمن واسم المشتري، مع تفويض لوكيل البائع بإتمام الإجراءات وقبض الثمن، إلاّ إذا تقدّم المدعي بطلب تنفيذها وفقًا للأصول أمام المحكمة المختصة لإثبات هذه الوكالة ولنقل الملكية على اسمه،
وحيث على هَدْي ما تقدّم لا تكون ملكية المدعي للقسم × ثابتة وفقًا لما يدلي به طالما أنّ ملكية القسم لا زالت جارية وفق قيود الصحيفة العينية العائدة له، على اسم المرحومة ….. ولا تشكّل الوكالة غير القابلة للعزل التي يستند إليها، مرتكزًا لما يدعيه من ملكية ، طالما أنّها لا تعتبر حتّى عقد بيع على النحو المبيّن، فيكون ما يدعيه من حقّ لهذه الجهة منتفيًا وغير متحقّق، لا بل إنّ ملكية القسم المذكور، تثبت في هذه الحالة للمدعى عليه الذي يعتبر مالكًا بمجرّد وفاة مورّثته المالكة الأساسية ، وحتّى قبل التسجيل، بحيث يعود له إدارة هذا الملك والإنتفاع به ما يوفّر له السند القانوني والشرعي لإشغاله،
وحيث يترتّب على ذلك بطبيعة الحال انتفاء أيّ تعدّ من قبل المدعى عليه على أيّ حق للمدعي أوّلًا لعدم ثبوت هذا الحقّ ، ثانيًا لثبوت ملكية المدعى عليه للحقّ المتنازع عليه ، ما ينزع عن إشغاله صفة التعدّي،
فضلّا عن أنّ هذا الحقّ، هو بمطلق الأحوال موضوع منازعة جدّية في ضوء ادعاء المدعي لحقّه استنادًا لوكالة غير قابلة للعزل، مقابل ادعاء المدعى عليه لحقّه في الإشغال بصفته وريثًا للمرحومة والدته، ومالكًا بالتالي للقسم شاغله استنادًا إلى قيود السجّل العقاري، وما يستتبعه هذا الأمر من وجوب الأخذ بالقوّة الثبوتية المطلقة لهذه القيود وتغليبها على أيّ مستند آخر، كما وفي ضوء وجود الدعوى العقارية بموضوع إبطال تلك الوكالة، الأمر الذي يترتّب عليه منازعة جدّية بحصول التعدّي المدلى به أيضًا، طالما أنّ الحقّ منازع جدّيًا بوجوده أصلًا، وطالما أنّ إشغال المدعى عليه مبرّر وفقًا للظاهر بقيود السجّل العقاري،
وأنّه يقتضي البتّ بمسألة الملكية هذه من قبل محكمة الأساس الناظرة في الدعوى العقارية، تمهيدًا للقول بوجود حقّ للمدعي وبوقوع التعدّي المدلى به على هذا الحقّ، ومن ثمّ لتقرير الإخلاء من عدمه،
وحيث بانتفاء شرطي إعمال الفقرة الثانية من المادة 579 أ.م.م يمسي اختصاص هذه المحكمة للتدخّل تفعيلًا لها غير منعقد ، فتلقى الردّ تاليًا الدعوى الراهنة لهذه العلّة،
وحيث يقتضي أخيرًا ردّ سائر الأسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة، إمّا لعدم الجدوى وعدم تأثيرها على النتيجة التي خلصت إليها المحكمة، كطلب استجواب الفريقين أو طلب وقف النظر بالدعوى الراهنة ، لحين البتّ بالشكوى التأديبية المقامة بحقّ المدعي، أو لكونها لقيت ردًّا ضمنيًا في ما سبق بيانه،
لذلك،
يقرّر:
1- ردّ الدعوى برمّتها.
2- ردّ كلّ ما زاد أو خالف.
3- تضمين المدعي النفقات والرسوم.
4- قرار معجّل التنفيذ صدر وأفهم علنًا في بيروت بتاريخ 2021/2/26
وتعليقًا على القرار المذكور،
يتبيّن من خلال القرار أعلاه، أنّه يقتضي مناقشة الآتي:
1- مسألة تجاوز حضرة قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، لحدود اختصاص محكمته المنصوص عنها في المادة 579 أ.م.م
2- مسألة تجاوز حضرة قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، للإجتهادات الصادرة عن المحاكم والقواعد القانونية المستقــرّة والمتعلّقة بالوكالة غير القابلة للعزل.
أ ) لجهة المسألة الأولى:
يتبيّن من خلال حيثيات الحكم موضوع التعليق، أنّ حضرة قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، قد تجاوز حدود اختصاصه المنصوص عليه في المادة 579 أ.م.م ، بل أنّه تعدّى على اختصاص محكمة الأساس ، وهي المحكمة الابتدائية المدنية الناظرة بالقضايا العقارية في بيروت التي تنظر بموضوع دعوى إبطال الوكالة غير القابلة للعزل التي قدّمها المدعى عليه لاحقًا، وحلّ مكانها بشكل واضح.
كيف ذلك؟
لقد اعتبر حضرة قاضي الأمور المستعجلة مصدر القرار المذكور، أنّ الوكالة غير القابلة للعزل المنظّمة من قبل البائعة والدة المدعى عليه، لا تمنح الحقّ للمدعي، لأن يطلب إخلاء المدعى عليه من القسم موضوع الدعوى كونه لم يسجّل القسم على اسمه في الدوائر العقارية!! وكونه لم يتقدّم بدعوى أمام المحكمة المختصة لإثبات الوكالة ونقل الملكية على اسمه!! وطالما أنّ القسم المذكور لا يزال مسجّلًا على اسم والدة المدعى عليه، وهو الوريث الوحيد لها، فاعتبرته مالكًا بمجرّد وفاة مورّثته وحتّى قبل التسجيل بحيث يعود له إدارة هذا الملك والإنتفاع به، وأنّ ذلك يوفّر له السند القانوني والشرعي لإشغاله، علمًا وكما هو ثابت قانونًا، أنّه لا يعتبر وارثًا كون القسم خرج من ذمّة والدته المالية عبر عملية البيع، وأنّ الوكالة غير القابلة للعزل، وكما هو معروف، لا تحتاج لحكم قضائي لتنفيذها في السجّل العقاري، وهذا ما باشره المدعي، عبر قيامه بوضع إشارتها على الصحيفة العينية للقسم حفظًا لحقوقه تجاه الغير بما فيهم المدعى عليه!!!
فحضرة قاضي الأمور المستعجلة هنا، حلّ محلّ محكمة الأساس مباشرة وانتزع اختصاصها، فحكم بدلًا عنها، وأخطأ خطأ جسيمًا باعتباره المدعى عليه مالكًا للقسم، متجاوزًا مسألة قيام والدة المدعى عليه ببيع القسم من المدعي حيث قبضت ثمنه وأبرأت ذمّته إبراء شاملًا من أيّ حقّ أو مطلب ومن المحاسبة، كما تجاوز أحكام الوكالة غير القابلة للعزل ومتجاوزًا الرسمية المكتسبة، وإشارة القيد الإحتياطي الموضوعة على صحيفة القسم المذكور وأحكام المادة 53 وما يليها ويتعلّق بها من قانون الموازنة رقم 144 تاريخ 2019/7/31.
وحضرة قاضي الأمور المستعجلة في بيروت لم يتقيّد بحدود اختصاص محكمته، وتجاوز ذلك الاختصاص فنصُّ المادة 579 أ.م.م واضح وقد حدّد شروط اختصاص محكمته، والفقرة الثانية من المادة المذكورة أعطت المدعي الحقّ بأن يطلب إخلاء المدعى عليه الذي يشغل القسم موضوع الدعوى، من دون مسوّغ قانوني، فهو الأولى بإدارة شؤون عقاره، ولا مجال قانونًا، لاعتبار المدعى عليه مستفيدًا من ميراث غير موجود أصلًا، سبق لوالدته أن باعته بموجب عقد وكالة بيع رسمية غير قابلة للعزل، وإن اكتفى المدعي بوضع إشارة قيد احتياطية على صحيفة القسم، تطبيقًا لأحكام المادة 25 من القرار رقم 188 تاريخ 15-3-1926 حيث إنّ وضع إشارة الوكالة غير القابلة للعزل على صحيفة العقار، يضفي عليها طابع القيد الإحتياطي المنصوص عليه في المادة المذكورة، حفظًا لحقوق المشتري تجاه أيّ كان، (محكمة بداية جبل لبنان – الغرفة الثانية – الهيئة الحاكمة – الرئيس حجّار والعضوان عيسى الخوري ومشلب رقم الحكم 228 تاريخ 2-5-1983).
فضلًا عن أنّ عدم إتمام التسجيل، لا ينفي حقّ المدعي المصان بممارسة دعواه وحقوقه الشخصية، تجاه المدعى عليه قانونًا أمام قضاء العجلة، كون الوكالة نظّمت وفقًا للأصول واكتسبت الصفة الرسميّة بتنظيمها لدى الكاتب العدل وتسجيلها ووضع إشارة قيد إحتياطية بها على صحيفة القسم المذكور كما هو ثابت من خلال حيثيات الحكم، لا سيّما أنّها سارية المفعول وقانونية ولها قوّتها الرسمية باعتبارها منظّمة بحضور مأمور رسمي وهو الكاتب العدل ومسجّلة وفقًا للأصول.
والمدعى عليه، لا يعتبر في هذه الحالة من الغير الذي قصدته أحكام المادتان 9 و 10 من القرار 188، فالمدعى عليه يعتبر ووفقًا لأحكام قانون الموجبات والعقود، خلفًا عامًا لوالدته، وكلّ العقود التي أنشأتها، تسري بوجهه قانونًا بما فيها عقد الوكالة غير القابلة للعزل المنظّمة منها لمصلحة المدعي.
فكما هو معروف قانونًا، أنّ الخلف العام، هو من يخلف الشخص في الإلتزامات والحقوق المترتّبة بذمّته المالية وهو الوارث، وهو هنا المدعى عليه الذي ينصرف العمل القانوني الذي أجرته والدته البائعة وهو تنظيم عقد الوكالة غير القابلة للعزل إليه ويسري بوجهه ويلتزم بما تضمّنته تلك الوكالة وبمفاعيلها القانونية تجاهه، بل أكثر من ذلك عليه الإلتزام بتسليم المبيع وليس باحتلاله وإشغاله عن طريق التعدّي والغصب ومن دون مسوّغ قانوني.
“فالخلف العام هو من يخلف غيره في ذمّته المالية، فإن تلقّى الذمّة المالية كالوارث الوحيد، فإنّه يطلق عليه بالفرنسية تسمية ( ayant cause universel ).
“والخلف العام يحلّ محلّ سلفه بمقتضى أحكام الإرث والوصية، فيتأثّر بالعقود التي كان المورّث قد أجراها”.
(مراجعة نظرية العقد للدكتور القاضي عاطف النقيب طبعة 1998 منشورات صادر ص – 396).
إذًا إنّ عقد الوكالة غير القابلة للعزل هو تصرّف بالبيع أجرته والدة المدعى عليه لمصلحة المدعي، وبالتالي فإنّ آثار البيع ينصرف إلى المدعى عليه الذي يفرض عليه القانون الالتزام به، وعدم التعرّض المادي أو القانوني لحقوق المدعي في القسم المبيع موضوع الدعوى.
إذًا والحالة هذه، فإنّ حضرة قاضي الأمور المستعجلة قد تجاوز حدود اختصاصه، بتناوله دعوى معروضة على محكمة الأساس وحلّ مكان تلك المحكمة وحكم بخلاف القانون، عندما اعتبر المدعى عليه، مالكًا كونه وريثًا، وأنّ إشغاله للقسم المملوك من المدعي، يستند إلى ما قد اعتبره، حقّه بالإنتفاع بملك لا يملكه خرج من ذمّة والدته ومن إطار الميراث!!
وكان يقتضي حسب المعطيات الواردة في الحكم، قبول الدعوى، وإخلاء المدعى عليه من قسم المدعي الأولى قانونــًا بحمــاية حقّـــه المكرّس بمقتضى عقد البيع الحاصل بموجب عقد الوكالة غير القابلة للعزل، خاصة إذا ما اعتبرنا وكما جاء في الحكم المذكور، وبالرغم من تجاوز الاختصاص، والتناقض الحاصل في الحيثيات، أنّ الدعوى المقامة من المدعى عليه أمام محكمة الأساس لا تزال قيد النظر ولم يصدر بها حكم بعـد.
ب) لجهة المسألة الثانية:
بالرجوع إلى الحكم موضوع التعليق، يتبيّن من خلال ما ورد في حيثياته وفي الفقرة الحكمية، أنّ حضرة قاضي الأمور المستعجلة في بيروت قد خلص إلى نتيجة مغايرة لنصوص القانون وكلّ الاجتهادات المستقــرّة والصادرة عن محاكم الاستئناف ومحكمة التمييز المدنية، المتعلّقة بعقد الوكالة غير القابلة للعزل.
فلقد جاء في حكم حضرة قاضي الأمور المستعجلة، موضوع التعليق أنّ الوكالة غير القابلة للعزل التي يحوزها المدعي المشتري للقسم × ، لا يمكن اعتبارها بحدّ ذاتها عقد بيع ، وإنْ تضمّنت رغبة البائع في البيع!! والثمن واسم المشتري، مع تفويض لوكيل البائع بإتمام الإجراءات وقبض الثمن، إلاّ إذا تقدّم المدعي بطلب تنفيذها وفقًا للأصول أمام المحكمة المختصة وقضي له بذلك!
إنّ قاضي الأمور المستعجلة مصدر الحكم، قد خالف ليس فقط أحكام القانون وإنّما الاجتهادات المستقرّة وأحكام الوكالة غير القابلة للعزل، باعتباره الوكالة غير القابلة للعزل، ليست عقد بيع عقاري.
فمن خلال نصّ المادة 769 من قانون الموجبات والعقود، نجد أنّها نصّت على الآتي:”الوكالة عقد بمقتضاه يفوّض الموكّل الوكيل القيام بقضيّة أو بعدّة قضايا أو بإتمام عمل أو جملة أعمال وأفعال، ويشترط قبول الوكيل”.
فالوكالة هي بحسب القانون عقد، والوكالة غير القابلة للعزل، بحسب الاجتهادات المعتمدة من قبل المحاكم هي عقد بيع وهذا ما استقرّت عليه المحاكم منذ نشأة الوكالة غير القابلة للعزل وكلّ الأحكام القضائية بهذا الخصوص أكّدت ذلك.
“وبما أنّه يتضح أنّ الرأي الجامع في الاجتهاد، يعتبر الوكالة غير القابلة للعزل لتعلّق حقّ الوكيل أو ثالث بها، حيث يصرّح الموكّل، كما هو الحال في الدعوى الحالية، بأنّه أبرأ ذمّة الوكيل من كلّ حقّ أو مطلب، لوصول كامل الحقوق ليده من الوكيل، الرأي الجامع هذا في الإجتهاد يعتبر مثل هذه الوكالة عقد بيع….”.
(إستئناف جبل لبنان – قرار رقم 7 تاريخ 18-2-1993 – المصنّف في الاجتهاد العقاري للقاضي الدكتور عفيف شمس الدين – الجزء الثاني – 1994 – الصفحة 504).
حتّى أنّ الوكالة القضائية العادية التي تنظّم من الموكّل للمحامي الوكيل، هي عقد بنظر القانون والاجتهاد ، فكيف إذا كان العقد عقد وكالة غير قابلة للعزل ، تضمّنت بيعًا لعقار أو قسم من عقار وحدّد فيها اسم الشاري والثمن، مستوفية شروط عقد البيع؟
أما الوكالة، فهي عقد”….. (محكمة التمييز المدنية قرار رقم 80 تاريخ 5-9-1962) (يراجع بهذا الشأن أيضًا ما ورد بخصوص عقد الوكالة غير القابلة للعزل بكتاب د .بيار إميل طوبيا المنشور في العام 1998 عن المؤسّسة الحديثة للكتاب).
إذًا إنّ أوّل مخالفة للحكم المذكور بهذا الشأن أيضًا، هي لأحكام القانون الصريحة والثانية للإجتهادات الصادرة عن المحاكم على اختلافها، فضلًا عن قوانين السجّل العقاري وأصول القيود الاحتياطية والنهائية ومبدأ سريان الإشارة عن طريق الأولوية على الغير وعلى ورثة البائع.
من هذا المنطلق، نرى ومن خلال كلّ ما ورد أعلاه، وبكلّ احترام وتقـدير، ومن منظار رجل القانون، أنّه كان يقتضي على حضرة قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، أن يراعي أحكام القانون المذكورة ، والتي تنطبق على القضية التي كانت معروضة عليه، وكذلك الاجتهادات الصادرة عن المحاكم والتي هي بحدّ ذاتها كفيلة لدحض كلّ رأي مخالف لها، فلا اجتهاد في مورد النصّ ولا اجتهاد مخالف للاجتهادات المستقرّة والمعمول بها، لما فيها من استقرار للعلاقات القانونية بين الناس.
فكان يقتضي قبول الدعوى وتقرير إخلاء المدعى عليه من ملكية المدعي، وأن يأخذ حضرة قاضي الأمور المستعجلة بظاهر الأوراق التي تثبت ذلك بما فيها الإفادة العقارية التي تثبت قيد إشارة عقد الوكالة غير القابلة للعزل على صحيفة القسم، وأن لا يتجاوز حدود اختصاصه والبحث في عمق قضيّة معروضة على محكمة الأساس، ممّا يعرّض قراره للفسخ برأينا للأسباب المذكورة أمام محكمة الاستئناف.
“محكمة” – الأربعاء في 2021/3/3
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!