أبحاث ودراسات

حماية الأطفال في المنازعات القضائية/سماهر برهان

المحامية سماهر برهان الطويل:
يضع قاضي الأحداث يده على ملفّ يتعلّق بالحدث من خلال تقديم شكوى من قبل المسؤول عن الحدث أو من مندوبة إجتماعية أو من النيابة العامة أو حتّى من الحدث نفسه، أو حتّى من قبل القاضي من تلقاء نفسه لو لم يتلّق أيّ إخبار، وإذا صدر قرار من قبل الأخير مخالف للقرار الصادر عن المحاكم الشرعية أو المذهبية بشأن الحضانة، يبادر إلى أذهاننا أنّ هناك تنازعًا إيجابيًا بين القضائين من حيث الصلاحية بشأن النظر في الحضانة ولكن من الناحية القانونية لا وجود للتنازع وهذا ما كرّسته الهيئة العامة لمحكمة التمييز التي يعود لها الإختصاص في فضّ التنازع في حال وجوده.
وحيث إنّ المادة 114 أ.م.م في الفقرة الأخيرة منها نصّت على التالي” لكلّ ذي مصلحة أن يطلب إلى محكمة التمييز بهيئتها العامّة تعيين المرجع:
2- إذا أقيمت دعوى لدى محكمتين مختلفتين أو أكثر وقضت كلّ منها باختصاصها أو بعدم اختصاصها بقرار إكتسب الصفة القطعية.”
وجاء أيضاً في المادة 94 أ.م.م التالي” تنظر محكمة التمييز بهيئتها العامة التي تنعقد بالنصاب المحدّد في قانون تنظيم القضاء:
3- في طلبات تعيين المرجع عند حدوث اختلاف إيجابي أو سلبي على الإختصاص:
ب- بين محكمة عدلية ومحكمة شرعية أو مذهبية.”
حيث إنّه تجب الملاحظة وتمهيداً في المبدأ، أنّ تعيين المرجع في حالة التنازع الإيجابي يهدف أصلاً إلى تحديد أيّ من المحكمتين اللتين صدر عن كلّ منهما قرار أوّلي بحفظ الإختصاص هي المختصّة فعلاً، بحيث يمنع على المحكمة غير المختصّة الإستمرار بالنظر في الدعوى، فيتمّ الحؤول دون احتمال صدور قرارين متناقضين في الدعوى ذاتها.
ومن الشروط المطلوبة لتقديم طلب تعيين المرجع أن يكون القرار الصادر عن المحكمتين قطعيًا أيّ غير قابل لطرق الطعن العادية وهي الإعتراض والإستئناف.
و التنازع الإيجابي يحصل عندما تقرّر كلّ من المحكمتين إختصاصها للنظر بالدعوى الواحدة التي يتحد فيها الموضوع والسبب والخصوم[[i]]. وإذا لم يتوفّر شرط وحدة الموضوع، يُرفَض طلب تعيين المرجع، وقُضي أنّ وحدة الموضوع هي شرط لازم لقيام التنازع على الإختصاص وتعيين المرجع[ii].
وجاء في القانون رقم 2002/422 الصادر تاريخ 2002/6/6 بأنّ اختصاص النظر في قضايا الأحداث المعرّضين للخطر يكون للقاضي المنفرد الناظر في قضايا الأحداث في المخالفات والجنح، وهو اختصاص حصري وآمر[iii]. وهذا القانون وسّع صلاحية محاكم الأحداث من مجرّد هيئة تنظر في الجرائم التي يرتكبها الأطفال إلى سلطة مولجة بحماية هؤلاء الذين يكونون عرضة للخطر بمعزل عن اقترافهم أيّ جرم[iv].وإنّه إستناداً إلى القانون المذكور يحقّ لقاضي الأحداث إتخاذ التدابير الآيلة إلى تسليم القاصر أحياناً للوالد أو الوالدة أو حتّى لمؤسّسة إجتماعية أو أيّ بيئة يرى القاضي أنّها تناسبه دون أن يعتبر قراراه تعدّياً على صلاحيات المحاكم الدينية المتعلّقة بموضوع الحضانة. لأنّ التدبير المتخذ لهذه الجهة هو “حماية الحدث”، ولا ينال من صلاحيات المحاكم الشرعية والمذهبية لأنّه يقتصر على تدابير الحماية ولا يتعدّاها إلى الصلاحيات الشرعية للولي أيّ إذا كانت الحضانة للأب بموجب قرار شرعي مثلاً، فإنّه يبقى مسؤولاً من الناحية الشرعية عن القاصر.
أمّا التدبير المتخذ من القاضي المنفرد فهو يقتصر على حماية القاصر من تأثير بيئة معيّنة غير سويّة قد تسبّب له خطراً في المستقبل مثل الإستغلال الجنسي، الزواج المبكر، العنف الجسدي أو النفسي وغيره، كلّ ذلك يكون وفقاً لتقدير قاضي الأحداث. وبالتالي لا تعارض بين اختصاص القاضي المنفرد الجزائي الناظر في قضايا الأحداث وبين القضاء الشرعي أو المذهبي, إذ إنّ لكلّ من الإختصاصين نطاقاً مختلفاً، الأوّل موضوعه حماية القاصر المعرّض للخطر باتخاذ تدابير حماية درءاً لذلك الخطر، والثاني موضوعه الحضانة ويبقى الأب الولي الشرعي للقاصر ويبقى المسؤول عن القاصر ملتزمًا من الناحية الشرعية عنه خصوصاً لجهة الأمور المتعلّقة بمصالحه[vi]. ما يعني أنّ موضوع الدعوى مختلف وشروط التنازع غير متوفرة من الناحية القانونية لجهة وحدة موضوع الدعوى . والتدابير الحمائية تكون عادةً مؤقّتة وهي فقط من حيث الواقع ترجئ القرارات الصادرة عن المحاكم الدينية إلى أن ينتهي سبب الخطر.
وحيث يستفاد من كلّ ما تقدّم أنّه لا يوجد تنازع واختلاف على الإختصاص بين القضاء الديني وقاضي الأحداث بعكس ما يعتقده القضاء الديني والذي يرى أنّ قضاء الأحداث يتعدّى على صلاحياتهم في تقرير الحضانة وهم يرفضون هذا التدخّل ويعارضونه[vii].
أخيرا،ً قاضي الأحداث هو قاضي حماية، ولبنان هو من الدول التي صادقت على الإتفاقية المتعلّقة بحقوق الطفل لعام 1990، وبالتالي ما يجعل حماية الطفل من صلب مهام القضاء العدلي، وقاضي الأحداث عندما ينظر في ملفّ القاصر المعرّض للخطر لا يكون هدفه الوحيد هو حمايته فقط، بل أيضاً لحماية المجتمع ككلّ من انحرافات أطفاله والتي تهدّده في المستقبل، لأنّ البيئة غير السويّة ستنتج طفلًا غير سوي ما يؤثّر سلباً على المجتمع.
مراجع:
[i]إلياس ابو عيد –أصول المحاكمات المدنية بين النصّ والإجتهاد دراسة مقارنة –الجزء الأوّل –منشورات الخلبي الحقوقية-بيروت لبنان-الطبعة الثانية2011- ص683.
[ii]تمييز مدني: هيئة عامة، قرار صادر بتاريخ 1970/1/15 النشرة القضائية لعام 1970صفحة 1071. بنفس المعنى، تمييز مدني الهيئة العامة، القرار رقم 19، تاريخ 1996/8/12 ,www.legallaw.ul.edu.lb
[iii]إذا كان االحدث مهدّدًا عبر وجوده في بيئة تعرّضه لاستغلال أو تهدّد صحّته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته نصّت المادة 26 من قانون 2002/4422 الصادر بتاريخ 2002/6/6 على التالي:”للقاضي في أيّ من هذه الأحوال أن يتخذ لصالح الحدث المذكور تدابير الحماية أو الحرّية المراقبة أو الإصلاح. عند الإقتضاء يتدخّل القاضي في هذه الأحوال بناء على شكوى الحدث أو أحد والديه أو أوليائه أو أوصيائه أو الأشخاص المسؤولين عنه أو المندوب الإجتماعي أو النيابة العامة أو بناءً عل إخبار التدخّل تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة على النيابة العامة أو قاضي الأحداث أن يأمر بإجراء تحقيق إجتماعي وأن يستمع إلى الحدث أو والديه أو أحدهما أو الوصي الشرعي أو الأشخاص المسؤولين عنه وذلك قبل اتخاذ أيّ تدبير بحقّه ما لم يكن هناك عجلة في الأمر…”.
[iv]نرمين السباعي، مقال بعنوان” قضاة الأحداث في لبنان يرسمون حدود الحماية: صلاحيات المحاكم الشرعية والرواسب الإجتماعية الرجعية”. منشور بتاريخ 2014/6/5 على الموقع الإلكتروني التالي legal-agenda.com آخر زيارة للموقع 2022/12/23.
[vi]تمييز مدني: هيئة عامة، قرار رقم 22 تاريخ 2007/4/23، العدل، 2008، الجزء الأوّل، ص185-185.
ومنشور أيضاً في، رقابة الهيئة العامة لمحكمة التمييز على الأحكام الشرعية والمذهبية والروحية، محمد يوسف ياسين، منشورات الحلبي الحقوقية، طبعة 2013، ص 175.
[vii]نقلاً عن محاضرة ملقاة من قبل رئيس المحاكم الشرعية السنية العليا في بيروت القاضي الشيخ محمد عسّاف بعنوان”الإجتهاد لدى المحاكم الشرعية السنية” 2022/7/7 في نقابة المحامين في طرابلس.
“محكمة” – الجمعة في 2022/12/30

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!