أبحاث ودراسات

إستئناف القرارات الصادرة عن المجلس التأديبي(الحلقة الخامسة)/ناضر كسبار

ناضر كسبار(نقيب المحامين سابقًا):
6- كما ان صلاحية مهمة ايضاً تعود لمحكمة الاستنئاف الناظرة في الدعاوى والقضايا النقابية وهي استئناف القرارات الصادرة عن المجلس التأديبي، والتي تُستأنف من المحامي ضد نقابة المحامين وليس ضد مجلس النقابة او النقيب او هيئة مجلس التأديب التي حكمت في الملف.
وبالفعل.
تنص المادة 96 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على ان مجلس التأديب في نقابة المحامين، يتألف من النقيب العامل او من ينتدبه رئيساً، ومن عضوين يختارهما النقيب لمدة سنة من مجلس النقابة، ويجوز ان يكون احد العضوين من المحامين المقيدين في الجدول العام منذ عشر سنوات على الاقل.
كما تنص على ان هيئة المحكمة ترتدي رداء المحامين الخاص، ومثلها المحامي الماثل امامها ووكيله.
وتنص المادة 97 من القانون عينه على انه يجوز رد اعضاء المجلس التأديبي او احدهم عند وجود سبب من اسباب رد القضاة المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات المدنية. وان مجلس النقابة هو الذي ينظر في طلب الرد ويفصل فيه وفقاً لاصول رد القضاة.
وتضمن القانون مواداً تتعلق بالعقوبات، واخرى تتعلق بأصول المحاكمة وطرق المراجعة.
ما يهمنا هنا هو التركيز على كيفية عمل المجلس التأديبي بصورة مبسطة ومختصرة وواضحة.
وبالفعل:
1- يؤلف نقيب المحامين العامل مجلس التأديب، الذي قد يكون مؤلفاً من غرفة واحدة او عدة غرف.
2- يترأس النقيب مجلس التأديب او ينتدبه رئيساً. ويجب ان يكون الرئيس قد مضى على تسجيله في جدول المحامين العاملين عشرون سنة على الاقل.
3- يتألف مجلس التأديب من الرئيس ومن عضوين يختارهما ايضاً النقيب لمدة سنة من مجلس النقابة. ويجوز ان يكون احد العضوين من المحامين المقيدين في الجدول العام منذ عشر سنوات على الاقل. يتبين مما تقدم ان المبدأ هو ان يكون العضوان من مجلس النقابة. والاستثناء ان يكون احدهما عضواً في المجلس. من هنا برز اجتهاد جديد لمحكمة استئناف بيروت برئاسة القاضي أيمن عويدات، والتي اكدت على وجوب حضور جلسات مجلس التأديب بشكل دائم، عضو مجلس النقابة المكلف من قبل النقيب. وبات النقباء يعينون عضواً اصيلاً وعضواً رديفاً في المجلس التأديبي، يكون عضواً ايضاً في مجلس النقابة، ليتسنى لعضو مجلس النقابة حضور جميع جلسات المجلس التأديبي. وفي حال غيابه يحضر العضو الرديف.
4- ترتدي هيئة مجلس التأديب رداء المحامين الخاص، ومثلها المحامي الماثل امامها ووكيله. وبالتالي جاء النص واضحاً حول وجوب ارتداء روب المحاماة من قبل المحامي المحال امام المجلس التأديبي وليس كما يعتقد البعض من انه لا يحق له ذلك.
5- كيف يضع المجلس التأديبي يده على الملف؟
الجواب واضح، وهو ان النقيب هو الذي يحيل المحامي امام مجلس التأديب. ولكن ضمن شروط.
– عندما يرى النقيب ان هناك مخالفة مسلكية مرتكبة من قبل محامٍ، او عندما يرد إخبار مقدم له او شكوى، يحيل الشكوى او الإخبار، او الكتاب من قبله امام عضو مجلس نقابة حالي او سابق. وقد يستمع للمحامي المشتكى منه شخصياً دون إحالته امام محقق آخر. وبعد الاستماع للمحامي من قبل المحقق، ينظم تقريراً موضوعياً يرفعه الى النقيب الذي إما يحفظ الشكوى او الإخبار، او يوجه تنبيهاً شفوياً او خطياً للمحامي، او يحيله امام المجلس التأديبي.
6- يترأس رئيس مجلس التأديب الجلسة، ومعه العضوان. وتجري المحاكمة امامه بصورة سرية. وتبلغ الدعوات والاحكام وفقاً للاصول. ويحضر المحامي المحال امام المجلس إما لوحده او يحضر معه محامٍ وكيل. والمفارقة المهمة انه لا يحق للشاكي الحضور شخصياً او بواسطة وكيله. ولا يحضر إلا بناء على قرار المجلس بالاستماع اليه كشاهد.
7- يصدر مجلس التأديب قراره إما باعلان براءة المحامي. او بتوجيه تنبيه او لوم او منع من مزاولة المحاماة مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات. او الشطب من جدول النقابة.
8- تقبل الاحكام التأديبية الصادرة بصورة غيابية الاعتراض في مهلة عشرة ايام تلي تبليغه الحكم شخصياً او بكتاب مضمون مع اشعار بالوصول.
أما الاحكام الوجاهية فتقبل الاستئناف من قبل المحامي او النيابة العامة الاستئنافية خلال عشرة ايام تلي التبليغ. وذلك امام محكمة الاستئناف في بيروت (او في طرابلس للاحكام الصادرة عن مجلس التأديب في نقابة المحامين في طرابلس)، الناظرة في الدعاوى النقابية، والتي ينضم اليها عضوان من مجلس نقابة المحامين شرط الا يكونا قد نظرا في القضية بداية ضمن مجلس التأديب. وللمحكمة ان تنظر في الملف بقبول الاستئناف شكلاً ام لا، وفي الاساس إما تصدق قرار مجلس التأديب او تفسخه وتحكم مجدداً في الملف. وقرارها لا يقبل التمييز.
9- طُرحت نقطة مهمة كانت مدار بحث معمق حول ما اذا كانت قرارات مجلس التأديب معجلة التنفيذ ام لا. وبعد ان كان اجتهاد المحاكم يأخذ بما جاء في المادة 110 من النظام الداخلي للنقابة حول صدور القرار معجل التنفيذ عن المجلس. إلا ان محكمة الاستئناف برئاسة القاضي أيمن عويدات في عدة قرارات حديثة، اعتبرت انه على المحاكم التقيد بمبدأ تسلسل القواعد عملاً بأحكام المادة 2 من قانون اصول المحاكمات المدنية. وان المادة 110 من النظام الداخلي التي نصت على تعجيل نفاذ القرار الصادر عن المجلس التأديبي، لا يمكن ان تتجاوز نص قانون اصول المحاكمات المدنية الذي يتقدم في التطبيق على نص النظام الداخلي لنقابة المحامين. وان نص المادة 570 اصول مدنية يعتبر معجل التنفيذ اي حكم او قرار ينص القانون على تعجيل تنفيذه.
10- يحق للمحامي الذي صدر قرار تأديبي بشطب اسمه نهائياً من جدول النقابة، ان يطلب بعد مضي خمس سنوات كاملة على صدور ذلك الحكم الى مجلس النقابة اعادة تسجيل اسمه في جدول المحامين. فاذا رأى المجلس ان المدة التي مضت كافية لازالة اثر ما وقع منه، قرر اعادة تسجيل اسمه، واذا رفض المجلس الطلب فلا يجوز تجديده الا بعد مرور سنتين ولا يجوز تجديد الطلب بعد رفضه مرتين.
11- يبقى ان اسباب الإحالة امام مجلس التأديبي، الذي تعتبر المحاكمة امامه محاكمة عائلية كما جاء في الاجتهاد الفرنسي Familiale، تتعلق بالاخلال بالواجبات المهنية، او إقدام المحامي اثناء مزاولة المهنة او خارجاً عنها (المادة 99 من القانون) على عمل يحط من قدرها او يسلك مسلكاً لا يأتلف وكرامتها.
فرسالة العدالة لا تتحقق إلا بسلوكية معينة ايجابية الطابع، اذ يعتبر المحامي من نخبة المجتمع ومن حماة القانون، وتبعا لذلك يتعين عليه ان يتمتع بحسن الآداب وطيب السمعة في كل الاعمال ويفترض عليه ان يسلك الطرق والوسائل القانونية في كافة الظروف، بحيث انه اذا اخل بتلك المبادئ سواء في معرض ممارسة المهنة او خارجها تعرض للمساءلة المسلكية.
***
وبتاريخ 2022/1/21، وكنت نقيباً عاملاً اصدرت التعميم الآتي:
من :  نقيب المحامين في بيروت.
الى: الزميلات والزملاء رؤساء وأعضاء المجالس التأديبية.
بالإشارة الى الاجتماع الذي عقد نهار الاثنين في 2022/1/10، نرى توضيح بعض المسائل الذي عرضت فيه وجرى التوافق على مراعاتها في المحاكمة التأديبية.
أولاً: في وضع يد المجلس التأديبي على الملف.
يستفاد من المادة 102 من قانون تنظيم مهنة المحاماة أن النقيب يطّلِع على المخالفة المسلكية إما عفوياً أو بموجب شكوى إخبار يقدمان اليه. وأن الإجراء الأول الذي يتخذه النقيب هو الإستماع الى المحامي المنسوبة له المخالفة أو تكليف أحد أعضاء مجلس النقابة العاملين أو الدائمين أو السابقين للقيام بهذه المهمة عملاً بالمادة 106 من النظام الداخلي.
بعد الاستماع الى المحامي المنسوبة له المخالفة، يكون للنقيب إما حفظ الملف أو الإكتفاء بتوجيه تنبيه اخوي له أو تقرير إحالته الى المجلس التأديبي.
وعليه، فإنّ المجلس التأديبي يضع يده على الملف بموجب قرار النقيب مع تسجيل الملاحظتين التاليتين :
الأولى: أن أي خلل في الإجراءات أعلاه، وخاصة لجهة الإستماع للمحامي ، يؤدي الى بطلان قرار الإحالة الى المجلس التأديبي.
الثانية: إذا تجاهل المجلس التأديبي الخلل، فإن قراره سيكون عرضة للإبطال من قبل محكمة الاستئناف في حال طعن به. وهذا هو الرأي الراجح في الإجتهاد.
ثانياً: في مرحلة ما بعد الإحالة الى المجلس التأديبي.
بعد صدور قرار النقيب بالإحالة الى المجلس التأديبي، ترتفع يده عن الملف، ولا يعود له أي حق بالتدخل فيه بعد ان يصبح في عهدة المجلس. وحول ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة 102 من قانون المحاماة التي تنص:” وعلى النقيب أن يسهر على سرعة الفصل بالقضية “، نرى أن التفسير الصحيح يجب الا يثير أي إشكال ، اذ المقصود هو ان يحرص النقيب على إصدار الحكم في مهلة معقولة، وبالتأكيد لا يعود للنقيب ولا يحق له التدخل للتأثير على قناعة المجلس أو الطلب منه إصدار حكمه بمضمون معين أو بنتيجة معينة. في حال توافر أي استحالة مادية أو قانونية تحول دون مباشرة إجراءات المحاكمة أو إصدار الحكم، يحيل النقيب الملف الى غرفة أخرى .
ثالثاً: في أصول المحاكمة لدى المجلس التأديبي.
1- من خصائص المحاكمة التأديبية أنها سرية (المادة 106 مهنة).
2- أي أصول يطبق المجلس التأديبي؟ الجزائية، المدنية ، الإدارية…؟
يبدو من نص المادة 105 من قانون المحاماة أن المجلس ليس مقيداً بأي أصول باستثناء ما يتعلق منها بحقوق الدفاع وحسن سير العدالة.
والمهم في الموضوع هو تحديد وتفسير المقصود بعبارة ” ضمانة حقوق الدفاع وحسن سير العدالة ” ، لأنها عبارة واسعة المدى من حيث التطبيق.
فتأمين حقوق الدفاع يعني:
 إبلاغ المحامي المحال أو وكيله في حال طلب ذلك، نسخة عن كل الأوراق الموجودة في الملف وبوجه خاص: الشكوى أو الإخبار (في حال وجودهما) محضر الإستماع اليه من قبل النقيب أو المنتدب من قبله، قرار الإحالة. محضر استجواب المحامي من قبل المجلس، محضر إستماع شاهد …الخ.
 إعطاء المحامي المحال أو وكيله المهلة المعقولة لتقديم دفاعه أمام المجلس أو أي تعليق على الإستجواب أو شهادة الشاهد أو أي مستند يبرز في الملف.
 أن للمجلس الحرية التامة في إعتماد أي وسيلة إثبات وإجراء أي تحقيق يراه مناسباً لجلاء الحقيقة، كما له أن يحدد الأصول التي يراها مناسبة في المحاكمة وإجراءاتها.
3- في حال كان المحامي حاضراً في الجلسة الأخيرة، يعطى له الكلام الأخير ويعلن رئيس المجلس ختام المحاكمة وتحديد موعد لإفهام الحكم. أما في حال لم يكن حاضراً، فيعلن رئيس المجلس ختام المحاكمة ويحدد موعد إفهام الحكم.
4- يستحسن أن تتضمن الفقرة الحكمية في القرار التأديبي النهائي أنه معجل التنفيذ عملاً بالمادة 116 من النظام الداخلي وسنداً للمادة 572 أ.م.م. باعتبار أن التأديب هو من القضايا التي تتوفر فيها العجلة . مع لفت النظر الى أن من الأفضل أن يتضمن القرار التأديبي تعليلاً لهذه الجهة مفاده أن استمرار ممارسة المهنة من المحامي المحكوم عليه تأديبياً من شأنه أن يلحق الضرر المادي بموكليه والضرر المعنوي بمهنة المحاماة. والسبب لذكر ذلك رغم وجود المادة 116 من النظام الداخلي هو أن اجتهاد محكمة استئناف بيروت مستقر على القول بأن القرار التأديبي ليس معجل التنفيذ لأن النظام الداخلي لا يمكن أن يعلو على القانون.
5- نرى أنه ليس ما يمنع أن يصدر الحكم التأديبي مع منحة وقف تنفيذ العقوبة.
رابعاً: في وصف الفعل.
هل أن المجلس التأديبي مقيد بقرار الإحالة وما اذا كان يشكّل مخالفة مسلكية ام لا؟
    بالتأكيد، للمجلس الحرية الكاملة وهو ليس مقيداً بقرار الإحالة. إنما لا يمكن المجلس، وإذا ثبت له في معرض استثبات الوقائع والتحقيقات التي يجريها وجود فعل آخر يشكل مخالفة مسلكية أن يرتكز على هذا الفعل الجديد للحكم على المحامي المحال، بل يعلم النقيب بما تبين له ويكون للنقيب إتخاذ ما يراه مناسباً.
وبالنتيجة،
أن المجلس التأديبي له الحرية الكاملة في اتخاذ القرار المناسب على ضوء قناعته القانونية والواقعية.
يتبع
“محكمة” – الجمعة في 2024/3/22

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!