مقالات

نقابة المحامين ليست حلبة تصارع للأحزاب

بقلم المحامي سامي أبو جودة:
يكفي أن نرى ما عنونته بعض الصحف عند إعلان نتائج الإنتخابات الأخيرة في نقابة المحامين في بيروت لكي ندرك مدى التدهور الذي أصاب “أمّ النقابات” التي ضمّت منذ الإستقلال رجال الفكر والرأي والحكمة. إليكم أنموذج عن تلك العناوين:
– “تناصفت النتائج بين المستقلّين والأحزاب في انتخابات المحامين”، و”التحالفات غير المعلنة تبعد مرشّح “أمل” عن مجلس نقابة المحامين”، و”انتخابات نقابة المحامين: خسارة مرشّح العهد وضرب الميثاقية”.. إلى ما هنالك من تعابير…
يبدو للقارئ المحايد أنّ الأحزاب قد استعارت مسرح النقابة واعتمدته حلبة للمنافسة والصراع في ما بينها. كأنّ الصراعات السياسية لم تكفها في حلبة تقاسم المناصب والوزارات ومناطق النفوذ. هذه المسرحية السوداء المتكرّرة شكّلت وصمة عار في تاريخ نقابة المحامين من حيث التطفّل على حرّيّتها واستقلاليتها. لقد أصبح مقلقاً بقدر ما هو مزعج هذا الأسلوب من التداخل بين الأحزاب ونقابة المحامين. فكأنّ كلّ حزب يطمح إلى الهيمنة على النقابة. إنّ صراعات الأحزاب في ما بينها بالسياسة، هو حقّ مجازٌ لها في سياق ممارسة الديمقراطية. لكنّ محاولة كلّ منها “وضع اليد” على نقابة المحامين تحقيقاً لطموحاته هو أمر مستهجن ومرفوض. لأنّ هذا النوع من الصراعات يضرّ في مصلحة الأحزاب ذاتها بقدر ما يؤذي النقابة وأهلها، ويعتدي على حرّيتها واستقلاليتها المعقودين لها منذ أن كانت نشأتها قبل فترة الإستقلال، وبالطبع قبل نشوء أيّ حزب من الأحزاب المتصارعة اليوم في ما بينها.
فإذا كان مقبولاً أن تتدخل الأحزاب في شؤون أيّ من النقابات، فليس مقبولاً بأيّ وجه من الوجوه، وبأيّ شكل من الأشكال أن تتدخّل في شؤون وشجون نقابة المحامين.
يجب على الأحزاب ذاتها أن تعي أنّ تدخّلها السافر في شؤون نقابة المحامين هو تعدّ على حرّيتها واستقلاليتها ويجب أن يدرك أيّ من الأحزاب ومهما علا شأنه وعزَّ انتشاره، أنّه لن يكون بإمكانه أن يحتضن كلّ الطوائف والأطياف والمناطق. ولن يكون بإمكانه توحيد أهدافهم ومصالحهم وتطلّعاتهم لأنّ هذه الأهداف والمصالح والتطلّعات تبقى دائماً متناقضة وأحياناً متضاربة في ما بينها. هذا في حين أنّ المحامين الذين تتألّف منهم النقابة يبقى محتماً عليهم أن يكونوا متضامنين في توحيد أهدافهم ومصالحهم وتطلّعاتهم. مع الإشارة إلى أنّ نقابة المحامين تتميّز بما لم يتسنّ لأيّ حزب أن يتميّز به. أيّ أنّها تتضمّن جميع التيّارات والطوائف والأحزاب على امتداد الوطن كلّه.
إنّ هموم المحامين جميعاً، وإلى جانب اهتماماتهم والمشاكل التي تتخبّط بها نقابتهم تملي عليهم أن يلتزموا بالمبادئ والقيم التي ورثوها عن النقابيين الأوائل، وأن يكونوا نقابيين وفقاً لما تقتضيه مصلحة نقابتهم وتوجّهاتها، وأن يقاوموا أيّ تدخّل في شؤونهم، وأيّ تعدّ على حرّيتهم واستقلاليتهم من أيّ جهة أتى. بذلك تحفظ النقابة حرّيتها واستقلالها ويبقى لها الدور الرائد المعقود لها.

يطرح المحامي سامي أبو جودة سلسلة أسئلة يصفها بـ “المزعجة”، وقد بقيت بدون أجوبة لها، وهي:
1- متى يمكن أن تنتهي أعمال الترميم في قصر العدل المركزي في بيروت؟ وهل نأمل أن تنتهي على أيّامنا؟
2- هل يوجد في العالم كلّه قصر للعدل يجري الدخول إليه من بابه الخلفي؟ وهل يقبل أحدنا عند استقبال أيّ زائر له أن يدخله إلى بيته من باب المطبخ؟ وما هي الأسباب التي تحول دون إعطاء هذا الموضوع الإهتمام اللازم للحفاظ على كرامة أهل العدل ذاتهم والاحترام المفروض في العدالة؟
3- هل تستقيم العدالة ويتأمّن تحقيقها بالإستناد إلى قوانين تخطّاها الزمن، وعلى رأسها أصول المحاكمات الجزائية والمدنية والتي أصبحت السدّ المنيع بوجه تحقيق العدالة؟.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 19 – تموز 2017).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!