مقالات

لا إمامي سوى عقلي

بقلم النقيب عصام كرم:
اتّصل مصحّحاً:مارتين أُوبري إبنة جاك دولور، لا إبنة ميشال روكار. شكراً للنقيب فادي غنطوس.
قانون الإنتخاب إبن مَن؟ كثيرون يدّعون أُبوّته. ومنهم من اعتبره إنجازاً. نعم. ولا. نعم … هو إنجاز لأنّه كان. ولأنّه طلع من الأكثري إلى النسبي. ومن يدري؟ قد يكون ذلك فاتحة درب السلامة. وقد يكون مدعاةً إلى تلاوة فعل الندامة. ولا … لأنّه جاء إبن الساعة الأخيرة مع ما تحتّمه الساعة الأخيرة من تنازلات وعمليات تهريب.
لبنان تعوّد إنجازات الساعة الأخيرة. دستور 1926 كان إبن الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليل 22-23 أيّار في اتّصال بين موسى نمّور، رئيس المجلس التمثيلي ورئيس اللجنة الإثني عشريّة وبين المفوّض السامي هنري دو جوفنيل… فيدعو المجلس إلى الإجتماع في 23 أيّار … وكان يوم أحد … وصُدّق الدستور. ألمراسيم الإشتراعية في زمن كميل شمعون بنت الساعة الأخيرة. داهم الوقت. فصار الكَتَبة يؤخّرون الساعة حتّى لا تبلغ الثانية عشرة… وطلع الصبح والكتبة يكتبون وفي بالهم أنّ عقارب الساعة عصيّة على بلوغ نصف الليل. في الزمن السوري كانت قوانين الإنتخاب تنزل في الساعة الأخيرة.
كنّا، كلّما نُشر قانون في عهد الياس سركيس، ننتقد النصّ. فيقول هو:أحسن ما في هذا القانون أنّه صدر. في مطلع ثمانينات القرن العشرين وضع فرانسوا ميتران وجورج مارشي المانيفيستو المشترك بين الحزب الإشتراكي والحزب الشيوعي. وظلّ ميتّيران ومارشي يكتبان حتّى طلع الصباح. فقال ميتّيران Aléa jacta est . هكذا شاء القَدَر. هي كلمة يوليوس قيصر يوم اجتيازه ” الروبيكون”. فهل كانت هي… هذه الكلمة… كلمة ميشال عون يوم لقائه الحميم مع سعد الحريري؟ مرّات كثيرة، يرضى صاحب القرار بما لم يكن قراره. مع أنّ ميشال عون كان واضحاً: عهدي لم يبدأ بعد. حسابنا بعد الإنتخابات النيابية. إذاً … بعد تطبيق قانون الإنتخاب. ألقرن العشرون لم يبدأ في مطلع 1901. بل في سنة 1914. والقرن الحادي والعشرون لم يبدأ في نهاية الألفيّة الثانية. بل بعد 11 أيلول 2001.
قانون الساعة الأخيرة في مجلس الوزراء… وفي مجلس النوّاب… ومجلس النوّاب يريد نفسه سيّد نفسه… حَكَم العقل “اللبناني” نصوصه. لذلك من حقّ الناس أن يسألوا: هل كان لازماً بعض الدَّلَع حتّى قام من يُلقي عظة اللعب على حافّة الهاوية؟ وسؤال بعد: هل تأمّنت مصلحة المسيحيّين؟ كأنّ من حقّنا أن ننسى أنّ” السياسة المسيحية” أوصلتنا إلى هنا.
ألحروب المسيحيّة المسيحيّة. مقاطعة الدولة… في الوظيفة العامة وفي الإنتخابات العامة. وكأنّ من حقّنا أن ننسى كلاماً قبل الطائف: لو كان الوضع المسيحي أفضل كان الطائف جاء أفضل. وكأنّ من حقّنا أن ننسى كيف واجهْنا الطائف وكيف تصرّفنا تجاه النوّاب الذين أقرّوه. وكأنّ من حقّنا أن ننسى كيف استقبلنا حكومة العسكريين برئاسة ميشال عون… وهي أيضا”بنت الساعة الأخيرة … نعتبرها “حكومة إستقلال ونصّ” … ثمّ نحترب ضدّها في عمق “بيروت الشرقية”.
أنا أفهم الحرص المسيحي على استعادة الملْك. لكنّي أفهم كذلك عدالة المحاسبة… محاسبة الذين أضاعوا الملْك… إلى أن وعوا في الساعة الأخيرة … دائماً في الساعة الأخيرة… أنّ الوفاق والعقل وحدهما يكفلان استعادة التاج الهاوي.
ميشال عون ما أحبّ الطائف. فليس غريباً أن يسعى، بما تيّسر، للإطلالة عليه… تعطيلاً … أو، على الأقلّ، تعديلاً. هنري بونسو، المفوّض السامي الفرنسي الآتي بعــــد دوجوفنيل، ما أحبّ دستور 1926… فعلّق مفعوله يوم أُتيح له ذلك… والمناسبة ترشيح محمّد الجسر لرئاسة الجمهورية… فكان “نظام 9 أيّار” الباقي معمولاً به حتّى ألغاه المفوّض السامي داميان دو مرتيل، خليفة بونسو، في مطلع سنة 1936.
ولكنْ … هل ميسورٌ مسّ الطائف؟ وهل من الحكمة إثارة الهاجس الطائفي، فتستيقظ شياطين الطائفية ويستسقي حديث التعديل الخبيء أحاديث تعديلات هي أيضاً خبيئة مستورة بورقة تين؟
* * *
ما تغيّر شيء في لبنان من أيّام القيسية واليمنية … إلى أيّام 8 و 14 آذار. صحيح أنّ الكتلتين صارتا حديث ذكرى. لكنّ العقليّة باقية هي إيّاها. ألراديكالية نفسها تغشى العالم. والراديكالية تَلِدُ الإرهاب. فئة من الشعب تفرض نفسها وتتصرّف. ما كلّ الرُّوس قالوا بـ الغولا . لكنّ روسيا الغولاغ انوجدت. وحكمت. وما كلّ الألمان بنازيّين. لكنّ النازيّة قادت ألمانيا… إلى الهزيمة في النتيجة. 8 و 14 آذار حالة مقيمة… لبنانياً وعالمياً.عشيّة دخول دونالد ترامب البيت الأبيض قالت الـ نيويورك تايمس إنّه عميل موسكو. كلّ خطواته غير مألوفة. خصوصاً رقصة التانغو مع فلاديمير بوتين. نيويورك استخفّت بـ ترامب. لكنّ العرقيّة الأميركية غلبت. كأنّ المسيحيين البيض… يقول سلمان رشدي… عضّوا على جرحهم ثماني سنوات طوال ولاية باراك أُوباما المسلم الحنطيّ.
8 و 14 آذار. أوليس هذا وجه المعركة ضدّ حزب الله عبر حديث العقوبات … من واشنطن إلى بيروت مروراً بمعركة البادية السوريّة وتلاقي الجيش السوري و”الحشـــــــــد الشعبي” العراقي على الحدود السوريّة العراقية من ريف السلميّة إلى ريف السويداء وصولاً نحو معبر الوليد؟
* * *
ألحكم للعقل اللبناني. وهو راجح والحمد للّه. والمسؤول يعرف ذلك. خطابه تغيّر. لأنّ كلام المرشّح غير كلم الحاكم. إيمّانويل ماكرون في خطاب التولّي كان غير إيّمانويل ماكرون في خطاب المناظرة مع مارين لوبين. ولنجرّب النسبيّة.والإنتخابات قانون وتأليف لوائح. مع أنّنا بكلٍّ تَداويْنا فلم يشفَ ما بنا. ولنضرب المجرم حفاظاً على الحياة. ولنلتفت إلى الشؤون الحيوية والحياتيّة!
كم أنا معجبٌ بمن قال: لا إمامي سوى عقلي!
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 19 – تموز 2017).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!