أبرز الأخبارمضبطة حوار

سناء علم الدين لـ”محكمة”: دعاوى “بنك المدينة” القائمة تتعلّق بشيكات مسروقة.. والقضاء سينصف أبو عيّاش/فريال الأسمر

حاورتها المحامية فريال الأسمر:
قال الأديب اللبناني جبران خليل جبران إنّ “قلب المرأة لا يتغيّر مع الزمن، ولا يتحوّل مع الفصول، قلب المرأة ينازع طويلاً، ولكنّه لا يموت”، وقالت الأديبة المصرية نوال السعداوي إنّ “جريمتي الكبرى هي أنّني إمرأة حرّة في زمن لا يريدون فيه إلاّ الجواري والعبيد. ولدت بعقل يفكّر، في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل”.
إنّ هذين النموذجين من التعبير الإنساني عن المرأة ودورها في الحياة وأهميّة وجودها، يؤكّدان بما لا يقبل الشكّ، بأنّ موضوع المرأة حظي بقسط وافر من الجدل على مرّ العصور، ولكن حبّ إثبات النفس الذي كان يسري في عروق بعض النساء في القِدَم، دفعهنّ إلى تحقيق إنجازات غير مسبوقة.
فعلى صعيد القانون والمحاماة والقضاء، فإنّ السيّدة بوليت امسلند التامر فتحت باب انتساب المرأة إلى نقابة المحامين في بيروت، قبل أن يتكرّس حقّ المرأة في مزاولة المهنة بقرار معلّل صدر في عهد النقيب دعيبس المرّ في معرض قبول انتساب المحامية نينا طراد كمحامية متدرّجة في مكتب النقيب بترو طراد، كما أنّ المحامية جاكلين مسابكي أوّل محامية تنتخب عضواً في مجلس النقابة في العام 1965، ثمّ تبعتها زميلات أخريات، إلى أن انتخبت المحامية أمل حدّاد نقيباً في العام 2009.
والمحامية سناء علم الدين واحدة من المحاميات المتوثّبات دائماً للعطاء، وهذا ما تجلّى في مشاركتها في عدد من اللجان النقابية وترؤسها لجنة العلاقات العامة في نقابة المحامين في بيروت، أثبتت خلالها قدرات نقابية جديرة بالتقدير، وهي سيّدة مجتمع، وأمّ مثالية رفدت مسيرة العدالة في لبنان بامرأتين هما المحامية ميرنا ملاّك، والقاضية ميراي ملاّك التي ما فتئت تقدّم أحكاماً وقرارات تنمّ عن اهتمام كلّي بتنفيذ القانون إحقاقاً للحقّ.
ولمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف في الثامن من شهر آذار من كلّ عام إنفاذاً لقرار مؤتمر الإتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الملتئم للمرّة الأولى في العاصمة الفرنسية باريس في العام 1945، إلتقت “محكمة” المحامية سناء علم الدين إبنة العائلة العريقة في منطقة المنية الشمالية، وصاحبة القلب الوفي والنقي والعقل الراجح والتي استطاعت أن تجري نوعاً من التوازن بين اهتمامها بأسرتها وتركيزها على العمل القانوني المضني، وكان معها هذا الحوار:
• كيف بدأت مسيرتك المهنية ولماذا اخترت مهنة المحاماة؟.
لقد كان لديّ شغف كبير لدراسة الحقوق، وممارسة مهنة المحاماة، ولم يمنع زواجي وإنجابي لابنتي من أن أحجز لنفسي مقعداً في كلّيّة الحقوق في الجامعة اللبنانية، وفي العام 1990 تسجّلت كمحامية متدرّجة في مكتب المحامي والنائب والوزير نصري المعلوف الذي كان من كبار رجال القانون والمحامين اللبنانيين في الشقّ الجزائي، بعدما طرقت بابه من دون أيّ “واسطة”، ودون معرفة مسبقة، معتمدة في ذلك على دراستي وكفاءتي المهنية، وإجازة الحقوق، وبعد إجراء المقابلة معه، وافق على تدرّجي لديه إلى أنْ فزت بامتحان الإستئناف الشفهي من أوّل دورة، واخترت مكتباً لي للعمل كمحامية مستقلّة.
التوفيق بين الحياة العملية والإجتماعية
• ما هي العقبات والصعوبات التي تواجه المرأة في ساحة العمل؟.
تحتوي ساحة العمل بمختلف مجالاتها، على العديد من المشاكل التي تصادف المرأة العاملة، وقد تصيبها بأضرار نفسية نتيجة وجودها في بيئة عملية محاطة بالعديد من الطباع والأفكار والشخصيات المختلفة التي قد يصعب التعامل معها، إلى جانب بعض الظروف والعوائق التي تصادف السيّدات بشكل خاص، ما يجعلهنّ يجدن صعوبة في التوفيق بين الحياة العملية والإجتماعية بسبب كثرة الضغوطات النفسية وعدم الراحة في بيئة العمل، كالعنصرية والغيرة والغيبة والنميمة وتشويه السمعة والتحرّش، الأمر الذي يزيد من معاناة المرأة التي قد تلجأ للهروب منه والتخلّي عن مستقبلها المهني.ومع ذلك تبقى شخصية المرأة وصلابتها وعزمها على إثبات وجودها، الدافع الأقوى لتذليل هذه الصعوبات.
• هل العمل في القانون الجزائي أصعب للمرأة ولماذا؟.
نعم، إنّ ممارسة المحامي للشقّ الجزائي يحمل في طيّاته الكثير من الصعوبات، و يعود ذلك إلى أنّ هذا العمل يتطلّب جهداً جسدياً ومعنوياً وفكرياً، لأنّه هنا يتعامل مع حياة الإنسان ويدافع عنه، وهي أغلى ما يملك. وأحياناً أضطرّ للخروج من منزلي في أوقات متأخّرة من الليل جرّاء جريمة أو حادثة وقعت، وهاتفي الخليوي لا يُغلق، كما أنّ العمل يتطلّب باستمرار مراجعة الضابطه العدلية، والمخافر والمفارز القضائية، إلى النيابة العامة، وحضور جلسات التحقيق والاستجواب، لتصل في النهاية، إلى إظهار براءة موكّلك.
• كيف ترين دور المرأة على الصعيدين الإجتماعي والمهني؟.
لا يغفل العاقل أهمّية دور المرأة في المجتمع، إذ بدونها لا يمكن أن تستقيم عجلة الحياة، فالمرأة هي نصف المجتمع، وشريكة الرجل وسنده، وتمتلك المرأة صفات تميّزها عن الرجل وتجعلها قادرة على تقديم معاني الرحمة والحنان لأولادها ورعايتهم الرعاية الصحيحة، كما أنّها تجاهد مثلما يجاهد الرجل من خلال رسالة معيّنة تحملها، فهي الطبيبة والمحامية والمهندسة والمعلّمة والشاعرة والفنّانة.
نمثّل موكّلينا ولسنا طرفاً
• يواجه المحامي صعوبات كثيرة في عمله، ومنها الإعلام كسيف ذي حدّين، ومنها أيضاً اعتبار الخصم أنّ المحامي هو خصمه، في حين أنّه يمثّل موكّله؟.
الحقيقة أنّني شخصياً عايشت هذا الأمر في أحد ملفّاتي القضائية التي جعلت خصمي في الدعوى يشنّ ضدّي شخصياً حرباً إعلامية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فما إنْ ربحت الدعوى لدى محكمة الجنايات، حتّى أقدم خصمي على تركيب قضيّة بعنوان “المحامية سناء علم الدين تلاحق شبكة الدعارة لنضال الأحمدية”، ممّا حدا بي إلى التقدّم بشكوى جزائية ضدّه أحيلت على مكتب الجرائم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي، ووقفت نقابة المحامين إلى جانبي، وتمّت ملاحقة هؤلاء، واتخاذ قرار بإقفال الموقع وحجبه كلّيّاً، لذلك يجب أن يعلم الجميع بأنّنا نمثّل موكّلينا، ولسنا طرفاً في الدعوى.
قضيّة “بنك المدينة”
• حقّقت إنجازات في بعض القضايا التي تولّيت المرافعة والمدافعة فيها كقضيّة “بنك المدينة”، وآل أبو عيّاش التي شغلت الرأي العام لسنوات عديدة، فكيف تابعت هذا الموضوع؟.
في العام 2006، إستلمت وكالة عن إبراهيم أبو عيّاش في ملفّ “بنك المدينة” كونه المساهم الأكبر في مصرفي “المدينة”، و”الإعتماد المتحدّ”، وقد أخذ هذا الملفّ منحى إعلامياً كبيراً وضجّة فكان العمل فيه شاقاً خاصة لإثبات براءة موكّلي الذي كان مطلوباً بـ 23 قضيّة، أي أنّه صدرت بحقّه 23 مذكّرة توقيف غيابية وكتاب انتربول من النيابة العامة التمييزية، واستحصلت على قرارات بوقف تنفيذ هذه المذكّرات الغيابية لكي يتمكّن من الحضور إلى لبنان والمثول أمام القضاء. وأذكر هنا، أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صرّح في العام 2004، بأنّه تمّ تسديد أموال المودعين دون المسّ بالمال العام، ودون تحميل الدولة اللبنانية قرشاً واحداً، وهذا يعني أنّ آل أبو عياش هم من سدّدوا شخصياً هذه الاموال، ولذلك، فإنّ الدعاوى التي ما زالت قائمة تتعلّق بشيكات سرقت من البنك، وأشخاص يطالبون بحقوق ليس لهم الحقّ فيها.
ولا شكّ أنّ الإعلام لعب دوراً هاماً في هذه الدعاوى، لأنّه حينما بدأت أزمة “بنك المدينة”، أصبح يشار إلى آل أبو عيّاش بصفة المتهمّين، دون أن يتحقّق المعنيون ممّا يذكر وينشر، وأنا على ثقة بأنّ القضاء سوف ينصف آل أبو عيّاش وسوف تظهر كلّ الحقائق.
لقد أخذ هذا الملفّ الكثير من الوقت والجهد، وواجهت فيه ضغوطات لم تثنيني عن مواصلة العمل به من أجل إحقاق الحقّ.
تعديل الرسم النسبي على دعوى الأتعاب
• نقابة المحامين مفتاح الشرائع وسنّ القوانين، فما هو النصّ القانوني التي ترغبين من نقابتك أن تعدّل فيه؟.
أتمنّى أن يتمّ تعديل بند الرسم النسبي على دعوى الأتعاب بحيث يصبح رسماً مقطوعاً، لأنّ بعض المحامين يعجزون عن تقديم دعوى أتعاب بسبب الرسم النسبي، على أن تستحصل المحكمة على الرسم النسبي عند قبض المحامي لأتعابه نتيجة الحكم.
• لديك ابنة تمارس مهنة المحاماة، وأخرى قاضية، فهل كان لعملك أثر في اختيارهم لدراسة الحقوق؟.
أجل كان لدراستي الحقوق وعملي في المحاماة، أثر كبير ومباشر لاختيار ابنتي للمحاماة والقضاء، وأنا اعتبر أنّ دراسة الحقوق هي من أهمّ الدراسات والاختصاصات، ومن خلالها يُلمّ المحامي بكافة الأمور السياسية والحياتية، وهي مورد رزق لأعمال كثيرة، فمعظم النوّاب اللبنانيين هم من حملة الإجازة في الحقوق والمسجّلين في نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس.
• ترأست لجنة العلاقات العامة في نقابة المحامين لمدّة خمس سنوات مع عدّة نقباء، فما هي الأعمال التي حقّقتها على هذا الصعيد؟.
لقد كان لي شرف ترؤس لجنة العلاقات العامة، والمشاركة في الأعمال النقابية بمؤازرة النقباء وأعضاء اللجنة، ومنها التحضير لليوبيل الخمسيني للمحامين الذي تمّ من خلاله تكريم مسيرة الخمسينيين مناصري الحقّ، حلفاء القضاء الشريف، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، الأستاذة صونيا إبراهيم عطيّة، والأستاذة عليا بارتي زين اللتان شغلتا منصب العضوية في مجلس النقابة لسنوات مختلفة.
لدعم المرأة في الإنتخابات النقابية
• لماذا برأيك نجد ندرة وجود المرأة في مجلس نقابة المحامين، علماً أنّنا أصبحنا نشكّل 45 بالمئة من المسجّلين في الجدول العام، وبالتالي كتلة وازنة ذات تأثير كبير في الإنتخابات النقابية؟.
برأيي أنّ المسؤول عن هذا النقص هو المحاميات أنفسهنّ، لأنّنا لا ندعم المرأة في الانتخابات، والبعض يعتبر أنّ المحامي الرجل لديه متسع من الوقت لكي يقوم بمهام العمل النقابي، في وقت يعتبر أنّ وقت المرأة محدود لما تحمل من مسؤوليات على الصعيد العائلي، علماً أنّ النقيب أمل حدّاد شكّلت ظاهرة فريدة وهامة من خلال تولّيها مركز نقيب المحامين، وهذا يدلّ على تفوّق المرأة في هذا المجال أيضاً.
إلتزام قانون مهنة المحاماة
• ما هي الكلمة التي ترغبين في توجيهها إلى المحامين الرجال والنساء على حدّ سواء؟.
المحاماة رسالة ووظيفة عامة للدفاع عن الحقّ الخاص والحقّ العام، ويأتي في طليعة أهدافها تحقيق رسالة العدالة كما جاء في المادة الأولى من قانون تنظيم المهنة التي تمارس بروح الخدمه العامة، وهو البعد المعطى لها في الفكر الانكلوساكسوني.
وممّا لا شكّ فيه، أنّه لا توجد مهنة دون أدب، بل يوجد مهنيون دون أخلاق، والمحاماة شرف واستقامه ونزاهة، وهذه ليست كلمات للإستهلاك، بل على كلّ محام أن يجعلها مبادئ يقتضي التقيّد بها وفق نص المادة 80 من قانون تنظيم المهنة. المحاماة كرامة واستقلال وسجّل عدلي مهني وليست مكاناً للراحة، وجوهرها رصانتها ورقّيها وعلّوها وسمّوها، وهذا ما عبّرت عنه المادتان 85 و 86 بمنعهما المحامي من السعي لاكتساب الزبائن بوسائل الدعاية.
كما أنّ المحاماة خطابٌ راق، والتزام جانب الإعتدال في مخاطبة الزملاء والمحكمة، وحفظٌ لسرّ المذاكرة، فلا يفشي المحامي ما اؤتمن عليه أو عرفه عن طريق المهنة، ولذلك على الجميع التزام قانون مهنة المحاماة، لأنّه الباب الذي يبدأون منه.
وأدعو جميع المحامين إلى المشاركة في المعونة القضائية التي تتحمّل النقابة أكلافها لمساعدة المتقاضين، لأنّ المحاماة رسالة إنسانية قبل أيّ شيء آخر.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 15 – آذار 2017).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!