أين أصبح التحقيق بمخالفات السجّل العقاري في جونيه؟
كتب علي الموسوي:
أين أصبح التحقيق في قضيّة الدوائر العقارية في جونيه؟ وما هو مآل الجرائم الجزائية التي وجّهت إلى أمينة السجّل العقاري هناك عند فتح هذا الملفّ في العام 2014، جويس خليل عقل، والموظّفة شريفة وهبة اسطفان وابنها المنتحل صفة موظّف رسمي من دون وجه حقّ، شربل سامي القزّي؟، ولماذا لم يصدر القرار الظنّي لغاية الآن، علماً أنّ النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان أودعت مطالعتها في الأساس دائرة القاضي المولج بالتحقيق؟.
فاللبنانيون سمعوا بأنّ النيابة العامة المالية ادعت بواسطة النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان على الاثنين الأوّلين عقل واسطفان بـ”استغلال النفوذ والسلطة، والإهمال والإخلال بواجبات الوظيفة وعدم تنفيذ الأوامر القانونية، واختلاس أموال عامة”، فيما اقتصر الادعاء على الثالث بـ”انتحال صفة وظيفة عامة”، ولكنّ اللبنانيين لم يعرفوا مصير هذا الادعاء الذي استقرّ في غرفة قاضي التحقيق بيتر جرمانوس، وهو المشهود له بالكفاءة والسرعة القياسية في إنهاء تحقيقاته وإصدار قراراته، ولكنّه على غير العادة والمأمول منه، لم يصدر قراره الظنّي لغاية الآن، علماً أنّ “المطالعة في الأساس” موجودة في مكتبه منذ سنة وشهرين وتحديداً منذ شهر نيسان من العام 2015؟.
وهل صحيح أنّ القاضي جرمانوس الذي لشدّة انهماكه وانشغاله بما تزخر به دائرته من ملفّات ودعاوى متنوّعة التوصيفات الجرمية، لم يجد متسعاً من الوقت لكتابة قراره الظنّي إفساحاً في المجال أمام سلوك الملفّ طريقه الطبيعي إلى المحكمة حتّى ولو كانت الجرائم الجزائية المدعى بها من نوع الجنح، وليس الجنايات؟.
لقد شغلت هذه القضيّة الرأي العام فترة من الزمن بعد عرض تفاصيلها وملابساتها على شاشة التلفزيون في 17 كانون الأوّل 2014، حيث ظهرت حقيقة المخالفات القانونية المشكو منها بشكل واضح لا يقبل أيّ لبس أو استهتار أو تقاعس عن متابعتها إدارياً، ممّا استدعى تحرّك وزارة المالية على وجه السرعة لكبح جماح الإهمال المستشري من دون حسيب، وقدّم الوزير المعني علي حسن خليل إخباراً عن هذا الوضع إلى النيابة العامة المالية أرفق به قرصاً مدمجاً يظهر القزي”وهو غير موظّف يعمل مع والدته الكاتبة في أمانة السجّل العقاري في جونيه شريفة اسطفان في وضع مخالف للقوانين” على ما جاء في كتابه الموجّه إلى النائب العام المالي القاضي الدكتور علي إبراهيم وتنشر”محكمة” صورة عنه.
ثمّ أتبع الوزير علي حسن خليل هذه الخطوة بالموافقة على كتاب النيابة العامة المالية بإعطاء “إذن ملاحقة أمين السجل العقاري في المتن جويس عقل واسطفان لوجود شبهة بارتكابهما جرماً جزائياً” بغية اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقّهما، وتنشر “محكمة” صورة عنه أيضاً.
ألاّ تستحقّ هذه القضيّة متابعةً حثيثة لكي تتوّج بالخاتمة المرجوة بإحالة من تثبت التهمة عليه حتّى ولو كانت جنحة، على المحاكمة لكي ينال العقوبة اللازمة وبما يترك أثراً رادعاً لدى موظّفين آخرين قد تسوّل لهم أنفسهم القيام بالمخالفات ذاتها؟.
أين مجلس القضاء وهيئة التفتيش؟
ومن يريد إقفال هذا الملفّ بغير الطرق القانونية المعتمدة؟، وأليس من حقّ الرأي العام أن يدرك مليّاً أنّ لهذا النوع من الملفّات، الأولويّة على ما عداه من القضايا لدى القضاء الذي نريده أن يكون الملجأ الأوّل والأخير للمواطنين لكي ينالوا حقوقهم ضمن القانون؟.
وهل يحقّ للقاضي جرمانوس أن يترك الملفّ لديه طوال هذه المدّة الزمنية من دون إصدار قرار ظنّي فيه، وهو المعروف بمهارته في البتّ بالملفّات التي تحال عليه؟، وإذا كان “يستشعر حرجاً” ما، فلماذا لم يتنحّ لكي ينقل الملفّ إلى قاضي تحقيق آخر في بعبدا؟، وأين هو مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي من كلّ ذلك؟.
كلّها أسئلة واستفسارات من المعنيين صوناً للحقّ العام ولسلامة العمل القانوني السليم، يجب أن تتوّج بالدفع نحو سلوك الملفّ الطريق القانوني الطبيعي.
إخبار المحامي المصري
ماذا في تفاصيل هذا الملفّ؟.
في 4 شباط 2015، أودع القاضي إبراهيم كامل ملفّ هذه القضيّة النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان بواسطة النائب العام التمييزي، طالباً إقامة الدعوى العامة ضدّ الثلاثة المذكورين آنفاً وكلّ من يظهره التحقيق، مع الإشارة إلى الطلب بإصدار كلّ مذكّرة يقتضيها التحقيق ومتابعة الملفّ حتّى نهايته.
وأحال القاضي إبراهيم كامل أوراق ملفّ الدعوى وبينها إخبار وزارة المالية المعنية الأولى بما يحصل في السجّل العقاري في جونيه والتابع لها إدارياً ووظيفياً، والإخبار المقدّم من المحامي صلاح المصري حرصاً منه على انتظام العمل في مرفق عام يعتبر من أهمّ وأخطر المراكز الإدارية المتصلة بمعاملات الناس، ومن أجل حسن سير العدالة.
سلطة الشيخة
ويتلخّص فحوى هذه القضيّة بأنّ الموظّفة شريفة اسطفان المعروفة بـ”الشيخة يمنى” كانت تفرض سلطتها على أمانة السجّل العقاري في جونيه ووصل الأمر باستهتارها بالقانون إلى حدّ إحضار إبنها شربل للعمل معها، وذلك ليقينها بأنّ هناك استفادة مادية تفوّق التصوّر، مع أنّه ليس موظّفاً لا بالتعاقد معه، ولا بالفاتورة، ولا بالساعة، وبالتالي فإنّه لا يجوز له بحكم القانون أن يمارس عملاً ليس مناطاً به، أو أن يقوم بصلاحيات ليست من شأنه ولا علاقة له بها كفتح السجّلات والتدوين فيها، والدخول إلى الحاسوب الخاص بالسجّل العقاري، وإدخال المعلومات العائدة للمعاملات العقارية في برنامج الكومبيوتر، وإخراج ما يريده للمواطنين، وتنظيم الإفادات العقارية وختمها، واستيفاء أتعابه والإكراميات المتوجّبة.
الوظيفة لأبناء كسروان فقط!
وكانت “الشيخة” تحيط إبنها باهتمام كلّي إلى حدّ أنّها أعطته مكتباً ومقعداً ليمارس “مهمّته” في مساعدة الناس على أكمل وجه، فيما كانت تحجب عن الموظّفين الرسميين مثلها تماماً، هذا المكتب وهذا الكرسي بداعي عدم وجود أماكن شاغرة، وعدم وجود مكان يشغلونه كما قيل لإحدى الموظّفات مراراً وتكراراً.
وكلّ هذه التصرّفات ما كانت لتحصل لولا شدّة ثقة شربل القزّي بالدعم السياسي المعطى لوالدته من نائب سابق في منطقة كسروان، ولاعتبارها أنّ العمل في أمانة السجّل العقاري في جونيه حكر على أبناء كسروان فقط دون اللبنانيين الآخرين حتّى ولو كانوا من الطائفة نفسها.
موافقة ضمنية
وكان أمين السجّل العقاري في جونيه جويس عقل على اطلاع على عمل شربل المثابر على الحضور يومياً وعلى مدى سبع سنوات، والمتخذ لنفسه مكتباً في السجّل المذكور، حتّى ظنّه الناس موظّفاً، ولكنّها لم تبادر إلى ردعه أو منعه من “تعقبّ” معاملات الناس من داخل مكاتب الدائرة العقارية، على الرغم من تلقيها سلسلة مراجعات في هذا الخصوص، وفي وقت كان هناك موظّفون رسميون لا يجدون كرسياً يجلسون عليه لتنفيذ وظيفتهم في خدمة الناس، ويراجعونها بشأن “احتلال” شربل القزّي لمكانهم الوظيفي، وعدم قدرتهم على إزاحته، أو طرده من المكتب بسبب احتمائه بوالدته “الشيخة يمنى”، أو بالأحرى شريفة.
وأظهر التقرير التلفزيوني الذي بثّته قناة “الجديد” أنّ أمين السجّل جويس عقل كانت تتهرّب من الإجابة عند سؤالها عن شربل القزّي، ممّا يدلّل على رضاها الضمني على وجوده في المكاتب المسؤولة عنها إدارياً، خلافاً للقانون، وإذا ما أبدت رأيها بحرّيّة مطلقة تضمّن جوابها “بأنّ الموظّفة اسطفان لا تريد أحداً إلى جانبها بدلاً من إبنها، وهي لا تستطيع الضغط عليها، ولا تمانع أيضاً كون العمل يسير معهما على خير ما يرام” على ما ورد في إخبار المحامي المصري.
رفض تنفيذ أوامر الرئيس القانونية
وقام الموظّفون المستاؤون من تصرّفات اسطفان وابنها وعقل بمراجعات عديدة لدى المدير العام للشؤون العقارية بالتكليف جورج المعراوي دون أن يفلحوا في إيجاد كرسي لهم في مكان وظيفتهم، كما أنّ اسطفان وعقل رفضتا تنفيذ قرار المعرّاوي بإلحاق السيّدة الموظّفة م.ق. بالدائرة التي توجد فيها اسطفان على الرغم من وجود نقص هناك، ولمّا تمّت مراجعتهما وتذكيرهما بوجوب التزام القانون وتنفيذ قرار رئيسهما رفضتا بشكل كبير، وهذا ما حمل النيابة العامة المالية على الادعاء عليهما بجرم المادة 373 من قانون العقوبات والتي تنصّ بشكل صريح على معاقبة الموظّف الذي لم ينفّذ الأوامر القانونية الصادرة إليه عن رئيسه بالحبس حتّى سنتين وبغرامة مالية، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
واسترعى هذا الشريط إهتمام وزير المالية علي حسن خليل الذي تحرّك على الفور وأجرى مناقلات جديدة في السجّل العقاري في جونيه قضت بإلحاق شريفة اسطفان بأمانة السجّل العقاري في بعبدا حيث بقيت فترة من الزمن أملاً في العودة إلى جونيه، ولمّا لم تفلح “الوساطة” السياسية في إرجاعها، قدّمت إستقالتها من الوظيفة نهائياً.
وهذا الأمر أدّى إلى تراجع الشكاوى اليومية من فتور الأداء والعمل في أمانة السجّل العقاري في جونيه، خصوصاً وأنّ هناك إجراءات أخرى تمّ اتخاذها مثل وضع مراقب يومي يدوّن حركة الدخول وكيفية الإنتاج وسير العمل، ووضع خطّ ساخن بتصرّف المواطنين لإبداء أيّة شكوى، وما لبثت هذه الفورة الرقابية أن خفّت تدريجياً وصولاً إلى إلغاء الخطّ الساخن نهائياً!.
ولا بدّ من التذكير بأنّه جرى توقيف الأم وابنها فترة من الزمن، ثمّ أخلي سبيلهما بكفالة مالية مقدارها أربعون مليون ليرة.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 8 – حزيران 2016).