أيّ قانون يطبّق على العقد: إيجار حرّ أم ممدّد؟/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
بحثت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت – الغرفة الحادية عشرة، والمؤلّفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين جهينة دكروب (منتدبة) وكارلا معماري نقطة مهمّة ودقيقة تتعلّق بمدى خضوع عقد الإيجار الموقّع بين والد المستأنف (المؤجّر) والمستأنف عليه (المستأجر) بتاريخ 1997/4/15، للتمديد القانوني، علماً بأنّ العقد تضمّن بنداً يفيد بأنّ الفريقين يقرّان بأنّ الاجارة تعود إلى حزيران 1992، ولم يجر تسلّم الشقّة إلاّ بتاريخ التوقيع بسبب احتلالها وبأنّ الطرفين اتفقا على أنّها تخضع للقانون 92/160 ويطبّق عليها ما يطبّق على الإيجارات العائدة إلى ما قبل العام 1992.
واعتبرت المحكمة أنّه في ضوء عدم ثبوت انبرام الإجارة بتاريخ سابق لتنظيم العقد المبرز في الملفّ والموقّع بتاريخ 15-4-1997 سواء بموجب عقد خطّي أو من خلال بدء التنفيذ أو من خلال إقرار صحيح ومطابق للقانون، فإنّه يقتضي اعتبار الإجارة منعقدة بالتاريخ المذكور.
كما اعتبرت أنّه إذا ارتأى الطرفان تحديد البدلات والزيادات وفق أحكام القانون رقم 92/160، أو تحديد بدلات متدنّية مثلاً، لا يحتّم ذلك تطبيق هذا القانون على العقد ككلّ، ولا يمكنه بحدّ ذاته أن يفرض التمديد على المالك، إذ إنّ الغلط الذي وقع فيه الخصوم لهذه الجهة لا يؤدّي إلى تطبيق تشريع إستثنائي على وضعية قانونية لا تتعلّق ولا ترتبط به، باعتبار أنّه ليس للأفراد أن يختاروا النصّ القانوني الذي يُطبّق على تعاملاتهم، بل يعود هذا الحقّ للقانون النافذ وقت هذا التعامل لا سيّما متى كان هذا النصّ إستثنائياً، فالقانون هو الذي يحدّد نطاق تطبيقه في الزمان والمكان والموضوع.
وقضت بفسخ الحكم الابتدائي واعتبار العقد خاضعاً للقانون 92/159 وإخلاء المستأنف عليه من المأجور.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 2020/2/20
ثانياً: في الأساس
وحيث إنّ النزاع الراهن يتمحور حول مدى خضوع عقد الإيجار الموقّع بين والد المستأنف المرحوم أمين والمستأنف عليه بتاريخ 15-4-1997، والجاري على الشقّة الكائنة في الطابق السادس من البناء القائم على العقار رقم /2092/راس بيروت، للتمديد القانوني، علماً أنّ العقد المذكور قد تضمّن في أسفله بنداً يفيد بأنّ الفريقين يقرّان بأنّ الإجارة تعود إلى حزيران 1992 ولم يجر استلام الشقّة إلاّ بتاريخ التوقيع بسبب احتلالها، وبأنّ الطرفين اتفقا على أنّها تخضع للقانون رقم 92/160 ويطبّق عليها ما يطبّق على الإيجارات العائدة إلى ما قبل عام 1992.
وحيث إنّ المستأنف يدلي في هذا السياق بأنّ العقد المذكور يخضع، بالنظر لتاريخ توقيعه لأحكام القانون 92/159، وبأنّه يعود له أن يطالب المستأنف عليه بإخلاء المأجور، سنداً للمادة 543/م.ع تبعاً لإعلامه هذا الأخير بعدم رغبته بتجديد الإجارة، في حين أنّ المستأنف عليه يدلي بمرور الزمن على حقّ المطالبة بإخلائه بالنظر لتقديم الدعوى الراهنة بعد انقضاء أكثر من 18 عاماً على تاريخ انعقاد الإجارة موضوع النزاع فيما لو سلّم جدلاً بأنّ الإجارة عائدة للعام 1997.
وحيث إنّه إن كانت الدعوى الراهنة ترمي من حيث نتيجتُها إلى إخلاء المستأنف عليه، إلاّ أنّها مسندة في الأساس إلى تحديد وصف العقد الجاري بين الفريقين تمهيداً لتحديد القانون الذي يطبّق عليه (أحكام التمديد القانوني الإستثنائي أو حرّية التعاقد).
وحيث إنّه باستمرار إشغال المتعاقد للمأجور (وهو بكلّ حال مانع لسريان مهلة مرور الزمن) بالإستناد إلى أساس معيّن (إجارة ممدّدة) يبقى لخصمه، الذي ينازع في صحّة ذلك، أن يطلب إعادة النظر في الوصف المعتمد في الأصل من قبل والده الذي كان مسؤولاً عن إدارة العقار، لا سيّما إذا كان من شأنه فرض قيود معيّنة عليه بدون نصّ قانوني، وبالتالي إعطاء الوصف الذي يعتبره صحيحاً (إجارة حرّة).
وحيث إنّ إخضاع هذا الطلب إلى التقادم، إنّما يؤدّي عملياً (في حال صحّة إدلاءات المدعي)إلى تكريس تطبيق خاطئ للقانون، عبر فرض أحكامه على أوضاع أو حالات تخرج أصلاً، لا بل هي مستثناة صراحةً، من نطاق العمل به، الأمر غير الجائز خاصة في إطار القوانين الإستثنائية.
وحيث إنّه تبعاً لما تقدّم يكون الدفع بمرور الزمن مردوداً.
وحيث إنّ المستأنف يدلي بأنّ الإجارة موضوع النزاع قد انعقدت فعلياً عام 1997 ما يجعلها خاضعة لأحكام القانون رقم 92/159، سيّما وأنّ المستأنف عليه بقي يشغل شقّته القديمة لغاية هذا التاريخ وإنّه لم يستلم الشقّة الجديدة إلاّ بعد أن أخلاها مستأجرها السابق السيّد أبو جوده تبعاً لتنازله عن إجارته للمالك ما ينفي أيّ احتلال، في حين أنّ المستأنف عليه يدلي بأنّ عقد الإيجار موضوع الدعوى قد أبرم في حزيران 1992 لكنّه لم ينفّذ إلاّ بتاريخ لاحق بسبب الإحتلال الواقع على الشقّة ممّا يجعله خاضعاً للقانون رقم 92/160، وفي أيّ حال بأنّ إرادة الفريقين قد اتجهت بشكل واضح وصريح نحو إخضاعه لأحكام التمديد القانوني ممّا يحول دون إعادة النظر بذلك كون العقد شريعة الفريقين، مشدّداً على أنّ هذه الواقعة ثابتة بمستندات خطّية أيّ العقود المتعاقبة على مدى 18 عاماً والإقرارات القضائية وغير القضائية الصادرة عن المستأنف ووالده من قبله، وتأكيده على تنفيذ العقد وفق أحكام القانون رقم 92/160 لناحية تطبيق الزيادات، الأمر الثابت أيضاً من خلال الإنذار المرسل إليه من قبل المستأنف والإيصالات بدفع البدلات، متذرّعاً إضافة بأنّ العقد الراهن هو امتداد لإجارته السابقة الجارية على الشقّة الكائنة في الطابق الثالث والخاضعة للتمديد القانوني.
وحيث تقتضي الإشارة بدايةً إلى أنّه إذا كان يعود للأفراد أن يرتّبوا علاقاتهم القانونية كما يشاؤون سنداً للمادة/166/م.ع، إلاّ أنّه يتعيّن عليهم التقيّد بالأحكام القانونية التي لها صفة إلزامية كما أنّه يقتضي على كلّ منهم أن يراعي حقوق وحرّية الغير، هذا فضلاً عن أنّه إنْ كان العقد يستمدّ قوّته التنفيذية، من الناحية النظرية، من إرادة الطرفين اللذين التزما بمضمونه غير أنّه يستمدّها عملياً من القانون ذاته، إذ خارج إطار القانون لا يمكن لأحد فريقيه أن يطلب من القاضي الحكم له بإنفاذه ويجب أن يكون العقد متوافقاً مع القانون ومجازاً منه مهما كان شكله حتّى يتمتّع بالقوّة التنفيذية، إذ إنّ القاضي لا يحكم إلاّ بما يمليه عليه القانون من قواعد.
(مراجعة: د.مصطفى العوجي، منشورات الحلبي الحقوقية، طبعة 2011، القانون المدني، الجزء الأوّل، العقد ص 113).
وحيث إنّ القوانين الإستثنائية هي قوانين ترمي إلى تنظيم أوضاع خاصة وهي في الأصل معدّة للتطبيق بصورة مؤقّتة وآنية لمعالجة حالات محدودة، ممّا يقتضي معه تفسيرها بصورة حصرية ويفترض تطبيقها بصورة ضيّقة على الحالات التي ترعاها دون أيّ توسيع في نطاقها وأطرها.
وحيث تدخل ضمن هذا الإطار قوانين الإيجارات الإستثنائية التي كرّست مؤسّسة التمديد القانوني بهدف الحفاظ على أوضاع إجتماعية وعائلية معيّنة وحماية الفريق الأضعف وتأمين مسكن له (المستأجر)، فجاءت متعارضة مع مبدأ حريّة التعاقد المنبثق من الطابع اللبيرالي للتشريعات اللبنانية ومع حقّ الملكيّة الفردية المكرّس قانوناً ودستوراً، إذ وضعت العقد في خانة الأنظمة المفروضة فرضاً على طرفي العقد لا سيّما المالك، بحيث أدّت تلك القوانين عملياً إلى تجميد العقارات لفترات طويلة والحدّ من إمكانية بيعها من الغير كلّ ذلك لقاء بدلات بقيت زهيدة نسبياً رغم الزيادات المقرّرة تباعاً، ومن هذا المنطلق، فإنّه من الملاحظ أنّ قوانين الإيجارات المتعاقبة حرصت في كلّ مرّة على تحديد إطار تطبيقها الزمني بفترة محدّدة، وتناولت عقوداً معيّنة بصورة واضحة، وحرصت على تقليص دائرة المستفيدين من حقّ التمديد عبر تعيينهم بصورة صريحة كما ومن خلال منع التنازل عن الإجارة الممدّدة إلاّ ضمن شروط معيّنة.
وحيث إنّه تبعاً لما تقدّم، فإنّه وإن كان يبقى للفريقين كامل الحرّية في ترتيب التزاماتهما المتبادلة على الوجه الذي يريانه مناسباً لا سيّما لناحية مقدار البدلات وآلية تسديدها وطريقة تحديد زياداتها، إلاّ أنّه لا يصحّ للفريقين أو لأحدهما أن يتمسكا بتطبيق قانون معيّن على علاقة تخرج أساساً من إطار تطبيقه، لا سيّما إن كان من شأن ذلك الحدّ من حقوق أحد الطرفين (هنا المالك) بدون نصّ قانوني وبالتالي بدون مبرّر، فيتعيّن إذن على المحكمة في حال عرض النزاع أمامها من قبل أحد المتعاقدين أن تفصل في النزاع وفق القواعد القانونية التي تطبّق عليه، وذلك سنداً للمادة /369/ أ.م.م، الأمر الذي يقتضي معه تحديد التاريخ الفعلي لانعقاد الإجارة الجارية على الشقّة الكائنة في الطابق السادس، ليصار في ضوء ذلك إلى تحديد القانون الواجب التطبيق عليها بصرف النظر عن القانون الذي تمسك به الفريقان في متن العقد الموقّع عام 1997، ولا يؤخذ في هذا الإطار بما أدلى به المستأنف عليه لناحية أنّه لا يجوز للمحكمة سنداً للمادة /370/أ.م.م أن تعدّل الوصف القانوني عندما يكون الخصوم باتفاقهم الصريح وبشأن حقوق يملكون حرّية التصرّف بها قد قيّدوه بوصف ونقاط قانونية أرادوا حصر المناقشة بها، باعتبار أنّ منازعة المستأنف أمام المحكمة منصبّة تحديداً على وصف العقد ممّا يوجب عليها البتّ بها، سيّما أنّ الوصف القانوني للعمل الجاري بين فرقاء النزاع يعود للمحكمة التي تعطيه للعمل المذكور تطبيقاً للنصوص القانونية.
وحيث إنّه من حيث المبدأ فإنّ تاريخ التعاقد يحدّد بالتاريخ الذي يجري فيه التوقيع على العقد من قبل أطرافه حيث تنشأ الإلتزامات المتبادلة في هذا التاريخ.
وحيث إنّه إذا كان من الجائز أن يتفق الفريقان، سنداً لأحكام المادة /81/ م.ع وما يليها، على تعليق تنفيذ الموجب (أو العقد) على شرط عارض مستقبل إلاّ أنّه يتعيّن عليهما إثبات ذلك أساساً بتاريخ الإتفاق الأصلي، وذلك للتمكّن من تحديد طبيعة الشرط وعناصره والتحقّق من مدى صحّته في ضوء القوانين المرعية الإجراء، وليس لاحقاً بتاريخ تنفيذ العقد وتحقّق الشرط المدعى به، بالنظر لما لتاريخ إبرام الإتفاق من أهمّية لناحية تحديد القانون الواجب التطبيق على العلاقة.
وحيث إنّه في الحالة الراهنة، فإنّ تاريخ انبرام العقد موضوع النزاع لم يحدّد بشكل واضح ودقيق (حزيران 1992 وصادف شهراً قبل دخول القانون رقم 92/160 حيّز التنفيذ) ممّا يثير الشكّ حول دقّة هذا التاريخ وصحّته، هذا فضلاً عن أنّ شرط التعليق المدلى به (أيّ إخلاء المأجور من قبل المحتل) لم يثبت في الملفّ بالنظر لوجود عقد إيجار موقّع ما بين والد المستأنف المرحوم والسيّد جوي بتاريخ 1-1-1995، أيّ خلال فترة الإحتلال المشار اليها، وبالنظر لقيام السيّد جوي بواسطة وكيله، بتاريخ 7-2-1995 بتوقيع “تنازل عن عقد إيجار وبراءة ذمّة متبادلة” يتنازل بموجبه عن إجارته لوالد المستأنف، وذلك لقاء بدل خلو قدره /8000/ د.أ، ممّا يفيد بأنّ الشرط المذكور غير صحيح وغير جدّي تبعاً لعدم قيام الدليل على واقعة الإحتلال.
وحيث إنّه في ضوء عدم ثبوت انبرام الإجارة بتاريخ سابق لتنظيم العقد المبرز في الملفّ والموقّع بتاريخ 15-4-1997 سواء بموجب عقد خطّي أو من خلال بدء التنفيذ أو من خلال إقرار صحيح ومطابق للقانون، فإنّه يقتضي اعتبار الإجارة منعقدة بالتاريخ المذكور.
وحيث إنّه يبقى التحقّق ممّا إذا كان الحقّ بالتمديد القانوني قد انتقل إلى المستأنف عليه أصولاً، رغم انبرام العقد وتنفيذه عام 1997، بالإستناد إلى أحكام القانون رقم 92/160 وضمن الأطر المحدّدة فيه، علماً أنّ تلك الأحكام تميل إلى الحدّ من إمكانية انتقال حقّ التمديد، وفقاً لما ذكر أعلاه، لما في ذلك من خروج عن مبدأ حرّية التعاقد ومخالفة لطابع عقد الإيجار المؤقّت وارتباطه بأجل.
وحيث من ناحية أولى، يجوز أن يستمدّ المستأنف عليه الحقّ بالتمديد القانوني على الشقّة الكائنة في الطابق السادس من شاغل تلك الشقّة السابق في حال تنازل هذا الأخير عن حقّه لمصلحته بموافقة المؤجّر، وذلك سنداً للمادة /7/ من القانون رقم 92/160.
وحيث إنّه يتبيّن في هذا السياق أنّ شاغل الشقّة المشار إليها، السيّد أبو جودة، تنازل عن حقّه لمصلحة المؤجّر مباشرةً وفق مضمون كتاب التنازل وبراءة الذمّة المنوّه عنه أعلاه، وليس لمصلحة المستأنف عليه والذي لم يتمّ ذكره إطلاقاً، وذلك بتاريخ سابق لتاريخ انعقاد الإجارة الراهنة بين الأخير والمؤجّر.
وحيث إنّه من ناحية ثانية، فإنّه لا يجوز أن ينقل المستأنف عليه في المقابل الحقّ بالتمديد القانوني المرتبط بالشقّة الكائنة في الطابق الثالث إلى الشقّة الكائنة في الطابق السادس، تبعاً لكون الإجارتين مستقلّتين تماماً عن بعضهما وغير مرتبطتين الواحدة بالأخرى، بالنظر لتجديد الموجب عبر إدخال عنصر جديد عليه من خلال تبديل موضوعه، أيّ المأجور، (م 323/م.ع) هذا فضلاً عن تعديل مقدار بدل الإيجار، الأمر الذي يؤدّي إلى إسقاط الموجب الأوّل أصلاً وفرعاً تجاه الجميع (325/م.ع) ممّا يحول دون انتقال حقّ التمديد المرتبط بالعقد الأوّل والملازم لإجارة الشقّة الأولى إلى العقد الثاني.
وحيث إنّه تأسيساً على مجمل ما تقدّم، فإنّه في ضوء انبرام العقد موضوع النزاع الجاري على الشقّة الكائنة في الطابق السادس بعد تاريخ دخول القانون رقم 92/160 حيّز التنفيذ، وبالنظر لغياب الآلية القانونية لانتقال حقّ التمديد للمستأنف عليه عند تبديله المأجور الذي يشغله، تضحى الإجارة موضوع النزاع خاضعة للحرّية التعاقدية ولأحكام القانون 92/159 وذلك بالرغم من إقرار المستأنف، بموجب المستندات الخطيّة المبرزة في الملفّ وبمعرض استجوابه، بصحّة تواقيع والده واعترافه بإنفاذه العقود سنداً لأحكام القانون رقم 92/160، ذلك أنّه لا يسع الفرقاء إخضاع اتفاقهم إلى قانون خاص استثنائي لا يدخل هذا الإتفاق ضمن نطاق تطبيقه المحدّد بصورة حصرية، لناحية التمديد الذي يعتبر استثناء للقاعدة، بحيث إنّه لا يؤخذ على المستأنف تمسكه، ولو بعد عدّة أعوام، بأحكام القانون الواجب التطبيق على علاقته مع المستأنف عليه، من أجل وضع حدّ للإجارة، وأمّا في ما يتعلّق بطريقة احتساب البدلات والزيادات الطارئة عليها، فإنّ هذه المسألة ثانوية يعود للمتعاقدين ترتيبها وفقاً لمشيئتهما بكلّ حرّية، وبالتالي فإن ارتأى الطرفان تحديد البدلات والزيادات وفق أحكام القانون رقم 92/160، أو تحديد بدلات متدنّية مثلاً، لا يحتّم ذلك تطبيق هذا القانون على العقد ككلّ، ولا يمكنه بحدّ ذاته أن يفرض التمديد على المالك، إذ إنّ الغلط الذي وقع فيه الخصوم لهذه الجهة لا يؤدّي إلى تطبيق تشريع إستثنائي على وضعية قانونية لا تتعلّق ولا ترتبط به، بإعتبار أنّه ليس للأفراد أن يختاروا النصّ القانوني الذي يُطبّق على تعاملاتهم بل يعود هذا الحقّ للقانون النافذ وقت هذا التعامل لا سيّما متى كان هذا النصّ إستثنائياً، فالقانون هو الذي يحدّد نطاق تطبيقه في الزمان والمكان والموضوع.
وحيث إنّه بحسب المادة /542/ م.ع معطوفة على المواد /590/ م.ع وما يليها، تنتهي الإجارة حتماً عند حلول الأجل – مع مراعاة تمديد الفترة التعاقدية الأولى إلى ثلاث سنوات- وإذا انتهى عقد الإيجار وبقي المستأجر واضعاً يده على المأجور عدّ الإيجار مجدّداً بالشروط عينها وللمدّة نفسها، هنا سنة فسنة، إلاّ أنّ الإستمرار في الإنتفاع بالمأجور لا يفيد تجديد العقد ضمناً إذا كانت التخلية قد طلبت أو كان أحد الفريقين قد أتى فعلاً آخر من هذا القبيل يستفاد منه عدم رغبته في تجديد العقد.
وحيث إنّ المستأنف قد أرسل انذاراً للمستأنف عليه بتاريخ 26-3-2015، أعلمه فيه بأنّه لم يعد يرغب بتجديد العقد وذلك بالشروط الواردة فيه، علماً أنّ الإجارة تنتهي حكماً بتاريخ 5-4-2015، ودعاه إلى إبرام عقد إيجار جديد بشروط جديدة قبل هذا التاريخ في حال رغتبه وإلاّ إخلاء المأجور وتسليمه إيّاه شاغراً وخالياً في مهلة تنتهي محدّدة.
وحيث إنّه تبعاً لذلك، يضحى عقد الإيجار موضوع النزاع مفسوخاً في شهر نيسان 2015 الأمر الذي يقتضي معه إلزام المستأنف عليه بإخلاء المأجور وتسليمه للمستأنف شاغراً من أيّ شاغل.
وحيث إنّ الحكم الإبتدائي بانتهائه إلى ردّ الدعوى الراهنة، يكون واقعاً في غير موقعه القانوني الصحيح، الأمر الذي يقتضي معه قبول الإستئناف أساساً وفسخ الحكم المذكور، ورؤية الدعوى انتقالاً، والحكم مجدّداً بإلزام المستأنف عليه بإخلاء المأجور الكائن في الطابق السادس من العقار رقم /2092/رأس بيروت، وتسليمه للمستأنف خالياً وشاغراً من أيّ شاغل.
وحيث إنّه وفي ضوء النتيجة التي توصّلت إليها المحكمة، لم يعد من حاجة لبحث بقيّة الأسباب والمطالب الأخرى الزائدة أو المخالفة إمّا لعدم الحاجة، وإمّا لأنّها لقيت في ما سبق ردّاً ضمنياً، بما في ذلك الإدلاء بعدم قانونية قرار دعوة الخصوم الى الإستجواب لعدم الجدوى بعدما قرّرت المحكمة ردّ طلب الرجوع عن الإستجواب على ضوء تعلّقه بتوضيح ظروف توقيع العقد موضوع النزاع، إضافة إلى طلب الرجوع عن الشقّ الآخر من القرار التمهيدي كونه لاقى ردّاً في التعليل المساق أعلاه
لذلك،
تقرِّر بالإجماع:
1- قبول الإستئناف شكلاً.
2- ردّ الدفع بمرور الزمن.
3- قبول الإستئناف اساساً، وفسخ الحكم الإبتدائي، ورؤية الدعوى انتقالاً، والحكم مجدّداً باعتبار العقد الموقّع في ما بين المستأنف عليه ووالد المستأنف بتاريخ 15-4-1997 خاضعاً للقانون رقم 92/159، وإلزام المستأنف عليه بإخلاء المأجور الكائن في الطابق السادس من العقار رقم /2092/رأس بيروت، وتسليمه للمستأنف خالياً وشاغراً من أيّ شاغل.
4- ردّ سائر الأسباب أو المطالب الزائدة أو المخالفة.
5- إعادة التأمين الإستئنافي، وتضمين المستأنف عليه الرسوم والنفقات القانونية.
قراراً صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 2020/2/20
“محكمة” – الأحد في 2020/6/21