علم وخبر
إحتفاظ المهندس المستأنف بالمبلغ رغم انتهاء عضويته وملاحقته تأديبياً.. ومنعه من مزاولة المهنة/ناضر كسبار
ناضر كسبار(نقيب المحامين السابق في بيروت):
بحثت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، الغرفة الناظرة في القضايا النقابية، والمؤلفة من القضاة الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري، وممثلي مجلس نقابة المهندسين في بيروت شارل الحاج ويوسف ابو كرم، عدة نقاط تتعلق بعدم اعتبار القرار الذي يصدر عن المجلس التأديبي معجل التنفيذ، كما بحثت المحكمة في مدى صحة ارتكاب المستأنف المحكوم أمام المجلس التأديبي للأفعال المنسوبة اليه، وهي احتفاظه بمبلغ معين عائد للنقابة تسلّمه من صناديق النقابة واحتفظ به مدة من الزمن ولم يعده الى صندوق النقابة رغم مطالبته بذلك عند انتهاء عضويته في مجلس النقابة.
وقضت بتصديق القرار التأديبي المستأنف الذي قضى بمنع المستأنف من مزاولة المهنة لمدة ثلاث سنوات.
ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2024/4/4.
ثانياً: في مسألة وقف تنفيذ القرار المستأنف
حيث ان المستأنف يطلب وقف تنفيذ القرار المسـتأنف.
وحيث يقتضي التذكير في البدء الى انه لدى وجود نقص في القوانين والقواعد الاجرائية الاخرى، تتبع القواعد العامة في قانون أ.م.م. عملاً بأحكام المادة 6 من القانون الانف الذكر.
وحيث إعمالا لاحكام المادة 570 من قانون أ.م.م. لا تجوز مباشرة التنفيذ المعجل ان لم يكن مقررا في الحكم إلا في الحالات التي يكون فيها الحكم معجّل التنفيذ، وتعتبر معجلة التنفيذ بقوّة القانون على الأخصّ القرارات الصادرة في الامور المستعجلة او الاوامر الصادرة على العرائض والقرارات القاضية بتدابير مؤقتة او احتياطية في نطاق المحاكمة واي حكم او قرار ينص القانون على تعجيل تنفيذه.
وحيث ولئن نص القرار التأديبي المستأنف عليه انه معجل التنفيذ، الا انه يقتضي البحث في مدى تلاؤم النص المذكور او تعارضه مع الاحكام القانونية العامة، علما انه على المحاكم التقيد بمبدأ تسلسل القواعد عملا بأحكام المادة 2 من قانون أ.م.م.
وحيث ان النص على تعجيل نفاذ القرار الصادر عن المجلس التأديبي، لا يمكن ان يتجاوز نص قانون أ.م.م. الذي يتقدم في التطبيق على نص سائر الانظمة المعتمدة للنقابة المستأنف عليها، علما انه وفقا لاحكام المادة 570 أ.م.م. يعتبر معجل التنفيذ اي حكم او قرار ينص القانون على تعجيل تنفيذه.
وحيث على هدي ما تقدم، لا يجوز اعتبار القرار المستأنف معجل التنفيذ في ظل عدم النص قانونا على تعجيل تنفيذه، وان النص على تعجيل تنفيذ القرار التأديبي بموجب القرار المستأنف او النظام لا يجوز تطبيقه لتعارضه مع النص الاعلى درجة والمنصوص عليه قانونا، الامر الذي يؤدي الى اعتبار ان القرار المستأنف لا يتمتع بصفة النفاذ المعجل ولا يزال غير مبرم.
ثالثاً: في الأساس
وحيث ان الجهة المستأنفة تطلب فسخ القرار المستأنف كون الفعل المرتكب منه لا يحط من قدر النقابة والمهندسين ولا يمس الشرف والاستقامة فلا يدخل ضمن الاعمال المنصوص عليها في المادة 61 من قانون تنظيم مهنة الهندسة، الامر المنازع فيه من المستأنف عليها.
وحيث ان قانون تنظيم مهنة الهندسة قد اعطى في المادة 58 وما يليها منه للمجلس التأديبي صلاحية النظر في الشكاوى المقامة على احد المهندسين وفرض عقوبات تأديبية عليه في حال تبين له ان المهندس قد اخل بواجبات مهنته او اقدم اثناء مزاولة المهنة او خارجا عنها على عمل يحط من قدرها او سلك مسلكا لا يأتلف وكرامتها او عرض كرامته او كرامة زملائه لما يمس الشرف او الاستقامة او الكفاءة او مس بسلوكه شرف النقابة التي ينتمي اليها.
وحيث ان ما تضمنته المادة 67 من قانون تنظيم مهنة الهندسة في لبنان رقم 1997/363 لجهة وجوب صدور قرار المجلس التأديبي بمهلة شهرين من تاريخ الشكوى، فان هذه المهلة تعتبر مهلة حث وليست مهلة اسقاط ا ان النص لم يرتب نتيجة سقوط الملاحقة التأديبية او انقضاءها نتيجة تخطي المجلس التأديبي لهذه المهلة، فترد اقوال المستأنف لهذه الناحية.
وحيث لجهة ما يدلي به المستانف من كون نقيب المهندسين بصفته رئيس المجلس التأديبي يجمع صفتي الخصم والحكم فانه يتبين ان المادة 64 نصت على احالة النقيب للمهندس المخالف امام المجلس التأديبي، كما ان المادة 58 نصت على تأليف المجلس التأديبي من النقيب أو نائبه رئيساً ومن اربعة اعضاء من فروع مختلفة تنتخبهم الهيئة العامة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، بحيث ان التنظيم القانوني لطريقة الاحالة امام المجلس التأديبي وكيفية تأليف المجلس التأديبي انما نص عليها القانون، وهي محددة قانونا عملا بالاختصاص المعطى قانونا لاجهزة النقابة، فلا محل للطعن بكيفية تشكيل المجلس التأديبي المحددة قانونا كما ان المستأنف لم يطلب رد النقيب عن النظر بالملف التأديبي العائد له، فيرد ما يدلي به المستأنف لهذه الناحية.
وحيث لجهة ما يدلي به المستأنف من عدم مراعاة حق الدفاع، فانه يتبين بموجب المادة 66 من قانون تنظيم المهنة ان:
“مجلس التأديب يتبع اصول محاكمة سرية، وله عند تعيين مسؤولية المهندس ان يأخذ بعين الاعتبار حسن نيته كما له ان يرجع الى جميع طرق الاثبات، ولمجلس التأديب ان يستعين بمستشار قانوني لحضور جلسات المحاكمة ولابداء المشورة في كافة نواحي اختصاص المجلس، يجب دعوة المهندس المدعي عليه الى المحاكمة والاستماع اليه، وعلى المهندس ان يلبي الطلب وان يجيب على الاسئلة التي توجه اليه وان يعطي الايضاحات التي تطلب منه، وله ان يستعين بمحام او مهندس واحد او بكليهما معا للدفاع عنه، تتخذ قرارات المجلس التأديبي بالاكثرية”.
وحيث لهذه الجهة فانه يتبين ان المجلس التأديبي عقد عدة جلسات في القضية المسلكية المنسوبة للمستأنف وقد استجوب هذا الاخير على مدى جلستين بعد ان ثبت عقد جلسات متعددة، وان المستأنف قد ادلى باقواله ومطالبه اثناء سماع افادته، وقد بحث المجلس التأديبي في قراره المستأنف بما ادلى به وطلبه المستأنف، فيكون المجلس التأديبي قد راعى حقوق الدفاع العائدة للمسـتأنف، المبينة في المادة 66 الآنف ذكرها.
وحيث للقول بوجوب فرض عقوبة تأديبية على المستأنف او للقول بملاءمة العقوبة مع الافعال المنسوبة اليه لا بد من العودة الى معطيات الملف الراهن من اجل تقدير الواقعات الثابتة فيه والتمعن في مدى جديتها، لمعرفة ما اذا كانت الافعال المدعى بها تشكل اخلالا في واجبات المهنة وفي سلوكياتها، توصلا في حال الايجاب، الى تقدير مدى تناسب العقوبة المسلكية المفروضة مع الافعال المرتكبة.
وحيث يتبين بالعودة الى معطيات الملف والى المستندات المبرزة فيه ان المستأنف قد تسلم مبلغ قدره /103,302/د.أ. من صناديق النقابة المستأنف عليها، وانه احتفظ بهذا المبلغ مدة من الزمن ولم يعده الى صندوق النقابة رغم مطالبته بذلك عند انتهاء عضويته في مجلس النقابة، وانه اجرى عملية تسلم وتسليم عند انتهاء ولايته مع المسؤولين في النقابة باستثناء المبلغ المشار اليه في ما سبق، وانه عند الاصرار عليه عمد الى احضار جزء من هذا المبلغ متحججا بأنه سدد الباقب للمنتسبين للنقابة بداوعي طبية واستشفاء، دون ان يبرز اي ايصال يثبت تسديده للرصيد الذي بقي بحيازته كما انه لم يسلم الجزء الذي احضره من اصل المبلغ المذكور واحتفظ به، كما لم يقدم اي ايصال يثبت دفعه للرصيد الى المنتسبين للنقابة لداوع صحية وفق تعهده بذلك خطيا.
وحيث انه يبتين ان المستأنف عاد وسلم المبلغ الذي استلمه من صندوق النقابة كاملا بعد تقدم النقابة بشكوى بحقه احيلت الى الضابطة العدلية المختصة التي تسلمت المبلغ من المستأنف نقدا وسلمته للمسؤول في النقابة عليها باشارة القضاء المختص.
وحيث على نقيض ما يدلي به المستأنف فانه وفق احكام قانون تنظيم المهنة والانظمة العائدة للنقابة المستأنف عليها ليس من صلاحية امين المال في مجلس النقابة ان يحتفظ باموال نقدية عائدة للنقابة لدواع طارئة، كما ليس له صلاحية صرف هذه الاموال.
وحيث كذلك بقي ادلاء المستأنف بانه سلم الاموال التي تسلمها من صندوق النقابة الى المنتسبين لها لدواع صحية مجرداً عن اي اثبات فضلا عن عدم تنفيذه لتعهده الخطي لتقديم ايصالات بذلك للنقابة، اضافة الى انه عاد ونتيجة لتقديم شكوى اختلاس واساءة امانة واودع المبلغ بكامله لدى الضابط العدلية التي سلمته لمسؤولي النقابة، ما يفيد عدم صحة مسألة الايصالات وتسليم المبلغ المذكور الى المنتسبين لدواع صحية.
وحيث ان المادة 61 من قانون تنظيم مهنة الهندسة هي نص عام كرس الحالات التي ترتب مسؤولية تأديبية على المنتسب الى النقابة، كما عدد العقوبات التأديبية التي يجوز إلقاؤها فتدرجت العقوبات من التنبيه الى اللوم وصولا الى المنع من مزاولة جميع الاعمال الهندسية او بعضها لمدة لا تتجاوز الثلاث سنوات والى الشطب من جدول النقابة والمنع من مزاولة المهنة نهائيا.
وحيث تبعاً لما تقدم، فإن اقدام المستأنف على ارتكاب الفعل المتمثل بأخذ مبلغ /103,302/د.أ. نقدا من صندوق النقابة واحتفاظه به مدة من الزمن وعدم اعادته الى النقابة رغم الطلب منه ذلك الا بعد الادعاء عليه جزائيا بجرم الاختلاس واساءة الامانة، وبمعزل عما اذا كان الفعل المذكور يشكل جرماً جزائيا، فانه يعتبر اخلالا اكيدا بواجبات مهنته لاسيما وانه ارتكب هذا الفعل اثناء توليه منصب امين المال في مجلس النقابة، وبالتالي فان الفعل المذكور يدخل في تعداد الاعمال التي ترتب المساءلة المسلكية الوارد في المادة 61 من قانون تنظيم مهنة الهندسة.
وحيث اعمالاً لما لهذه المحكمة من سلطة في تقدير ملاءمة العقوبة، يتبين ان العقوبة الملقاة على المستأنف بموجب القرار المسـتأنف إنما تتلاءم مع درجة خطورة الفعل المرتكب منه وتتناسب مع هذا الفعل.
وحيث انه يقتض بالتالي رد الاستنئاف اساسا وتصديق القرار المستأنف لجهة ما قضى به من ادانة تأديبية وعقوبة مسلكية.
وحيث بنتيجة الحل المساق، تغدو سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة مستوجبة الرد إما لكونها لاقت ردا ضمنيا او لعدم تأثيرها على النزاع، وكذلك رد طلب الحكم بالتعويض لعدم تحقق شروطه.
لذلك
تقرر بالاجماع:
1- قبول الاستئناف شكلاً.
2- رد الاستئناف اساساً وتصديق القرار المستأنف وبالتالي منع المستأنف من مزاولة جميع الأعمال الهندسية لمدّة ثلاث سنوات، أيّ ستة وثلاثون شهراً، من تاريخ ابلاغه هذا القرار المبرم.
3- رد سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة، ورد طلب التعويض المسند للمواد 10 و11 و551 من الاصول المدنية.
4- مصادرة التأمين الاستئنافي وتضمين المستأنفة الرسوم والنفقات القانونية.
قراراً صدر وافهم علناً في بيروت بتاريخ 2024/4/4.
“محكمة” – الخميس في 2024/8/8