أبحاث ودراسات

إغتصاب القاصرين بين الاتجار بالأشخاص والإستغلال في المواد الإباحية/عطاف قمر الدين

الدكتورة عطاف علي قمر الدين:
تضجّ مواقع التواصل الاجتماعي حاليًا بقضيّة صدمت الرأي العام اللبناني، وأصبحت في عهدة القضاء المختص، تتعلّق بعصابة تقوم باستدراج أطفال عبر الشبكات الاجتماعية، بغرض اغتصابهم، فتصوير الفعل، ومن ثمّ مطالبة الطفل الضحية بإبقاء ما تعرّض له طيّ الكتمان وإلّا يتمّ تهديده بنشر المقطع المصوّر في حال تجرّأ على فضح الجريمة.
وممّا لا شكّ فيه أنّ الاغتصاب بشكل عام، واغتصاب الأطفال بشكل خاص، جريمة مروّعة يصعب على المرء حتّى قراءة وقائعها بالنظر إلى وحشية الفعل وحجم الضرر الواقع على المجني عليه من جرّائها، ما يجعل من البديهي التوجّه إلى التشدّد في المعاملة العقابية للمجرمين وعدم التهاون معهم بأيّ صورة من الصور.
فعن أيّة عقوبات نتحدّث وطبقًا لأيّة نصوص جزائية؟ هذا ما سنجيب عنه في المقال الراهن وفق الآتي:
بالعودة إلى النصوص الجزائية اللبنانية ذات الصلة، نجد أنّ قانون العقوبات الذي نظّم أحكام جريمة الاغتصاب في المادة 503 وما يليها منه، قد نصّ في الفقرة الأولى من المادة 505 على أنّ: «من جامع قاصرًا دون الخامسة عشرة من عمره عوقب بالأشغال الشاقة المؤقّتة لمدّة لا تقلّ عن خمس سنوات. ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان القاصر لم يتمّ الثانية عشرة من عمره».
هذه المادة تشكّل السند القانوني «التقليدي» لمعاقبة اغتصاب القاصر. ولكنّ الجريمة المذكورة وما لها من خصوصية تنسحب على وصف الجريمة، بالنظر إلى صغر سنّ الضحية وما يرتبط به من حالة ضعف جسدي ونفسي ونقص في الوعي والإدراك وحاجة مضاعفة إلى الحماية، فهي تقتضي ألّا يكتفي المشرّع اللبناني بالتشدّد مع مرتكبها لجهة جسامة العقوبة فحسب!
وبالفعل، لقد كان الاكتفاء بالمادة 505 أعلاه، غير متلائم مع التزامات لبنان الدولية المتعلّقة بمنع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وخاصةً النساء والأطفال، لا سيّما البروتوكول الخاص الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المعروفة باتفاقية باليرمو، والنافذ منذ عام 2003، والذي اعتبر أنّ الاتجار بالبشر يشمل أيّ استغلال ينطوي على إرغام المجني عليه على ارتكاب أفعال يعاقب عليها القانون، لا سيّما الأفعال الجنسية منها.
وبناءً عليه، أُقرّ القانون رقم 164 تاريخ 2011/8/24 لـ«معاقبة الاتجار بالأشخاص»، والذي جاء ليضيف إلى الباب الثامن من الكتاب الثاني من قانون العقوبات اللبناني، فصلاً جديدًا نظّمت بموجبه أحكام الاتجار بالأشخاص (المادة 586-1 حتّى 586-11 ضمنًا)، والتي تعنينا منها الأحكام التالية:
– أوّلاً: إنّ الاتجار بالأشخاص يعني اجتذاب شخص أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو إيجاد مأوى له، بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو الاختطاف أو الخداع، أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا، أو استعمال هذه الوسائل على من له سلطة على شخص آخر، بهدف استغلاله أو تسهيل استغلاله من الغير، بصرف النظر عن موافقة المجني عليه في حال استعمال أي من هذه الوسائل.
– ثانيًا: يعتبر استغلالاً بالمفهوم أعلاه، إرغام شخص على الاشتراك في أيّة أفعال يعاقب عليها القانون، أو في الدعارة، أو استغلاله جنسيًا.
– ثالثًا: يعتبر اجتذاب المجني عليه أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو تقديم المأوى له، لغرض الاستغلال، بالنسبة لمن هم دون سنّ الثامنة عشرة من عمرهم، إتجارًا بالأشخص، ولو لم يترافق ذلك مع تهديد بالقوّة أو استعمالها أو اختطاف أو خداع أو استغلال سلطة أو استغلال حالة ضعف أو إعطاء أو تلقي مبالغ أو مزايا معيّنة.
– رابعًا: يعاقب مرتكبو جريمة الاتجار بالأشخاص التي تقوم على اجتذاب الأطفال أو نقلهم… بقصد الاستغلال الجنسي، بأيّة وسيلة كانت، بالعقوبات التالية:
– الاعتقال لمدة سبع سنوات والغرامة من مئة وخمسين ضعفًا الى ثلاثمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور في حال تمّت الجريمة باستعمال الخداع أو العنف أو أعمال الشدة أو التهديد أو صرف النفوذ على المجنى عليه أو أحد أفراد عائلته.
– الاعتقال لمدة خمس عشرة سنة والغرامة من ثلاثمائة ضعف الى ستمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور إذا ارتُكبت الجريمة بفعل جماعة من شخصين أو اكثر ترتكب أفعالاً جرمية سواء في لبنان أو في أكثر من دولة، وإذا تناولت الجريمة أكثر من مجنى عليه.
– الحبس من عشر سنوات إلى اثنتي عشرة سنة والغرامة من مئتي ضعف الى أربعمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، طالما كانت الضحية دون الثامنة عشرة من عمرها.
هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية، ومع توفير فضاء شبكة الانترنت لمساحة جرمية جديدة للمجرمين، يستدرجون من خلالها ضحاياهم من وراء الشاشات إلى أرض الواقع، حيث يقترفون بحقّهم أبشع الجرائم، وصولاً إلى تصويرهم وابتزازهم بالموادّ المصوّرة، فلا بدّ هنا من التطرّق إلى إطار قانوني آخر تتمّ سندًا إليه معاقبة هذا الفعل.
والواقع أنّ قانون العقوبات اللبناني، قبل تكريس نصوص حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرّضين للخطر، كان قد تضمّن نصّي المادتين 535 و536 لمعاقبة «دعارة القاصرين»! إلى أن تمّ إلغاء هذين النصّين بموجب المادة 53 من المرسوم الاشتراعي رقم 119 تاريخ 1983/9/16 المتعلّق بحماية الأحداث المنحرفين، والذي حلّت محل أحكامه لاحقًا مواد القانون 422 تاريخ 2002/6/6 لحماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرّضين للخطر والنافذ حتّى تاريخه. ولم يعاد العمل بأحكامهما إلّا وفقًا للمادة 120 من القانون 81/2018 التي قرّرت إعمالهما تحت عنوان « أحكام استغلال القاصرين في المواد الإباحية»، والتي يهمّنا منها ما يلي:
1- يُقصد باستغلال القاصرين في المواد الاباحية تصوير أو إظهار أو تمثيل مادي لأيّ قاصر، بأيّة وسيلة كانت، كالرسوم أو الصور أو الكتابات أو الأفلام أو الاشارات، يمارس ممارسة حقيقية أو مصطنعة بالمحاكاة أنشطة جنسية صريحة أو أي تصوير للأعضاء الجنسية للقاصر.
2- إنّ استغلال القاصرين في المواد الإباحية، وفق التعريف أعلاه، الذي ينطوي على إعداد وإنتاج مواد إباحية يشارك فيها قاصرون فعليًا، يعدّ من قبيل الاتجار بالبشر، وتطبّق عليه أحكامه السالفة الذكر بمقتضى المادة 586-1 وما يليها من قانون العقوبات.
3- تشمل جرائم استغلال القاصرين في المواد الإباحية، بالإضافة إلى ما سبق، تقديم أو نقل أو نسخ أو عرض أو وضع بالتصرّف أو توزيع أو تصدير أو استيراد أو نشر أو بثّ أو ترويج المواد الإباحية المتعلّقة باستغلال القاصرين، بأيّة وسيلة كانت، ويعاقب الفاعل بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمس مئة ألف إلى مليوني ليرة لبنانية، على أن تشدّد العقوبات وفقاً للمادة 257 من قانون العقوبات، إذا تمّ إستعمال شبكة اتصالات الكترونية، كشبكة الانترنت، أو البثّ الاذاعي أو البثّ التلفزيوني، وذلك من أجل نشر أو توزيع المواد الاباحية المتعلّقة باستغلال القاصرين، إلى جمهور غير محدّد. وتطبّق العقوبات ذاتها في حالة المحاولة. كما أنّها تشمل، التقاط أو استعراض بصورة معتادة، بواسطة البث الاذاعي أو التلفزيوني، أو باستعمال خدمة اتصال موجهة للجمهور، أو بأية وسيلة، المواد الاباحية المتعلقة باستغلال القاصرين، أو الاحتفاظ بها عن قصد بأية وسيلة كانت، ويعاقب الفاعل بالحبس حتى سنة على الاكثر وبغرامة لا تتجاوز المليوني ليرة لبنانية او بإحدى هاتين العقوبتين.
على ما تقدّم، إن مرتكبي جرم استدراج القاصرين بهدف اغتصابهم وتصوير واقعة الاغتصاب المشينة والتهديد بنشر المادة الإباحية الجرمية المصوّرة، إنّما يقع تحت طائلة نصوص جريمة الاتجار بالأشخاص التي تعدّ جناية قد تصل عقوبتها إلى الاعتقال لمدّة خمس عشرة سنة والغرامة من ثلاثمائة ضعف الى ستمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، وفق ما سبق تبيانه في متن المقال الراهن، فضلاً عن نصوص معاقبة استغلال القاصرين في المواد الإباحية لجهة الاحتفاظ بالمواد الموثّقة للجريمة وتهديد الأطفال الضحايا بنشرها.
وعلى الرغم من أنّ المادة 586-6 من قانون العقوبات قد نصّت على إعفاء كلّ من بادر الى إبلاغ السلطة الادارية أو القضائية عن جريمة اتجار بالاشخاص وزوّدها بمعلومات أتاحت إمّا كشف الجريمة قبل وقوعها وإمّا القبض على مرتكبيها أو شركاء أو متدخّلين فيها أو محرّضين عليها، طالما أنّه لم يكن مسؤولًا بصفته مرتكب الجريمة، من العقاب المكرّس لها، وكذلك المادة 586-7 التي أفادت من العذر المخفف من زوّد السلطات المختصة، بعد اقتراف الاتجار بالأشخاص بمعلومات أتاحت منع تماديها، إلّا أنّنا نهيب بالقضاء اللبناني عدم التهاون مع الفاعلين بأيّ شكل من الأشكال وتطبيق العقوبات القصوى الرادعة بحقّهم، لأنّ أيّ تسامح مع المجرمين، هو ليس إلا ظلمًا إضافيًا للضحية.
“محكمة” – الخميس في 2024/5/2

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!