مقالات

إميل بجاني واقتناص العلامة/ناضر كسبار

ناضر كسبار(نقيب المحامين السابق في بيروت):
على اثر وفاة الوزير السابق النقيب ادمون كسبار كتب عضو المجلس الدستوري المحامي اميل بجاني الذي كان قد تدرج في مكتبه مقالة ومما جاء فيها:
“…قال له مرة احد القضاة: قرأنا لوائح خصمك فلم نفهم، قرأنا لوائحك ففهمنا ما يقول. واذا اتاه من يقص عليه وقائع قضية فكثيرا ما يقاطعه ليتابع هو عن محدثه وقائع القضية لأنّ ما سمعه كان كافيا لجعله يحزر الباقي ويتنبأ بالخاتمة. ذلك ان الوقت في ازدحام مشاغله وزحمة انشغاله ثمين جدا، وان ضياعه هو ضياع للحياة والثروة وانتاج العمر فضلا عن ان اللجاجة كانت عنده من فرط الذكاء ويقظة الخاطر وسرعة البادرة تحضره النكتة اذا شاء يستلذ سماعها ويتقنها جارحة غير قاتلة كانت او لابسة ثوب الظرف والمداعبة. فذات يوم قرأ نبأ وفاة اسقف يعرف بخله فعلق ضاحكاً:” حتى اذا خسر نفسه فلن يخسر حسنة قداس لخلاصها.”
***
 “المتهم في قفص الاتهام”
اثناء الندوة التي عقدها مجلس الفكر في بيت مري بمناسبة صدور كتاب بين الصحافة والقانون للمحامي الكبير اميل بجاني، وبعد ان تكلم الاب الدكتور يوحنا قمير والدكتور جميل جبر والصحافي طلال سلمان والمحامي عبدالله القبرصي ووضع كل واحد منهم الكتاب على المشرحة لتقييمه وكانوا يجلسون على طاولة واحدة. وما ان جاء دور الكاتب المحامي اميل بجاني حتى وقف وانتقل الى طاولة محاذية وجلس قائلا:
– بما ان الجلسة جلسة تقييم، فعلى المتهم ان ينتقل الى قفص الاتهام. فضجّت القاعة بالتصفيق.
***
اقتناص العلامة
وما ان جلس الاستاذ بجاني حتى نظر ناحية الاب الدكتور قمير وارتجل كلمة ومما قاله:
– هل تذكر حضرة الاب الجليل ان علامة 20/10، نحن تلاميذك، كنا نقتنصها منك اقتناصا ونعود بها كما عاد نابوليون من معركة اوستيفليس؟
***
“المرتشي الآدمي”
ويروي المحامي الكبير اميل بجاني طرفة على لسان العلامة المرحوم عبدالله لحود والذي كان يقول له بأنه سمع بأن قاضياً في بلد معين كان يرتشي منذ عشرات السنين ولكن بطريقة ذكية، وانهم لقبوه في اوساطه “بالمرتشي الآدمي”. وعندما استغرب الاستاذ بجاني كيفية حصول مثل هذا الامر، اخبره العلامة المحامي عبدالله لحود انه كان لهذا القاضي سمساران. يرسل احدهما الى عند المدعي والآخر الى عند المدعى عليه فيقبضان منهما. الا ان القاضي كان يحكم بالعدل والانصاف والقانون وما يمليه عليه ضميره. وبعد صدور الحكم يعيد الاموال للفريق الخاسر ويحتفظ بأموال الفريق الرابح.
***
في معرض جوابه على احد الاسئلة يقول المحامي الكبير اميل بجاني في كتابه “بين الصحافة والقانون”:
ماذا يجول في المخيلة؟ “ان في ثنايا النفس البشرية مغارات لا تسبر كما يقولون…فقد يكون ما يضمره القلب غير ما ينطق به اللسان. طلاء النيات بقناع الفضيلة ليس بالامر العسير، رحم الله جوزيف دي مستر الذي قال انا لا اعرف ماذا يجول في مخيلة مجرم من افكار، بل اعرف ما يجول في مخيلة رجل “آدمي” وانه لشيء مريع.
***
سر كيم فلبي
وفي الكتاب عينه يقول الاستاذ بجاني:
“في اواخر 1989، نقلت الصحف بثلاثة اسطر، في زاوية ضائعة من صفحاتها، خبر وفاة كيم فلبي في موسكو برتبة مارشال في جهاز الاستخبارات السوفياتية  K.G.B..
في كتابه “حربي الصامتة” يروي كيم فلبي حكاية هربه من بيروت يقول:”بعد سبع سنوات امضيتها في بيروت تركت هذه المدينة متوجها الى الاتحاد السوفياتي.
قد يكون ثمة رجل رابع اعلمني بشيء ما..وقد يكون شخص ما قد زل لسانه وارتكب هفوة قاتلة. او ربما لأنّه اتاني بعض التعب..ثلاثون سنة امضيتها في جحور السرية والمؤامرات فقطعت “من عمري الجزء الاكبر. ولا استطيع التكهن بأنها لم تترك على وجهي اثرا او علامة فارقة. اترك للتاريخ “ان يتصرف بتلك الاسرار، يدفنها اذا شاء ولا يعيرها اهتمامه فيغيبها التراب…لكن الروايات التي “تناقلتها الصحف عن هربي من بيروت، فكلها اختراع باختراع. جريدة الستردي ايفننغ بوست طلعت “بحكاية مؤثرة جدا ذكرت فيها كيف لاحقني البوليس اللبناني..قصة بائع الحلوى الارمني..سائق “التاكسي تنهب سيارته الارض نهبا تحت جناح الليل..ان مخيلة الصحافيين لخصبة جدا.
مات كيم فلبي ولم يبح بسره، مات مواطنا سوفياتيا، وكان وضع نصب عينيه شعارا سمعه من والده في صغره:”تقدم دائما الى الامام، صارع حتى النهاية والى اقصى ما تعتقد انه الصواب، مهما تكن الصعوبات!”
***
كلام الرجال
وحول الوفاء بالعهود واحترام الرجال لكلامهم يقول المحامي بجاني:
“اثبات الحق هو بأهمية الحق.من ليس بيده دليل على حقه هو كمن لاحق له. “واذا تداينتم الى اجل مسمى فاكتبوه” (سورة البقرة).
قديما كتب لوزال Loysel :”تربط الرجال بكلامها كما الثيران بقرونها”.
شرف الكلمة كان عظيماً، وان كلام الرجال اهم من الكتابة في ذلك الزمان.
***
لقب الامومة
كما كتب المحامي اميل بجاني في الكتاب عينه كلمة بليغة ومما جاء فيها: “حقا قيل من دون محاباة ان بيروت جديرة بأن يكتب اسمها الى جانب اسم روما في صناعة القانون.
وهل ادل على مبرة لمدينة، او على مخاض العبقرية في ما تأتي وتصنع، من الاعتراف لها بصفة “الامومة” وهو لقب لم يترام الينا انه اطلق على مدينة سواها في التاريخ.
قلنا في السياق اعلاه ان كتابة عثر عليها بين الاعمدة تشير: هنا يرقد باتريسيوس..وقد يكون الركام غيب سواها الكثير او حول الحريق هذا الكثير هبابا اذرته الرياح.
وهنا بيروت، على باب قرن جديد، تحاول وسط الغبار استكشاف مواقعها الاثرية، فان لنقابة المحامين، في سنة يوبيلها الخامس والسبعين، نداء الى المعمرين، ساعة ستلامس معاولهم التراب: ان خففوا الوطء ان اديم الارض من اجساد عباقرة لا يموتون.
“محكمة” – الخميس في 2024/11/28

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!