الحقيقة في لبنان بين الضياع والبحث المستمرّ/أنطونيو الهاشم

أنطونيو الهاشم (نقيب المحامين سابقًا):
في ظل مجتمع يموج بالتناقضات والتجاذبات، يصبح البحث عن الحقيقة أشبه برحلة شاقة في متاهة من المصالح والأوهام. لبنان، هذا الوطن الصغير بحجمه والكبير بأزماته، لطالما كان مسرحًا لصراع بين ما هو حقيقي و ما هو مزيف، بين ما يُقال وما يُخفى، بين الواقع وما يراد لنا أن نصدّقه.
في زمن كَثُرت فيه الوجوه المقنّعة والخطابات الرنّانة، يكاد يكون من المستحيل تمييز الحقيقة من الزيف. فهل نجدها في السياسة؟ أم في الإعلام؟ أم في العلاقات الاجتماعية التي باتت تحكمها المصالح أكثر من القيم؟ أم في وسائل التواصل الاجتماعي؟
إن الحقيقة، كما يبدو، أصبحت سلعة نادرة، مخبأة بين ركام التناقضات، لا تظهر إلا لمن يسعى إليها بصدق، ولمن يمتلك الجرأة على مواجهة الواقع بكل مرارته.
هنا، لا يمكننا إلا أن نستحضر شخصية ديوجين الفيلسوف اليوناني الذي كان يتجول في وضح النهار وهو يحمل فانوسًا، يبحث عن “إنسان” حقيقي، عن شخص صادق في زمن الخداع. فلو عاد ديوجين اليوم وسار في شوارع لبنان، هل كان سيجد الحقيقة في أروقة السلطة أم في زوايا الفقر والتهميش؟ هل كان سينظر في أعين القادة أم في وجوه البسطاء الذين لا يملكون سوى الصدق ليواجهوا به قسوة الحياة؟
لكن، وعلى الرغم من كل شيء، لا تزال الحقيقة موجودة، لكنها ليست حيث يظنّها الكثيرون. إنّها في وجوه الأمهات اللواتي يناضلن من أجل مستقبل أبنائهن، في أصوات الشباب الذين يطالبون بالتغيير، في الأقلام التي لا تخشى قول الحق، وفي كل نفس حرة ترفض الخضوع للزيف والاستسلام للوهم.
إن البحث عن الحقيقة في مجتمعنا اللبناني ليس مجرد رحلة فلسفية، بل هو معركة يومية بين الخضوع والتمرد، بين التواطؤ والصدق، بين أن نكون أحرارًا أو أن نظل أسرى للأكاذيب. وكما قال ديوجين ذات يوم، فإن الإنسان الحقيقي ليس من يتحدث عن الحقيقة فقط، بل من يعيشها، مهما كان الثمن.
“محكمة” – الاثنين في 2025/3/31