الأخبار

الرسوم والغرامات في بلدية بيروت باب مشرّع للرشاوى

حوّل بعض موظّفي بلديّة بيروت بدء موسم استيفاء الرسوم البلديّة للعقود المُسجّلة فيها إلى فرصة لفتح بابٍ عريض للهدر وتحويل الرشاوى إلى «مستحقّات قانونيّة» يدفعها المراجعون بالحُسنى أو تحت الضغط والتهديد برفع الغرامات*!
هذا الباب المُشرّع على مصراعيه من دون حسيب أو رقيب، دفع ببعض مراقبي الرسوم في مالية بلدية بيروت ودوائر التحصيل إلى تحويلها إلى أشبه بـ«مافيات» تعمل وفق «قوانين» خاصة تسري على كلّ المراجعين بهدف تحصيل الرشاوى.
ويؤكد عدد من الموظفين في البلديّة ممن وصلتهم شكاوى المراجعين أنّ بعض الموظفين المسؤولين عن تسجيل الطّلبات يرفضون تسجيل عقود الإيجار الرسميّة بحجّة أنّها منخفضة ولا تتلاءم مع قيمة الإيجارات الحقيقيّة (وهو ما يفعله العديد من أصحاب المنازل مع المستأجرين بهدف خفض الرسوم). ولكن، بدلاً من إحالة هذه العقود إلى لجان التخمين لتقدير قيمتها المتناسبة، يعرض هؤلاء على المراجعين الإبقاء على قيمة الإيجارات المخفّضة وعدم إحالتها إلى اللجان مقابل رشوة ماليّة لا تقلّ عن ألف دولار، وهو ما يضيّع على الصندوق البلدي الكثير من المستحقات التي يمكن أن تغذيه في ظل عجز مالي أدّى إلى التخلّف عن تسديد تكاليف الاستشفاء للموظفين.
كذلك، فإن ما يحصل في أمر الغرامات المبنيّة على «مستندات وهميّة» يثير الكثير من علامات الاستفهام حول أسباب عدم فتح هذا الملف رغم وصوله إلى المعنيين وحصول بعض المسؤولين في البلديّة على تسجيلات صوتيّة ومحادثات على تطبيق «واتس اب» لموظفين باتوا يُطالبون مراجعين برشاوى من دون حياء أو خشية من المُلاحقة القانونيّة!
ويوضح مسؤولون في البلديّة أنّ ما أوصل إلى هذا الأمر هو تأخير يصل لعام أو عامين في تسجيل العقود الجديدة إمّا بسبب إهمال بعض الموظفين أو بسبب البيروقراطيّة التي تحكم عمل البلديّة وتستوجب مرور هذه العقود بالعديد من الدوائر واللجان المتخصّصة قبل تسجيلها.
ونتيجة هذا التأخير، تتكدّس الغرامات السنويّة على المستأجرين الجُدد من دون أن يكونوا مسؤولين عن الأمر، وعندما يتوجهون إلى البلدية لدفع المستحقّات يكون الجواب بأنهم غير مكلّفين بعد بسبب عدم تسجيل العقود رسمياً. ووجد بعض الموظفين في هذا التأخير فرصة لتمرير المُخالفات، عبر الضّغط على المراجعين بأنّ معلوماتهم تشي بأن الغرامات المتوجّبة عليهم كبيرة ويُمكنهم تخفيضها في حال حصولهم على رشاوى.
بعض المراجعين يستعجلون الدّفع خصوصاً أنّ قيمة الرشوى تقلّ عن نصف قيمة الغرامة، فيما من يرفضون دفع الرشاوى يكون مصيرهم الابتزاز عبر تهديدهم برفع قيمة الرسوم، ما يدفعهم إلى الخضوع لدفع الرشوى!
ويعاني بعض المراجعين ممّن تركوا الأماكن المستأجرة من الأمر نفسه، إذ إنّه في حال شغور المأجور من دون إعلام البلدية يبقى المستأجر السابق مكلّفاً بالرسوم السّنويّة، ما يرتّب مستحقات مالية وغرامات. ويلفت بعض ممّن اشتكوا من الأمر إلى أنّ عدداً من الموظفين خيّروهم بين الإبقاء على الرسوم أو إلغائها مقابل دفع «براني»، علماً أنّ المعنيين لا يعرفون ماهيّة «إلغاء» الرسوم وكيفيّة القيام بها من قبل المسؤولين عن الرسوم.
في المقابل، قرّر بعض موظفي البلديّة إجراء جولات غير قانونيّة على عددٍ من المُخالفين ممن تخلّفوا عن تسجيل عقود الإيجار في البلديّة، وبدلاً من دفع هذه المستحقات للصندوق البلدي يعرض الموظفون على المتخلّفين التستر عليهم مقابل رشاوى.
وإزاء كلّ ما يحصل في البلدية، تبدو الرقابة في سباتٍ عميق، فلا أجهزة تفتيش تتحرّك ولا مسؤولين؛ فيما يتذرّع المعنيون بأن لا أدلّة بين أيديهم تتيح لهم معاقبة الفاعلين، أو بالتذرع بأنّ للموظفين المخالفين غطاء سياسياً من الأحزاب الفاعلة يحميهم من المحاسبة. في حين يتخوّف بعض المسؤولين في البلديّة من أن يُعيد تكدّس هذه المخالفات، سيناريو ضياع «داتا» البلدية الذي حصل قبل نحو سنة ونصف سنة، خصوصاً أنّ البعض لم يقتنع بأنّ العطل يومذاك كان تقنياً، بل تخريباً متعمّداً لإخفاء التجاوزات والمخالفات القانونية.
* المصدر: جريدة الأخبار.
“محكمة” – الاثنين في 2024/12/30

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!