الشغور الرئاسي وصلاحيات الحكومة المستقيلة/سلام عبد الصمد
المحامي الدكتور سلام عبد الصمد:
بعد أنْ دخل لبنان مرحلة الشغور الرئاسي، تشهد الساحة صراعًا دستوريًا حول من سيدير أو يحكم البلاد خلال هذه المرحلة، خاصةً بعد أن وقّع رئيس الجمهورية مرسوم قبول استقالة الحكومة.
بدايةً، نصّتْ المادة 62 من الدستور على أنّه ” في حال خلوّ سدّة الرّئاسة لأيّة علّةٍ كانت، تُناطُ صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء “.
يتضّحُ لنا أنّ النصّ لم يُفرّقُ هنا بين حكومةٍ عادية او حكومة تصريف الاعمال، فإنّ مجرّد انتهاء ولاية رئاسة الجمهورية، سواء كانت الحكومة عادية أم لا، تُصبحُ بحكم المستقيلة وبموقع تصريف الاعمال، وُيصبح مجلس الوزراء إذن، هو الوكيل بنصّ دستوري.
كما أنّ صدور مرسوم استقالة الحكومة من قبل رئيس الجمهورية، له مفعول إعلاني (declaratif ( وليس إنشائيًا ( constitutif)، باعتبار أنّ من ينشئ استقالة الحكومة هو تحقُّق إحدى الحالات المنصوص عنها في المادة 69 من الدستور، ألا وهي استقالة رئيسها (أيّ رئيس الحكومة)، فقدان أكثر من ثلث أعضائها المحدّد في مرسوم تشكيلها، وفاة رئيس الحكومة، أو سحب الثقة منها من المجلس النيابي، كما وعند بدء ولاية كلٍّ من رئيس الجمهورية ومجلس النوّاب.
وعليه، تبقى الحكومة الحالية في حالة تصريف الأعمال، فلا يحدُّ تصريف الأعمال إلّا تشكيل حكومة جديدة، ونيلها الثقة.
الأمر الذي اكَّده مجلس شورى الدولة في قراره رقم 1999/522، باعتباره أنّ صلاحيات الحكومة تقتصر على تصريف الأعمال منذ لحظة إعلان استقالة الحكومة.
إضافةً إلى ما تقدّم، إنَّ الفراغ من شأنه شلّ عمل المؤسّسات والمرافق العامة، خاصةً في ظلّ انعدام الاستقرار الاقتصادي والأمني في لبنان. ولقد أكّد المجلس الدستوري في قراره رقم 2005/1 تاريخ 2005/8/6 على مبدأ استمرارية المرفق العام، منعاً لحدوث أيّ نزاعٍ دستوري، فاعتبره مبدأ ذا قيمة دستورية norme constitutionnelle supérieure
ويخلصُ ممّا تقدّم، أنّ لا عائقًا أو مانعًا دستوريًا من انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة تصريف الأعمال لضمان استمرارية عمل مصالح الدولة ومؤسّساتها وضمان انتظام سير المرافق العامة.
إذ إنَّ تصريف الأعمال ضرورة وحاجة ملحّة من منطلق الحفاظ على المصلحة العليا للبلاد Raison d’Etat.
فمن غير المنطقي القبول بالفراغ المطلق في السلطة إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وقد أشار مجلس شورى الدولة الفرنسي إلى هذا الأمر في قرارٍ هو الأوّل من نوعه، حيثُ تطرّق إلى مسألة تصريف الأعمال بشكل صريح بقوله:
Considérant qu’en raison de son objet même, et a défaut d’urgence, cet acte règlementaire (…) ne peut être regardé comme une affaire courante, mais extensive relevant de l’intérêt ainsi que du principe de la continuité nécessaire des services publics ( CE, Ass.4 avril 1952, Syndicat régional des quotidiens d’Algérie)
“محكمة” – الثلاثاء في 2022/11/8