الطبّ عن بُعْد: تحدّ صعب لمؤسّسات العالم الافتراضي وحداثة القانون/كبريال خزّاقة
إعداد كبريال خزّاقة:
في ظلّ ثورة معلوماتية بديلة للثورة الصناعيّة التي يسّرت الطريق نحو بزوغ أنماط جديدة للعمل، تراجع معها الوجود المادي للأجير داخل المقاولة حيث ازداد الإقبال على العمل عن بُعْد في ظلّ تنامي استخدام الشبكات العنكبوتيّة.
فقد أعلن الاتحاد الأوروبي خلال المؤتمر الذي عقد في العام 2001 للعمل عن بُعْد ، أنّه قرّر زيادة نسبة التّوظيف إلى 67% بحلول عام 2005 و 70 % لعام 2010 وزيادة نسبة المرأة العاملة إلى 57% و 60% للأعوام ذاتها. وبرز الدور الأهمّ في توظيف كبار السّن (بين 50 و 64 سنة) إلى 50 % لعام 2010. كما يتركّز العمل عن بُعْد في استراليا على الصناعات القائمة على المعرفة كخدمات الاتصال والعقارات وغيرها، بحيث تزايد العمل عن بُعْد في قطاع العقارات وخدمات الأعمال التجارية بمتوسط 30000 منصب عمل جديد بين عاميّ 2009 و 2010 .
وكان للعالم العربي حصّة لهذا الانتقال النوعي، فتكوّنت مؤسّسات حكومية وغير حكومية للنهوض بهذا العمل، كما قامت وزارة العمل السعودية بإطلاق ” برنامج العمل عن بُعْد” الذي يستهدف تلبية رغبات فئتيْن أساسيّتين من القوى العاملة للإلتحاق بسوق العمل هما النساء وذوو الاعاقة من خلال تقديم فرص مرنة تتجاوز حواجز عدم توفر وسائل النقل وعدم ملاءمة مكان العمل لمتطلبات الوظائف النّسائيّة.
فهل الأمر ذو فائدة لناحية التطبيب عن بُعْد وتقديم الخدمات الطبية؟
شكّل الانتقال من العالم الحقيقي إلى نظيره الافتراضي تحدّياً صعباً أمام المؤسّسات الطّبية الساعية الى الرفع من الأداء وتحقيق هامش أوسع من الربح عن طريق كفاءة رقمية متميّزة. حيث يجب القيام بمسح ضوئيّ للرموز والعلامات واستخدام التعريفات الالكترونية والموزعات والاحتكام في كلّ ذلك الى معايير موحّدة واعادة تصميم بيئة للعمل مما يسهل تعلّم الاليات الجديدة وتأمين استخدامها، علاوة على ضرورة وجود سياسة عامة رسمية من طرف الدولة تشجّع على تأسيس وتمكين منظومة الصحّة الالكترونيّة.
في هذا الصدد، ينتشر الطب الالكتروني بشكل كثيف في مناطق عديدة كالولايات المتحدة الأميركيّة حيث تعمل الأجهزة الرقمية على تزويد المريض بمعلومات شاملة عن صحّته، فتوصّف حالة السّكري، الضغط، القلب والتنفّس، كما توثّق انتظام المريض في تعاطي الأدوية، بالاضافة الى توفير العلاج عن بُعْد، خصوصاً للفئات ذات الاحتياجات الخاصة وكبار السّن.
أمّا في فرنسا، فيساعد الطب الالكتروني بنسبة كبيرة العلاج النفسيّ من خلال رصد الحالة وتشخيصها وتوجيه النصائح اللازمة التي تعنى بالاسترخاء وراحة النفس، مع تعزيز الوصفات الطبية بأنشطة رياضية. وقد بدأت المفوّضية الأوروبيّة الاستثمار في الصحة الالكترونية مبكراً عبر مبادرة حوكمة الصحة الالكترونية من خلال التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك من خلال الأجندة الرقمية الأوروبية حيث تقوم بمراجعة الحالات المرضية وكتابة التقارير وتحليل صور الأشعة والاجابة عن الاستفسارات الطبية.
وعلى المنوال ذاته، يتمّ إرساء أنظمة للترميز الطبي تجاور باقي التطبيقات التكنولوجية التي يستعملها الطب الالكتروني.
وقد برزت عدّة أنواع للتطبيب عن بُعْد تصنّف بحسب التكنولوجيا المستعملة:
– القياس عن بُعْد: النقل المتزامن للبيانات الطبية الهامة من المناطق النائية الى مستشفى مركزي.
– التطبيب عن بُعْد : بالتخزين والارسال وهو التقديم المتزامن للخدمات الطبية بقصد إرسال رأي الطبيب وتشخيصه لكل حالة وخاصة في الحالات الطبية غير الطارئة.
– التطبيب عن بُعْد بالمؤتمرات المرئية: يتخذ شكل فيديو مباشر بين المريض ومقدم حالته والذي عادة ما يكون طبيب الرعاية الصحية الأولية الذي يعالجه وبين طبيب استشاري في مستشفى رئيسي يقوم بمراجعة البيانات المتعلّقة بالمريض قبل عقد المؤتمر المرئي. وبعد المؤتمر يجري ارسال تقرير مكتوب عن الحالة الرعاية المنزلية: عبر اتاحة جهاز خاص في المنزل للمريض ان ينقل المعلومات الصحية الخاصة به كمعدّل النبض، ضغط الدم، الأصوات الصدرية. ويمكن رؤية جرعات الأدوية بما فيها محتويات الحقن وبعض الأمراض الجلدية.
أمّا عن الاتجاهات الحديثة لهذه التقنية عن بُعْد، فقد تضمّنت ما يلي:
– يؤدي استخدام التطبيب عن بُعْد في السجون والرعاية الصحية المنزلية الى تقليل وقت وتكلفة نقل المرضى والأطباء والممرّضين بصورة كبيرة.
– تقنين الخدمات الطبية العاجلة في المناطق النائية والريفية لتقييم وارشاد الحالات من قبل الأطباء الاختصاصيين المناسبين.
– إتاحة الفرصة للأطباء الذين يجرون ابحاثاً اكلينيكية للاتصال ببعضهم البعض لتبادل السجلات الطبية والصور التشخيصية.
– اضافة الى تحسين التعليم الطبي للأطباء العاملين في المناطق الريفية، والاكثار من الدورات التدريبية حيث يمكن ربط العديد من المستشفيات بمستشفى جامعي رئيسي لزيادة الوعي الثقافي والطبيّ.
في نهاية المطاف، يثور التساؤل حول مدى امكانية تطبيق النصوص القانونية التقليدية عند حدوث أخطاء طبية في العالم الافتراضي، أم محاسبتهم بطريقة تكنولوجية حديثة تراقب بدقّة لكي لا يصبح عمل الأطباء تجاريًا وتناسب عقوباته الأخطاء دون وجود ثغرات تخوّل هؤلاء الفرار من التدقيق والتحقيق والمحاسبة، خاصة في الحالات الدقيقة بحيث تضمن أمن وسرّية تلك الحالات الصحية!
مراجع ومصادر:
– المالكي الحلايبي عبد الاله، التنظيم القانوني لعقد العمل عن بعد ، مجلة الحقوق، دار نشر المعرفة، ٢٠٢١.
– برنامج العمل عن بُعْد ، مقال منشور في الموقع الالكتروني https://teleworks.sa/?q=ar/about تاريخ الدخول 2023/7/1.
– يونس بلفلاح، الطب عن بُعْد .. ثورة التكنولوجيا، مقال منشور في موقع : https://www.alaraby.co.uk/supplementmoneyandpeople/2015/5/31
“محكمة” – الجمعة في 2023/7/14